تخفيف اللحية من أجل العمل
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الأسماء والصفات - التقوى وحب الله -
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنا شابٌّ في بداية العشرين مِن عمري، أعيش مع أمي بعد وفاة أبي رحمه الله، والحمدُ لله تغيرتْ حياتي من الأسوأ إلى الأحسن، وكأن موت أبي كان هدايةً لي، وكان سببًا في هدايتي وتغيُّري للأحسن؛ حيث كنتُ مُدمنًا للمخدِّرات، والآن تاب الله عليَّ، وأكرمني بالتوبة، وأصبحت أصلي وأقيم واجباتي الدينية، والْتَزَمْتُ ولله الحمدُ.
قررتُ أن أعفي لحيتي، وأن أبتعد عن كل الأمور التي قد تُغضب الله سبحانه وتعالى، وتمسكتُ بالدين والحمد لله، لكن المشكلة أني حصلت على فرصة عمل تشترط أن أخفف اللحية أولاً.
مشكلتي الآن أنني قمتُ بكل ما طلبوا؛ فخففتُ مِن لحيتي، وأصبحت أصافح النساء في العمل، والله وحده يعلم أني أقوم بكل هذه الأمور وأنا كارهٌ، وأعتبر أني أفعل هذا كُلَّه من أجل أمي؛ لكي تعيش في حياة طيبة، وأقول: يا رب، إنك تعلم أنني لا أريد هذا، ولكنني مضطرٌّ لذلك، وأدعو في صلاتي أن يسامحني ربي سبحانه وتعالى، لكنَّ نفسيتي مضطربةٌ جدًّا؛ إذ أخاف أن أكونَ منافقًا، رغم أني أحافظ على الصلوات الخمس، لكن إيماني يضعُفُ يومًا بعد يوم؛ بسبب هذه الوساوس الشيطانية التي أحاربها منذ فترة.
فأشيروا عليَّ بالصواب، لعل جوابكم يكون فيه خلاصٌ لما أنا فيه من اضطرابات نفسيةٍ.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فشكر الله لك - أيها الابن الكريم - بِرَّك بوالدتك، ورغبتك في إسعادها، والتخفيف عنها.
لا يخفى عليك أنَّ الله قدَّر مَقادير الخلائق قبل أن يخلقَ السموات والأرض بخمسين ألف سنةً، ومنها الأرزاقُ؛ وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 22، 23 ]، وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن روح القُدُس نفَث في روعي؛ أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته»؛ رواه الطبراني، عن أبي أُمامة.
وروى البخاري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يد الله ملأى، لا تغيضها نفقةٌ، سحاء الليل والنهار»، وقال: «أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؛ فإنه لم يغض ما في يده».
فكنْ على يقينٍ بما كتبه الله لك من رزقٍ حلالٍ طيبٍ؛ وابتعد عن أي رزق يكون وسيلةً إلى الحرام؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله، إلا أبدلك الله به ما هو خيرٌ منه»؛ كما ثبت في مسند أحمد.
فتُب إلى الله مِن مُصافحة النساء، أو تقصير لحيتك؛ فالتوبةُ تمحو الحَوْبة، والتائبُ مِن الذنب كمَن لا ذنب له، واستمرَّ في عملك دون الوقوع في الحرام، وأحْسِن الظن بالله، فإن أصروا على أن ترتكب المحرَّم، فاتركِ العمل، وابحثْ عن عملٍ لا يكون سببًا في معصيةٍ لله، وتذكَّر دائمًا أن السلامة في الدين لا يَعْدِلُها شيءٌ، ومَن رتع حول الحمى أوشك أن يواقعه، ومَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].
يَسَّر الله أمرك، ورزقك رزقًا حلالًا مِن حيث لم تحتسبْ.