كيف أعود إلى بلدي بالنقاب؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - الطريق إلى الله -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 13 سنة تقريبًا، وأمي ملتزمة، جعلتْني ألبس النقاب عندما بلغتُ، ولم أعارض لأنني - والحمد لله - تحجبتُ وأنا صغيرة.

المشكلة أنني عندما كبرت شعرت بأن النقاب حِمْلٌ على ظهري؛ لأن الحجاب غير منتشر في بلدي "مصر" بكثرة، فشعرتُ أنني غريبة، وبالفعل عندما يراني أشخاص غير الذين أعرفهم يستغربون مني، والبعض يحتقرني، وكل هذا بسبب أن أغلب الفتيات في مصر محجبات، وقليلٌ منهنَّ مَن يرتدين النقاب!

الآن أفكر في العزلة بسبب هذا، والمشكلة أنني لا أريد أن أجرح قلب أمي عندما أصارحها بذلك؛ لأنها ستحزن كثيرًا، وأحيانًا أتكلم عن هذا الموضوع بطريقة غير مباشرة، لكنها تدَّعي عدم فهمي.

حاولت أن أقنعَ نفسي به مرارًا، فقلت في نفسي: هذا النقاب يحميني، هذا النقاب سيساعدني على الزواج من زوج صالح كما أريد، لكني أشعر أنني ما زلتُ غير مقتنعة، وما يُهَوِّن عليَّ هذه المشكلة أنني مقيمة في بلدٍ أغلب فتياته منتقبات؛ فهذا لا يجعلني غريبة بينهنَّ، لكني أحمل هم رجوعي إلى بلدي.

فكيف سأتصرف؟! وكيف سأعيش؟!

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فهوِّني على نفسك - أيتها الابنة الكريمة - فالأمرُ أسهل مما تظنين بكثيرٍ، فليس النقاب على الحقيقة حملًا ثقيلًا، ولا هو غيرُ منتشرٍ في بلدِكِ مصر التي عَرَفَتِ النقابَ طيلةَ عُمر الإسلام، حتى جاءت دَعَوَاتُ التغريب في بدايات القرن الماضي، إلى أن دَحَضَ الله تِلْكِ الدعوات على يد الصحوة المباركة؛ منذ سبعينيات القرن الماضي، ومن حينها عاد النقابُ - وبقوةٍ - للجامعات المصرية، والمدارس الثانوية والإعدادية، ولَكِ أن تقفي عند أي جامعة أو مدرسة بنات؛ لتدركي صِدْقَ كلامي، وأصبحَتِ المرأةُ المنتقبةُ حاضرةً - وبقوة - في المجتمع، وفي كل المجالات العلمية والعملية، نعم بعض الناس ممن ليس عندهم شيءٌ مِن العلم؛ لا قوي، ولا ضعيف، وقلَّ نصيبهم من الهداية، ينظر للمنتقبة نظرةَ استغراب، ولكن هؤلاء يستغربون كل ما هو إسلامي، فهل كلما استغربوا شيئًا من الشريعة، تركناه لنظرتهم؟!

الابنة الكريمة، إنَّ مِن توفيق الله لك أن يسَّرَ عليك تلك الخطوة، وهذا - في حدِّ ذاته - أمرٌ لا تُقْبِل عليه إلا الفتاةُ المحبة لدينها ولرسولها، فالحمدُ لله الذي هداك لهذا الخير، والشكر له على تبصيرك طريق البر والفضل، والحمدُ العميم له أن نشأتِ في أسرة ديِّنةٍ تعينُكِ على الحق، وهذا سِرُّ تسلُّطِ الشيطان عليكِ بذلك الوسواس الذي يصيبُكِ بنوعٍ من الانهزام النفسي، فالإنسانُ كلما كان مِن الله أقربَ، وكان بالله أعلمَ - كان تسلُّطُ الشيطان عليه أكثرَ، ولكن إن نجَّاهُ الله من تَسَلُّطِ الشيطان كان إيمانُهُ أقوى.

فالشيطانُ - أيتُها الفاضلةُ - كما أخبرنا الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ! فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ، فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ؟! فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَانَ حَقًّا على اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ، كَانَ حَقًّا على اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ، كَانَ حَقًّا على اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ، كَانَ حَقًّا على اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».

وهو - لَعَنَهُ الله - لا يَمَلُّ ولا يكلُّ عنْ إغواء المستقيمين مِن أهل الحقِّ والصلاح، وقد أقْسَمَ على ذلك لله تعالى أن يُضِلَّ أَهْلَ الإيمانِ ما استَطَاعَ لذلك سبيلًا؛ {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [ص: 79، 80]، وقال: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16، 17].

قال الشيخ السعدي في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن" (284، 285): أي: قال إبليسُ - لما أَبْلَسَ وَأَيِسَ من رحمة الله -: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْأي: للخلقِ {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَأي: لَأَلْزَمَنَّ الصراط، ولأسعينَّ غَايَةَ جهدي على صَد الناس عنه، وعدم سلوكهم إياه.

{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْأي: من جَمِيعِ الجِهَاتِ والجَوَانِبِ، ومِن كُلِّ طريقٍ يتمكنُ فيه من إدراكِ بعضِ مقصودِهِ فيهم.

ولما عَلِمَ الخبيثُ أنهم ضعفاءُ قد تَغْلِبُ الغفلةُ على كثيرٍ منهم، وكان جازمًا ببذلِ مجهُودِهِ على إغوائهم، ظَنَّ وَصَدَقَ ظَنُّهُ فقال: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}؛ فإن القيام بالشكر من سُلُوك الصراطِ المستقيمِ، وهو يُرِيدُ صدَّهُم عنه، وعدم قيامِهِم به؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].

وإنما نبهنا اللهُ على ما قال، وَعَزَمَ على فِعْلِهِ؛ لنأخُذَ منه حِذْرَنَا، ونستَعِدَّ لِعَدُوِّنَا، ونحتَرِزَ منه بعلمِنَا بالطريق التي يأتي منها، ومداخِلِهِ التي ينفُذُ منها؛ فله تعالى علينا بذلك أكملُ نعمةٍ".

وأمضى أسلحتِهِ - أيتُها المباركةُ - تزيينُهُ للناس الشرَّ، والدعوى لإيثار الدنيا على الأُخرى؛ لينقادَ الناسُ له بكل معصية، ومِن لازم هذا الصدُّ عن صراط الله المستقيم، أليس هو القائلَ: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39]؟!

وهذا المكرُ هو ما يحدُثُ معكِ - أيتُها الابنةُ الفاضلة - فيأتيكِ في فَتَرَاتِ ضَعْفِ الإيمان التي تصيبُنا جميعًا، ويوسوس مُزَيِّنًا لها، ويساعِدُهُ على ذلك وجودُ بعضِ الأُمُورِ التي يَجِبُ عليكِ أن تستدرِكِيها من نفسِكِ، والتي أَظُنُّ أنها بعضُ الانهزامِ أمام غيرِ المتديِّنِينَ، والتي نبهنا الله عليها في قوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، فشجع الله عباده المؤمنين، وَقَوَّى عزائمهم، وأَنْهَضَ هِمَمَهُم، وحذَّرَهُم من حُزْنِ القلب، وضَعْفِ البَدَنِ، فَتَشَجَّعِي، وَقَوِّي قلبك بالعمل الصالح واصبري، وادفَعِي عنكِ الحزنَ، وكوني صُلْبَةً، فأنتِ - والحمد الله - فتاةٌ صالحةٌ، في بيئةٍ نظيفةٍ، ينقُصُكِ بعضُ الحِمَايَةِ المتكاملة، والتي لا بُدَّ منها.

وسأرْشِدُكِ لتحصيلِهَا:

أولًا: الاستعانةُ بالله عز وجل، وصدقُ اللجوء إليه، والدعاءُ أن يُثبِّتَ قلبَكِ على دينه، وأن يَصْرِفَ عنكِ نَزَغَاتِ الشياطين، وأن يُرِيَكِ الحقَّ حقًّا، والباطِلَ باطلًا، وأن يُثَبِّتَكِ على الحقِّ، فالاستعانةُ باللهِ من أقوى الأسلِحَةِ التي تُثَبِّتُكِ على الطريقِ المستقيمِ.

ثانيًا: الحرصُ على زيادَةِ الإيمان؛ بالإكثار من الطاعَةِ والذكر، والمحافظة على وِرْدٍ قرآني، وورد من الأذكار يوميًّا؛ فكلما زَادَ إيمانُكِ، زَادَ يقينُكِ في ربِّكِ، وضَعُفَ تأثيرُ الشيطانِ عليكِ.

ثالثًا: الابتعادُ عَنْ أوقات الفراغ، فإن وقت الفراغِ مهلكةٌ ومصيدةٌ، فاجتهدي باركَ الله فيكِ في أن تشغلي وقتك على الدوام.

رابعًا: البحثُ عن مَحْضِنٍ إيمانيٍّ، فمن الأمور التي تُثبت الإيمانَ واليقين: وجودُ صحبةٍ صالحةٍ ديِّنةٍ تقيةٍ تقودُكِ إلى اللهِ، وتعينُكِ على ذلك، ولا بأسَ أن تبحَثِي عن أَخَوَاتٍ عامِلَاتٍ في المَيْدَانِ الدَّعَوِيِّ؛ لحُضُور بعض الفعاليَّات الدينية، والمحاضَرات التعليمية.

خامسًا: انظري إلى العُصاة وما هم عليه من قُوَّةٍ في باطلهم؛ فلا تَسْتَحِي المرأةُ التي تَخْرُجُ شِبْهَ عاريةٍ في بَلَدٍ مسلمٍ، ولا يَهُمُّهَا نَظَرُ الناس إليها، ولا أنها على باطلٍ، وتفعل ما يُسْتَحْيَى منه، فلماذا إِذًا تَخْجَلُ الفَتَاةُ التي نَشَأَتْ في طاعة الله، أو تصابُ بالهزيمة النفسية، ونقابُهَا صَوْنٌ وستر وكرامة؟! ولو صَبَرَتْ وتمسكت واعتزت به سيهدي الله بها من نساء بلادها اللاتي سَئِمْنَ حياةَ التبذُّلِ والتفسُّخِ، فيكون لَكِ نَفْسُ أجرِ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِكِ إلى يَوْمِ القِيَامَة.

فأهلُ الحقِّ أحقُّ بالقوة والاستعلاء من أهل المعاصي؛ استعلاءً بالعقيدة على جَبَرُوت المتجبرين، وطغيان الشهوات، والاستهانة بالقوة المادية.

وأسهلُ الطُّرُقِ لتحقِيقِ هذا المطلب العالي: قراءةُ القرآن بِتَدَبُّر، وتأمُّل ما قَصَّه الله علينا من قَصَصٍ وَصَفَهُ الله بقوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111]؛ فتأملي مثلاً أيتها الصغيرة - قصة سَحَرَةِ فرعون، وكيف أنهم كَانُوا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَفَى آخِرِ النَّهَارِ شُهَدَاءَ!

وتأملي كيف استَعْلَوْا بإيمانهم، ولم ينهزموا أمام جَحَافِلِ الكُفْر المتمثِّل في شَرِّ طاغوتٍ عرفته البشرية، استَعْلَى عليهم بالقوة الغاشمة؛ قوةِ الوحوش في الغابة؛ القوة التي تُمَزِّقُ الأحشاء والأوصال، ولا تفرِّق بين إنسان يَقْرَعُ بالحجة، وحَيَوَانٍ يَقْرَعُ بالنَّابِ؛ {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: 71]، ولكنه كان قد فات الأوانُ، فقد خَالَطَت بَشَاشَةُ الإيمان القلوبَ، وَوُصِلَتِ الذَّرَّةُ الصغيرةُ بمصدَرِها الهَائِلِ؛ فإذا هي قويةٌ قويمةٌ، وإذا القوى الأرضيةُ كلُّها ضئيلةٌ ضئيلةٌ، وإذا الحياةُ الأرضيةُ كلُّها زهيدةٌ زهيدةٌ، وكانت قد تفتحت لِهَذِهِ القلوبِ آفاقٌ مشرقةٌ وضيئةٌ لا تبالي أن تنظر بعدها إلى الأرض، وما بها من عَرَضٍ زائِلٍ، ولا إلى حياة الأرض وما فيها من متاعٍ تافِهٍ، فلا غَرْوَ أن يقولوا: {لَنْ نُؤْثِرَكَ على مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 72 - 73].

إنها لمسةُ الإيمانِ في القُلُوب التي كانت منذ لحظةٍ تعنو لفرعون، وتَعُدُّ القُرْبَى منه مغنمًا يتسابَقُ إليه المتسابقون، فإذا هي بعدَ لحظةٍ تواجِهُهُ في قوةٍ، وتُرْخِصُ مُلْكَهُ، وزُخْرُفَهُ، وجَاهَهُ، وسُلْطَانَهُ؛ {قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا}؛ فهي علينا أعزُّ وأغلى، وهو - جل شأنه - أكبرُ وأعلى، {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ}، ودونَكَ وما تملكه لنا في الأرض؛ {إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا} فسلطانُكَ مقيدٌ بها، وما لك مِن سلطانٍ علينا في غيرها، وما أقصرَ الحياةَ الدنيا، وما أهونَ الحياةَ الدنيا، وما تملكه لنا من عذابٍ أيسرُ من أن يخشاه قلبٌ يتصل بالله، ويأمُلُ في الحياة الخالدة أبدًا، وأُلْهِمَ السحرةُ الذين آمنوا بربهم أن يقفوا من الطاغية موقِفَ المُعَلِّمِ المستعلي؛ {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه: 74 - 76]، قاله حكيمُ الإسلام سيد قطب في الظلال، باختصارٍ وتصرُّف.

بهذه الأمور - مع كثرة الدعاء لله عز وجل والتمسك بسنته - ستجدين بشائِرَ الخيرِ بإذنه تعالى.

ولا تستجيبي لإيحاء الشيطان إليك ببغض النقاب، ومحاولة خَلْعِهِ، والتراجُعِ عن هذا العمل العظيم الذي قمت بتحقيقه، وكوني على يقينٍ بأن الشيطان حريصٌ على أن يَصُدَّكِ عن طريق الهداية، ومن ذلك ارتداؤُكِ للنقاب، فيحاولُ أن يُكَرِّهَهُ إليك بشتى الوسائل والصور.

ونذكرك - أيتُها الابنة الكريمةُ - أنَّ الصبر على القيام بأمر الله عاقبتُهُ الجنة، وأن الدنيا عن قريبٍ ستغادرينها، وتجدين ثوابك وجزاءك عند الله موفورًا، واعلمي أن لبسك للنقاب من أسباب القرب من الله تعالى؛ لأنه طاعةٌ وليس العكس، فاحذَرِي من تلبيس الشيطان.

ابنتي، وَرَدَ في الأثر أن «القابِضَ على دينِهِ كالقابِضِ على الجَمْرِ»؛ لا سيَّما في هذا العصر؛ لأن العالم كُلَّه من حولنا بعيدٌ عن الدين، وعن تعاليمه، والتمسُّك به؛ ولذا فالذي يتمسَّكُ بهذا الدين؛ سلوكًا وأخلاقًا يكون من المجاهدين؛ لأنه يجاهد الشهوات والرغبات، ويجاهد شياطين الإنسِ والجنِّ.

ابنتي، إن الحجاب هو زينةُ الفتاةِ، وجمالُها وعفَّتُها وكرامتُها، ومَحَلُّ طُهْرِهَا، فإنك بحجابِكِ تأمنين الكلابَ البشريَّةَ التي تنهَشُ الأعراض بعُيُونها.

لقد خلقك الله تعالى - يا ابنتي - لرسالةٍ معينةٍ، وهي عبادتُهُ وطاعتُهُ، وغدًا ستلقينه - طال عمرك أم قَصُرَ - وسيسألُكِ عن كل شيء، فَسِيرِي في طاعَتِهِ، ولا تلتفتي إلى همزات الشياطين؛ فتضلَّكِ عن السبيلِ القويمِ.

واعلمي أن كلامَ الناس لا ينتهي، وأن رضاهُمْ غايةٌ لا تدرَكُ، فاشغَلِي نفسَكِ بما يُرْضِي اللهَ، واهتَمِّي بدراسَتِكِ حتى يَعْلَمَ الجميعُ أن الالتزام يُعِينُ على التفوُّقِ والنجاحِ، مع ما فيه من طاعة للكريم الفتاح.

والمسلمةُ داعيةٌ لإسلامها بحِشمَتِها وَوَقَارِهَا، وداعيةٌ إلى الله بأخلاقها وفِعَالها، كما أن أهلَ الإسلام مطالَبُون بمخالَفَةِ أصحابِ الجحيمِ، فلا تتردَّدِي في لبس الحجاب، واعلمي أن الناس بفطرتهم يحبون الاحتشام، وإن أظهروا التبرج والعُرْيَ، وتابعوا الأفلام، وهذا كلامُ من هَدَاهُنَّ الله للإسلام، وكان سَبَبُ هدايتهنَّ رؤيتهنَّ للحجاب.

وليس تركُ الناس للحجاب مبررًا لمخالفة السنة والكتاب، فَسِيرِي على طريق الحق، وأبشري بالثواب، واعلمي أن الله - سبحانه - يقول في الكتاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

وأرجو أن يصاحِبَ لبسك للحجاب التزامٌ بأحكام الدين، وبرٌّ للوالدين، وإحسانٌ للناس أجمعين؛ فإن الحجاب جزءٌ من ديننا العظيم الذي يدعو للفضائل، ويحرِّم الشرورَ والرذائل.

وفي الختام نوصيك بتقوى الله وطاعتِهِ، ونحن سعداءُ بتواصلك معنا، ومرحبًا بك بين الآباء والإخوان.

ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.