تنتابني مشكلات نفسية بسبب الحجاب
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - تزكية النفس -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في السادسة والعشرين من عمري، أعيش حياةً كريمةً والحمد لله، ليس لديَّ مشاكل اجتماعية ولا مالية، أنا فتاة متعلِّمة، وشكلي جيدٌ إلى حد كبير.
بدأت مشكلتي منذ عامين تقريبًا؛ إذ أُفَكِّر في خلْع الحجاب بشدة، وأشعر أنه عائق أمامي، لا أدري لماذا؟
تماسكتُ، وقلتُ لنفسي: إنها وسوسةُ شيطان، فلم أستسلمْ.
بَدَتْ عليَّ مشاكل نفسيةٌ متعلِّقةٌ بالعلاقات الاجتماعية، فأصبحتُ لا أحبُّ الاختلاط، ولا التعرف على أحد جديد، وعندما أضطر لهذا أتصبَّبُ عرقًا، وأشعر كأني في موضع اختبار، وأحيانًا أصاب برعشةٍ خفيفةٍ.
أشعر بأن الحجاب يُقَلِّل مِن ثقتي في نفسي، وأخشى أن يكونَ هذا رهابًا اجتماعيًّا، فأنا لم أكن هكذا يومًا!
سأكون صريحةً أكثر وأقول: قررت يومًا النزول بدون حجاب؛ لأعرف هل ما أشعر به مُرتبط بالحجاب أو لا، فلم أتعرق، ولم أرتعش، وكانت ثقتي بنفسي كبيرة، ولم يكن لدي مشكلة!
ذهبتُ إلى طبيبٍ نفسيٍّ، وسردتُ له ما أشعر به، فقال لي: إنه قرارك، افعلي ما شئتِ ما دام سيُريحك، ولا بد مِن احترام قرارك أيًّا كان!!
أنا خائفةٌ مِن تطوُّر الحالة، فلم أعدْ قادرةً على تحمل حجابي، أكره نفسي فيه، وأشعر بانعدام الثقة، وأخجل مِن مَظْهَري عندما أرتديه.
أرجو أن تنصحوني هل أذهب إلى طبيب آخر أو لا؟ وهل أخلعه أو لا؟
وشكرًا لكم.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فنسأل الله أن يُقَدِّرَ لك الخير حيث كان، وأن يُلْهِمَك رُشدك، ويُعيذَك مِن شرِّ نفسك.
لا يخفى عليك أن الشيطانَ هو الذي يَطْرَح لك مِثْلَ هذه الهواجس؛ مِن أجْل أن تنزعي حجابك، فهو - لَعَنَهُ الله - جلَس قاطعَ طريقٍ لجميع الطاعات؛ كما حذَّرنا مِن هذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إنَّ الشيطان قعَد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تُسْلِمُ وتَذَر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تُهاجر وتدَع أرضك وسماءك، وإنما مَثَلُ المُهاجِر كمثل الفرس في الطِّوَل؟! فعصاه فهاجر، ثم قعَد له بطريق الجهاد، فقال: تُجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتُقْتَل، فتُنكح المرأة، ويُقسم المال؟! فعصاه فجاهد»، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فمَن فعَل ذلك كان حقًّا على الله - عز وجل - أن يُدخله الجنة، ومَن قُتِل كان حقًّا على الله - عز وجل - أن يدخله الجنة، وإن غرِق كان حقًّا على الله أن يُدخله الجنة، أو وَقَصَتْه دابَّتُه كان حقًّا على الله أن يُدخله الجنة».
ومن قبله قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16، 17]؛ أي: لألزمن الصراط، ولأسعين - غايةَ جهدي - على صدِّ الناس عنه، وعدم سلوكهم إياه مِن جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريقٍ يتمكن فيه من إدراك بعض مقْصُوده فيهم.
وقد نبَّهنا الله على ذلك؛ لنأخذ حذْرَنا، ونحترزَ منه، ونسدَّ الطريق التي يأتي منها، ومداخله التي ينفذ منها؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
نعود لمسألة الحجاب الذي قعَد الشيطان للمرأة المسلمة بطريقها؛ ليقطعه عليها، فأقول: لا يخفى عليك أنَّ المرأة المُحَجَّبة أفضل مِن غيرها مِن غير المحجبات، وهذه أمورٌ بدهياتٌ تُدركينها أنت كما يُدْرِكها الموافقُ والمخالفُ، وأنا على يقينٍ لإدراكك للفخِّ الذي ينصبه الشيطانُ لك ولغيرك؛ ليُنْزِل بالمرأة غضب الله - جنَّبك الله ذلك.
ولكن دعينا أولاً نتَّفق على قواعدَ شرعيةٍ هي مُسلَّماتٌ عندك وعندي - وإلا لما ارْتَدَيْتِ الحجابَ أصلاً؟! -:
أولها: مِن معاني الإيمان بالله إفراده تعالى وحده بالعبودية والتعظيم، والحب والخوف، والرجاء والتوكل والإنابة، والتفويض والاستسلام؛ ولا يثبت قدمُ الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام لله، والانقياد لأحكامه، وترْك المنازَعة له، وكلُّ هذا مِن تمام الرضا به ربًّا؛ في خلقه وأمره.
ومعنى الاستسلام: عدم مُعارَضة حكمه برأيٍ أو شهوةٍ، وكذلك الاستسلام للحكم القدَري، وهو عدم تلقيه بالتسخط والكراهة والاعتراض، وهذا شرطٌ في صحة إيمان المرء؛ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
ثانيًا: الحجاب شريعة الله، وبه تتميَّز العفيفةُ الطاهرة عن غيرها؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]؛ فالحجابُ حمايةٌ للفتاة المسلمة، والجوهرة الغالية هي التي يحفظها أهلها ويبعدونها عن الأعين والأيدي، والإسلامُ بتشريعه للحجاب جعَل الفتاةَ جوهرةً مَصونًا، وسلعةً غاليةً يَبْذُل الرجالُ مِن أجلها الأموال والوسائط، ويتقدمون لأهلها طالبين القُرْب والشرَف.
ثالثًا: أَقْسَم الله في أول سورة الشمس أحدَ عشَرَ قسمًا بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، وغيرها من النفوس الفاجرة؛ فقال سبحانه في جواب القسم: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]؛ أي: طَهَّر نفسه مِن الذنوب، ونقَّاها مِن العيوب، ورقَّاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10]؛ دسى نفسه الكريمة باستعمال ما يشينها.
ويُدسيها: أي: يخفيها، بالتدنُّس بالرذائل، والدنو مِن العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها.
فالسببُ الوحيدُ الذي يضمن صاحبه النجاة يوم القيامة مِن عذاب الله، والفوز برضا الله، وبما أعده من الكرامة لأوليائه - هو طاعة الله، والانقياد لأوامره ونواهيه، مع التسليم في ذلك، والرضا به، والله تعالى قد أمر النساء المؤمنات بلبس الحجاب، ونَهَى عن التبَرُّج في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33].
ابتَعِدي عن تلك الوساوس الشيطانية، وخُذي حجابك بقوةٍ واعتزازٍ؛ ممتثلةً بذلك أمر الله ورسوله، مستعلية بإيمانك؛ {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
فالمستجيبُ لربه عقيدتُه أعلى من غيره؛ فأنت تسجدين لله وحده، ومنهجُ الإسلام أعلى وأنتِ تسيرين على منهج الله، بخلاف غيرك التي تسير على منهجٍ مِن صُنع البشر، فلا يليق بالمسلمة المحجبة أن تنهزم إيمانيًّا أمام الشاردين عن النهج، والضالين عن طريق الهداية، فإنْ كنا مؤمنين حقًّا فنحن الأَعْلَوْن، وإن كنا مؤمنين حقًّا فلا نَهِنُ ولا نحزنُ؛ فإنما هي سُنَّة الله أن يسلطَ المرأة المقصرة في جنب الله، والفاتنة للرجال، فتوسوس للمحجبة؛ لتصيبها بالوَهَن، والمسلمُ الصادقُ يعتزُّ بدينه، ويَفْخَرُ بإسلامه، ولا ينهزم في تطبيق أحكامه، والله المستعان، وعليه التكلان.
أمرٌ أخيرٌ: اعتصمي بالله، واطَّرِحي بين يديه سبحانه فليس شيءٌ أحبَّ إلى السيد العظيم سبحانه مِن هذه الكسرة، والخضوع والتذلل، والإخبات والانطِراح بين يديه، والاستسلام له، وسَلِيه بهذه الكلمات العظيمةِ: أسألك بعِزِّك وذُلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثيرٌ، وليس لي سيدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاءَ الخائف الضرير، سؤال مَن خضعت لك رقبته، ورَغِم لك أنفه، وفاضتْ لك عيناه، وذَلَّ لك قلبه؛ ثم اذكري ما يجول في خاطرك مِن مسائل.
يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُـــــهُ وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ
لاَ يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرُهُ وَلاَ يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ
أسأل الله أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وأن يَخْسأَ شيطانك.