مخطوبة لشاب وأحب آخر!
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - النهي عن البدع والمنكرات - العلاقة بين الجنسين -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة جامعيةٌ من أسرة ملتزمةٌ متدينة، والحمد لله، مخطوبة لشابٍّ مِن أقاربي منذ مدة قصيرة، لكن خلال هذه المدة لم أكنْ أشعر بالراحة النفسية، رغم أنني أصلي صلاة الاستخارة؛ ليختار ربي لي الخير.
سبب عدم الراحة النفسية أنني وخطيبي بيننا علاقة حب منذ مدة طويلة قبل خطوبتنا، وكنا نتواصل عبر الهاتف، ودائمًا أتذكَّر أن علاقتنا بدأتْ بطريقةٍ مخالفةٍ للشرع، ولا تُرضي الله، وأخشى ألا يبارك الله لنا.
خطيبي قليل الالتِزام بدينه، متساهل في عدة أمور؛ كصلاته، وكقراءة القرآن، والحديث العاطفي في الهاتف بيني وبينه يراه أمرًا عاديًّا، وليس بالأمر المحرَّم في فترة الخطبة؛ علمًا بأنني لستُ راضية بهذا الحال، وعندما أخبره بأن هذا لا يَجوز، يقول: لا تفتي، لا تُحَرِّمي.
اخْتَبَرْتُه عدة مرات واستنتجتُ أنه في بعض الأمور لا يفقه شيئًا من ناحية الشرع، والسببُ أنَّ الأسرة التي تربَّى فيها غير ملتزمة بالصورة التي يجب أن تكون في كل أسرة مسلمة؛ كالمحافظة على الصلاة، وقيام الفجر لصلاة الصبح في المسجد، وغيرها، ولا أنكر أنه إنسان طيب، ودود، والكل يَمْدَح طيبته وأخلاقه، وهذا ما يجعلني - أحيانًا - أتنازل عما سبق ذكره، وأقول: ربما يتغير.
المشكلة الأخرى: وجود شاب آخر دائمة التفكير فيه، وأحبه أكثر من خطيبي، وأحيانًا أقول في نفسي: ليتني لم أتسرعْ وأقبل الشاب الذي خطبني، خاصة أن هذا الشاب الآخر قد انطبقتْ عليه المواصفات التي كنتُ أحلم بها في الزوج، ولا أنكر أنني أميل للجمال أيضًا؛ فالشابُّ الأخير جميل الوجه، لكن التدين والأخلاق أولى الأمور بالنسبة لي، وأخشى أن أظلمَ خطيبي.
فأخبروني كيف أتخلص مما أنا فيه، وأمنع نفسي من التفكير في الشاب الآخر، خاصة أنني مخطوبة لآخر؟ وكيف أحب خطيبي؟
وهل معنى أن علاقتنا بدأتْ بشكل غير شرعي أن الله لن يبارك لنا؟
وهل أصارح خطيبي بأنني لم أعدْ أحبه، خاصة أن حبي له كان في فترة المراهقة، وحبي للشاب الآخر كان في فترة النضج والتعقل؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، أما بعدُ:
فمِقياسُ قَبول الخاطب أو رفْضِه - كما جاء في السنة المشرفة - هو مدى التمسك بأحكام الشرْع، والالْتِزام به، وحُسن الخُلُق، وصلاح الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم مَن تَرْضَوْنَ دينه وخُلُقه فزوجوه، إلا تفعلوا، تكن فتنةٌ في الأرض، وفسادٌ عريضٌ»؛ رواه الترمذي، وغيره.
وقد ذكرتِ - أيتها الابنة الكريمة - أن خطيبك حَسَن الخلق، إلا أنه غير مرضي الديانة، وأنه متهاونٌ في أمورٍ منها الصلاة، وهذه مسألةٌ كبيرةٌ متعلقةٌ بأصل الدين؛ فأدلةُ الكتاب والسنة وإجماع الصحابة تدُلُّ على كُفر تارك الصلاة؛ قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]؛ فإن الله تعالى علَّق ترْك القتال وعلَّق الأخوة الإيمانية على التوبة من الشرك، بالدخول في الإسلام، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
وروى الجماعة إلا البخاري والنسائي، عن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكُفر ترْكُ الصلاة».
وما رواه أحمد مِن حديث أم أيمن مرفوعًا: «مَن ترَك الصلاة متعمدًا فقد بَرِئَتْ منه ذمة الله».
ومنها: ما رواه أصحاب السنن، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، مِن حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «العَهْدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن ترَكها فقد كفَر»؛ وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ.
ومنها: ما رواه أحمد وغيره عن معاذ بن جبلٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»؛ قال ابن تيمية في "شرح العمدة": "ومتى وقع عمود الفسطاط، وقع جميعه، ولم ينتفع به"؛ أي: عندما يسْقُط عمود الخيمة، تسقط الخيمة كلها.
ومنها: ما رواه البخاري عن بريدة قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن ترك صلاة العصر، فقد حبط عمله»، وحبوطُ العمل لا يكون إلا بالكفر الأكبر، المُخْرِج مِن الملَّة؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
ومنها: ما رواه أحمدُ والدارِمي والبيهقي في الشُّعَب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: «مَن حافَظَ عليها كانتْ له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لَم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاةً، ويأتي يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبَيّ بن خلفٍ».
وهذا هو المنقولُ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أبو محمد ابن حَزْمٍ في "الفِصَل": "رُوِّينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعاذ بن جبلٍ، وابن مسعودٍ، وجماعةٍ من الصحابة - رضي الله عنهم - وعن ابن المبارك وأحمد بن حنبلٍ، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلًا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أنَّ مَن ترك صلاة فرضٍ عامدًا ذاكرًا حتى يخرجَ وقتها، فإنه كافرٌ مرتدٌّ، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالكٍ، وبه يقول عبد الملك بن حبيبٍ، الأندلسي، وغيره". اهـ.
ونقله عنهم كذلك الآجُرِّي في "الشريعة"، وابن عبد البر في "التمهيد".
أما الإجماعُ فحكاه غير واحدٍ من السلَف: قال عبد الله بن شقيقٍ: "كان أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة"؛ رواه الترمذي، وقال الإمام محمد بن نصرٍ المروزي: سمعتُ إسحاق يقول: "صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافرٌ، وكذلك كان رأي أهل العلم مِن لَدُن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافرٌ".
فلا يحلُّ لك أن تتمي الزواج بشخصٍ لا يصلي؛ إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويَلتزم بصلاته؛ لأن تارك الصلاة كافرٌ؛ كما هو ظاهر الأدلة السابقة وإجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما تساهُله في الحديث العاطفي معك، فهو مِن المحرَّمات، وكان الواجب عليك ألا تسايريه في هذا. بدلًا من أن تُنكري عليه ما تفعلينه معه!
أما تفكيرك في شخصٍ آخر أخذ عليك حياتك كما هو ظاهرٌ من كلامك، فاحذري أن تقيمي معه علاقةً كما فعلتِ مع خطيبك، وكوني صادقةً مع نفسك، وانظري هل أنت تحبينه فعلًا أو هو مجرد إعجابٍ دفَعك الشيطان إليه؟! فإن كان حبًّا حقيقيًّا فالأفضل لكم جميعًا إنهاء خطبتك، حتى لا تظلمي نفسك وتظلمي خطيبك معك، لأنك ستكونين في مقارنةً مستمرةً بين هذا وذاك مما سيحكُم عليه بالفشل، وأخشى أن يتطور الأمر فيكون قلبك في مكان، وجسدك في مكانٍ آخر.
واحذري أن تصارحي خطيبك بتحوُّل مشاعرك، فإن قررتِ تركه فاتركيه في هدوءٍ، فقط يمكنك إخبار أسرتك بحقيقة تبدل مشاعرك، وبالحكم الشرعي الذي صدرنا به الجواب.
أما ما تعانين منه فسواءٌ كان بشؤم المعصية وعلاقتك مع خطيبك، وتساهلكما قبل الخطبة وبعدها، فلن يغيرَ مِن الأمر شيئًا، إلا أنه يوجب عليك توبةً نصوحًا من كل هذا، وطي صفحة التقصير في جنب الله، وأخْذ العبرة والموعظة منه، والحذر دائمًا من شُؤم المعاصي؛ فقد رأيت كيف بدل الله القلوب؛ «إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها»؛ رواه الترمذي.
وفقك الله لكل خيرٍ.