هل أفسخ خطبتي بسبب تجاوزاتي؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: التوبة - قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - قضايا المرأة المسلمة - تربية النفس -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أودُّ أن أشكركم على مجهوداتكم الكبيرة، فجزاكم الله خيرًا.

أنا فتاة في بداية العشرين مِن عمري، أخبرتْني صديقتي بأنَّ صديقَ ابن خالتها يريد التقدم لي، وهو شاب عمره 30 عامًا.

طلبتْ مني أن أرسلَ لها صورتي حتى تُرسلها إليه عن طريق ابن خالتها، لكنني رفضتُ، وبعد أن صليتُ الاستخارة، وأخذتُ رأي أهلي وافقتْ أمي وأخواتي على أن أرسلَ إليه الصورة.

رأى الشابُّ الصورة ووافَق، وأراد أن يتكلمَ معي عبر الهاتف، فتكلَّمْنا على الإنترنت مرتين أو ثلاث مرات؛ كتعارُف، مع أنني لم أكن موافقةً، ومن داخلي لم أكن أحب هذا!

أعطيتُه رقم والدي، وتقدَّم لخطبتي بشكل رسمي، ثم أراد أن نتكلم في الهاتف حول أمور العقد والزفاف، فوافقتُ وكلمتُه عن طريق الرسائل!

حدثتْ بيننا بعضُ المكالمات الهاتفية حول بعض الموضوعات، والتي نعرف من خلالها وجهة نظر كلٍّ منا فيها، لكني كنتُ أضحك أحيانًا، وندمتُ وحزنتُ جدًّا أنني ضحكتُ.

هذا الشخص - ولله الحمد - ملتزمٌ، خلوقٌ، ويستحيي، حسن الخلق والخلقة.

لم يتبق على العقد إلا وقت قليل، ولا أريد أن أتحدَّث معه طوال هذه الفترة، وفكرتُ في أن أنهي علاقتي به؛ لأنني أخطأتُ معه في البداية عندما كلمته وضحكتُ.

جلستُ أراجع نفسي كثيرًا، ووجدتني أخطأتُ في أمور كثيرة، منها إرسال صورتي إليه، وتحدُّثي إليه في الهاتف، وضحكي بصوت مسموع!

دائمًا ما يأتي في بالي كلام ابن القيم - رحمه الله -: "القلب على قدْر ما يعطي في معصية الله، على قدر ما يفقد في طاعة الله"، وأنا لا أريد ذلك، لا أريد أن أعيش مع رجل قد يظن بي سوءًا بعد الزواج، فكيف أعيش معه وقد أغضبت ربي قبل الزواج؟!

أنا إنسانة لا تنسى أخطاءها إلا نادرًا، وهذا ما يجعلني حزينة على أخطائي، حتى إنني أتذكر كل كلمة كتبتُها له، وأندم عليها أشد الندم، طلبتُ منه أن يمسحَ كل الرسائل التي كانتْ بيننا، ففعل!

أمر آخر: الفرق بيننا 11 سنة، ولا أعرف هل هذا فارق مناسب للزواج منه أو كبير؟

أرجو أن ترشدوني إلى صحة أو خطأ ما فعلتُ.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فزادك الله حرصًا وحياءً أيتها الابنة الكريمة، وأُحَيِّيك على تلك الخِصال التي لَمَسْناها مِن رسالتك؛ فشأنُ المرأة المسلمة أن تكون دائمًا هيابةً من الشر، محاسبةً لنفسها، لا سيما مع الرجال الأجانب.

ذكر الإمامُ أحمد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا، وتزَيَّنوا للعرض الأكبر، يوم تُعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ".

وذكر أيضًا عن الحسن قال: "لا يُلْفَى المؤمن إلا يحاسب نفسه؛ ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدمًا لا يحاسب نفسه".

وقال قتادة في قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]: "أضاع نفسه وغبن، مع ذلك تراه حافظًا لماله مُضيِّعًا لدينه".

وقال الحسن: "إن العبد لا يزال بخيرٍ ما كان له واعظٌ من نفسه، وكانت المحاسبة مِن همته".

وقال ميمون بن مهرانٍ: "لا يكون العبد تقيًّا حتى يكون لنفسه أشد مُحاسبةً من الشريك لشريكهولهذا قيل: النفس كالشريك الخوَّان؛ إن لم تحاسبه ذهب بمالك".

وقال ميمون بن مهرانٍ أيضًا: "إن التقيَّ أشد محاسبةً لنفسه من سلطانٍ عاصٍ، ومن شريكٍ شحيحٍ".

وذكر الإمام أحمد عن وهبٍ قال: "مكتوبٌ في حكمة آل داود: حقٌّ على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعاتٍ: ساعةٍ يناجي فيها ربه، وساعةٍ يحاسب فيها نفسه، وساعةٍ يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويَصْدُقونه عن نفسه، وساعة يُخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونًا على تلك الساعات، وإجمامًا للقلوب"، وقد رُوي هذا مرفوعًا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو حاتمٍ وابن حبان وغيره.

وكان الأحنف بن قيسٍ يجيء إلى المصباح، فيضع إصبعه فيه، ثم يقول: حَسِّ يا حُنَيْفُ! ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ويبكي؛ قاله العلامة ابن القيم "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/ 78 - 79).

ولكن هناك أشياء مما فعلتها تدخل في حد المباح؛ كإرسال الصورة من أجل الخطبة، وكذلك بعض الكلام الذي دار بينكما ما دام بمعرفة الأهل، وبالضوابط الشرعية، وعمومًا الحمد لله أنك استطعتِ أن تُلجمي نفسك عن هواها؛ فزادك الله حرصًا، ولا ترجعي.

وقد أحسنت لما أخبرتِ خطيبك بهذا، وستجدين - إن شاء الله - بركة تلك الطاعات في حياتك الزوجية، فاستمري على محاسبة النفس، ولكن لا تقنطيها؛ فالله تعالى غفورٌ رحيمٌ، كما أنه شديد العقاب، وهو كريمٌ شكورٌ سبحانه وتعالى.

أما بعض التجاوزات التي بدرت منك، فقدر الله وما شاء فعل، ولا يخفى عليك أن القدر يُحتج به في المصائب، ولا يحتج به في المعايب، وأنت الحمد لله قد ندمت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الندم توبةٌ؛ رواه أحمد.

ولا تفكِّري في ترْك خطيبك، بل تَمَسَّكي به، وحافِظي عليه، فإن كان بالصفات التي ذكرتها، فهو هبةٌ من الله تستحق الشكر؛ فالشابُّ الصالح أصبح من الندرة بمكانٍ.

أما فارق السن بينكما فليس بكبير، بل هو فارق معقول، والذي يهم هو مِقدار التفاهم بين الزوجين، فهذا هو الضابطُ المعقول، وليس للفارق حدٌّ معينٌ.

يسَّر الله لكما الخير حيث كان، وجَمَع بينكما على خيرٍ.