زوجي والنظر إلى النساء
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: التقوى وحب الله - النهي عن البدع والمنكرات - العلاقة بين الجنسين - استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زوجي سائق (تاكسي)، ويذهب للأسواق لأخْذ الزبائن، وأغلب الزبائن هناك من النساء.
هذا الموضوع يُضايقني جدًّا؛ لأنه يتكلَّم معهنَّ، وقد قرأتُ بعض رسائله مع أصدقائه عبر الإنترنت وهو يتكلم عن الفتيات ويمدحهنَّ، ويتغزل فيهنَّ!
واجهتُه بكلامه فقال: هذا مجرد كلام مع الأصدقاء، علمًا بأنه لَم يتعرفْ عليهنَّ، ولم يتصل بإحداهنَّ.
حصلتْ مشكلات بيني وبينه بسبب هذا الموضوع، وخيَّرته بيني وبين التاكسي، فرفض بيعه!
فماذا أفعل في غيرتي، فأنا لا أتحمَّل نظرته للنساء، ولا أتحمَّل أن يتحدَّث معهنَّ؟!
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فشَكَر الله لك حرصكِ على صلاح زوجك، وطهارةِ قلبه، وبُعدِه عن الشر. ومما لا شك فيه أن النظر إلى النساء بابٌ عظيم من أبواب الشر، ولا يُجْنَى مِن ورائه إلا ضياعُ الدين والدنيا، والعاقلُ مَن كَفَّ بصره، وغضَّ طرفه عن محارم الله تعالى.
فالنظرةُ هي الخطوةُ الأولى للشرِّ، وهي أصلُ عامَّة الحوادث التي تُصيب الإنسان؛ فالنظرةُ تولِّد خطرةً، ثم تولِّد الخطرة فكرةً، ثم تولِّد الفكرة شهوةً، ثم تولِّد الشهوة إرادةً، ثم تقوى فتصير عزيمةً جازمةً، فيقع الفعل ولا بدَّ، ما لم يمنعْ منه مانعٌ.
وفي هذا قيل: الصبرُ على غضِّ البصرِ أيسرُ مِن الصبر على ألم ما بعده؛ قاله الإمام ابن القيم في "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" (الداء والدواء) (ص: 153).
ثم قال عقب ذلك: ومِن آفات النظر: أنه يورث الحسرات والزفَرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرًا عليه، ولا صابرًا عنه، وهذا من أعظم العذاب؛ أن ترى ما لا صبر لك عن بعضه، ولا قدرة لك على بعضه. اهـ.
واحْذَري - سلمك الله - أن تحملك شدة الغيرة على التعجُّل في اتخاذ القرار، وعدم الصبر على زوجك، بل على العكس، كُوني وَدُودًا معه، وتَلَطَّفي له؛ تملكي قلبه وَيَمِلْ إليك، وابدئي بتذكيره بحقوق الله تعالى، وأنه فرض على عباده المؤمنين غضَّ البصر عن الحرام؛ قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الثانية»؛ رواه أحمد والترمذي وأبو داود.
فالنظر للنساء من الأماني الباطلة، ولا ينبغي للمسلم أن يعيش وراء الأماني، بل يقنع بما رزقه الله تعالى من زوجة، فالنساءُ بحرٌ لا ساحل له، لا ينجي منه إلا القناعة بما آتاه الله مهما أمكن، ففيها سلامةُ الدنيا والدين، وإن ظل الإنسان مُطْلِقًا بصره، ولم يمسكْ عنانه؛ بَقِيَ قلبه هائمًا مُعلقًا بعِشْقِ الصور، وذلك سببُ فسادٍ عظيمٍ في الدنيا والآخرة، ومن ثَمَّ حذَّرَ رسولُه صلى الله عليه وسلم من تلك الفتنة؛ ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء».
وروى مسلم عن أبي سعيد الخُدْري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حُلوة خَضِرة، وإن الله مُستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».
وأعظم ما يُستعان به على غض البصر مُراقبة الله تعالى؛ سُئِل الجنيد: بِمَ يُستعان على غضِّ البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تَنْظُره.
وكذلك ذكِّريه بأسلوبٍ هادئٍ حانٍ رفيقٍ أن من عقوبات النظر للمرأة الأجنبية ذهابَ الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وأن الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ينسلخَ منه.
وحذِّريه مِن خُطورة الإصرار على النظر إلى المحرَّمات، والحديث مع الأجنبية، فمَنْ أَصَرَّ على النظر أو على المباشرة صار كبيرة، وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش؛ فإنَّ دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير مِن فساد زنًا لا إصرار عليه؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة.
وقال العلامة الخادمي في "بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية" (4/ 7): "التكلُّم مع الشابَّة الأجنبيَّة: فإنه لا يجوز بلا حاجة؛ لأنه مظنَّةُ الفتنة، فإنْ بحاجةٍ؛ كالشهادة، والتبايُع، والتبليغ، فيجوز، حتى لا يشمتَ العاطِسة، ولا يسلم عليها، ولا يرد سلامها جهرًا، بل في نفسه إذا سلَّمَتْ عليه".
أما علاج شدة الغيرة، فالبداية تكون بقناعتك أن تلك الغيرة صفة دخيلة، يمكن تجاوُزُها، والتخلُّص منها بالمجاهدة وضبط النفس؛ حتى لا تصير جزءًا من شخصيتك يَصْعُب علاجها، وأن الغيرة المفرطة عند النساء غالبًا ما يفرزها عدم الثقة بالنفس، فتغلبي على هذا بالثقة في مشاعر زوجك تجاهك، وفي قدرتك على استمالة قلبه، وإثارة إعجابه باهتمامك بِمَظْهَرِك وزينتك وطريقة كلامك، والمعاملة الحسنة، إلى غير ذلك مما مَنَّ الله به عليك من إمكانات شخصية أنتِ في حاجة أن تحسني استثمارها، فلا تظهري أمام زوجك إلا في أحسن صورة حسية ومعنوية، وكل هذا سيزيد ثقتك في نفسك، ومِن ثَم تنضبط غيرتُك.
ولا يخفى عليك الآثار السيئة للغيرة، وأنها نارٌ تحرق القلب وتُؤذيه، وقُيود وضغط نفسي عليك وعلى زوجك، وتوتر في العلاقة الزوجية يقلقها، واستشعارك لتلك الآثار السيئة يجب أن يدفعك للتخلص منها.
أخيرًا يجب عليك أن تمنحي زوجك قدْرًا كبيرًا من الثقة، فعلى الرغم مما ذكرتِ، إلا أنه بفضل الله وتوفيقه لم يتعرفْ على إحداهنَّ، ولم يهاتفْ أحدًا، وهذا يدل على أنه منضبط في تصرفه.
فكوني أكثر هُدوءًا لتتمكني من نصحه والصبر عليه، والأخْذ بِيَدِه لبر الأمان، واحذري الشك وسوء الظَّنِّ؛ فهما مِن أكبر أسباب إفساد العلاقة الزوجية.
ادعي الله بإلحاحٍ أن يُذهب عنك هذه الغيرة، وأن يعصمَ زوجك من الزلل؛ فإن الله تعالى على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، وإليه مَفْزعنا في الكثير والقليلِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفقك الله لكلِّ خيرٍ، وأصلح لك زوجك.