حق الزوجة فيما تم شراؤه براتبها
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأةٌ متزوجةٌ منذ 11 عامًا، وأعمل مُوَظَّفة، كنتُ اتفقتُ مع زوجي على أن نبنيَ حياتنا معًا، وأن يكونَ راتبي مع راتبه كي نعيشَ حياةً كريمةً، والحمدُ لله حقَّقنا مُعظم ما كنا نَتَمَنَّاه، ولكن كلّ ما تَمَّ شراؤه؛ مِن منزل، وأرض، وسيارةٍ، قد تم تسجيله باسم زوجي، ولا يوجد شيءٌ أملكه، ولا حتى المال الذي أتقاضاه شهريًّا؛ إذ أقوم بتحويله لزوجي؛ حتى نكملَ ما علينا مِن التزاماتٍ.
طلبتُ منه أن يُسَجِّلَ جزءًا مِن هذه الأملاك باسمي، لكنه غضب مني غضبًا شديدًا، وأخبَرني بأنه لن يُعطيني شيئًا ما دام على قيد الحياة، ثم طلَب مني أن أحدِّد المبالغ التي دفعتُها له؛ ليقوم بدفْعِها لي مرةً واحدةً، مع العلم بأنه لا يملك أي مبلغٍ حاليًّا، ولا يُمكنني أن أحصرَ المبالغ والمصروفات خلال فترة زواجي معه.
ما يُضايقني ما وصل إليه نقاشنا، علمًا بأنه إنسانٌ متدينٌ ومتعلمٌ، ومع ذلك فهو يقول: إنه كان يخشى أن نصلَ إلى هذا الأمر، وإنه لو علِمَ أننا سنصل لهذا، لما تركني أعمل!
اكتشفتُ أنه لو توفَّاه الله - مع دعائي بطول العمر له - فإنَّ هذه الأملاك ستذهب لوالديه، ولو متُّ أنا فلن يحصلَ والداي على شيءٍ!
أرجو إفادتي بما يجب عليَّ فِعْلُه، وهل أخطأتُ في طلبي؟ مع العلم بأني أحبُّ والديه، ولكني أشعر أنَّ هذا حقي الشرعي، سواءٌ كان والداه على قيد الحياة أو لا.
وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقبلَ الجواب عن موضوع الاستشارة، أُحِبُّ أن أُنَبِّهك لأمرٍ مهم وهو: أنَّ الحياة الزوجية لا تقوم ولا تستقيم بالاقتصار على أداء الواجب وحسبُ، وإنما لا بد مِن بذْلِ الفضل مِن كِلا الزوجين؛ وهذا مِن المعاشرة بالمعروف، بل إنَّ صاحب الإنسان الذي هو نَظيرُه إن لم يُعاونه ببذل الفضل لم يكن قد عاشرَه بالمعروف.
أمرٌ آخر وهو: أنَّ استمرار الحياة الزوجية واستقرارها غرضٌ شرعيٌّ كبيرٌ، وغايةٌ مِن الغايات التي حرَص الإسلامُ عليها، وحثَّنا عليها، وقامت على ترْسيخها أدلةٌ أكثر مِن أن تُحصى، فأمر الزوجين أن يُحافِظا على ما يضمن استمرارها، ويدعم استقرارها، ويُقوي أواصِرها، ولن يتأتَّى هذا إلا بالتراحُم، والتحابّ، ومراعاة الواجبات، والتنازُل عن بعض الحقوق الخاصة، وأداء كل واحدٍ من الزوجين ما يجب عليه.
أما بالنسبة لراتبك وما كنتِ تتقاضينه طيلة تلك الأعوام، فهو حقٌّ خالصٌ لك، وليس لزوجك أن يطالبك به، إلا أن تعطيه بسماحة نفسٍ، ومِن ثَمَّ فكلُّ ما تَمَّ شِراؤه من ذلك الراتب فهو حقٌّ خالصٌ لك، وسببُ هذا أنه لا يجب عليك الخروج للعمل، ولا تَجِب عليك النفقة على الأولاد؛ فالزوجةُ لا تتحمَّل شرعًا شيئًا من النفقات، بل المسؤولية المالية كلها؛ مِن نفقةٍ وكسوةٍ وسُكنى... إلى غير ذلك - مِن مسؤوليات الزوج وحْدَهُ، مهما كان غِنى زوجته، وكثرة مالها، ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك.
يقول ابن المنذر: "أجْمَع كلُّ مَن نحفظ عنه العلم أنَّ على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم".
فكلُّ ما تقاضيته من راتبٍ وأخَذَهُ زوجك واشترى به عقاراتٍ، لك حقٌّ فيه بالقيمة الفعلية للمدفوع، ولا غضاضة على زوجك من هذا الأمر؛ فجميع ما تملكين هو خاصٌّ بك، وليس من حقه أن يتسلَّطَ على شيءٍ منه؛ فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا عن طيب نفسٍ»؛ رواه أحمد وأبو داود.
فتناقشي معه بهدوءٍ، وبَيِّني له ما ذكرناه مِن أحكامٍ شرعيةٍ لا يسَع المسلم الخروج عنها؛ كما يجب أن يتفهَّم أنَّ رغبتك في الحصول على حقوقك المالية لا تُقَلِّل مِن قَدْرِك في شيءٍ، لكن يُقَلِّل مِن قَدْرِه أنه كتب تلك العقارات باسمه ابتداءً، ولم يُسَجِّل شيئًا منها باسمك!
فإن لم يتفهَّم الأمر، فلْتَبْحَثَا عن بعض أهل العلم الموثوقين؛ ليحكمَ بينكما في ذلك الأمر.
أصلح الله أحوال المسلمين أجمعين.