لا أستطيع الزواج وأفكر في الزنا

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: التقوى وحب الله - قضايا الشباب - الحث على الطاعات - النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد أن أُصارحكم بأمرٍ وهو أني أفكِّر في ممارَسة الحرام (الزنا)؛ وذلك بسبب الصُّعوبات التي تُواجهني في الزواج، فالحرامُ سهلٌ، لكن الزواج ثمنه غالٍ جدًّا، وحتى أبدأ حياتي بالحلال فلا بد مِن أخْذِ قُروض عديدة، أما الحرام فثمنه زهيد!

كثيرًا ما أتعوَّذ مِن الشيطان، وأقول: هذا حرامٌ، لكن حاجاتي ورغباتي الجنسية عالية.

المشكلةُ أن فتيات هذا الزمان تُريد كلَّ شيء، تطلُب طلبات تعجيزية، وعندما أفكِّر أجد أن هذا صعب، بل مستحيلٌ على شابٍّ مثلي.

أستشيركم فأشيروا عليَّ؛ ما الوسيلة الصحيحة التي تُبعدني عن الحرام؟ وما الوسيلة الصحيحة التي آتي بها بالمال لأتزوج؟

أعتذر عن جُرأتي في عرْض الموضوع، لكنني مُتعبٌ ومُشَتَّتُ الفكر بسبب هذا الموضوع.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

ففي البداية أسأل الله أن يُعيذَك مِن شرِّ سَمْعِك، ومِن شرِّ بَصَرك، ومِن شرِّ لِسانك، ومِن شرِّ قلبك، ومِن شرِّ منيِّك، آمين.

ولا أدري أيها الابن إنْ كنتَ تشعُر بخطورة ما ذكرتَه في رسالتك وخطورة التمادي فيه، وأنه تفكيرٌ شيطانيٌّ خالص أم لا تُدرك هذا؟!

أخشى أن تستمرئ الأمر لا قدَّر الله؛ فتتمكَّن منك تلك الهواجِس، فلا تستطيع دفْعها، فتقع في المحظور، بل قد يتطوَّر الأمرُ وتكون العاقبةُ أعظم مِن ذلك، فتُدمن الكبائر، وتُصِرُّ عليها، فيحال بينك وبين التوبة لا قدَّر الله، ومِن ثَم فالأمرُ جدُّ خطير، وليس بالبساطة التي تتكلَّم بها، فأعْرِضْ صفحًا عما ذكرتَه، واحذرْ شياطين الإنس والجن، وتعوَّذ بالله العظيم مِن شرِّهما؛ قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]، وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 112، 113].

وإن كنتَ حقًّا تبحث عن سُبُل النجاة مِن تلك المُعضِلة، فيَلزمك أولاً أن تَصْدُقَ مع الله، ثم تسلُك الأسباب الموصِّلة إليها، وسأحاول جهدي أن أُلَخِّصَها لك في نقاطٍ ليسهلَ عليك العمل بها:

أولاً: اشغلْ وقتك بما ينفع في دينك ودنياك، وبادِرْ بقَطْعِ علاقتك برفيق السوء؛ فالصاحبُ ساحبٌ، واستبدل به صُحبة الأخيار ومُلازمتهم، فقد أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أن المتخالِّين على مَعصية الله تنقَلِب خُلتُهم يوم القيامة عَداوةً؛ لأن خلَّتهم ومحبتهم في الدنيا لغير الله، إلا مَن كانتْ محبتُهم لأجله سبحانه؛ فقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين} [الزخرف: 67].

ثانيًا: أعرِضْ تمامًا عن التفكير في الحرام؛ فهو يحفِّز على فِعْلها، وإذا توارد على قلبك فِعْلُ الحرام فادفع التفكير فيه؛ لأنَّ المعاصي إنما تبدأ بخطرة تتطوَّر إلى فكرة، ثم تنقلب عزمًا؛ ولذا قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه مِن الزِّنا، أدْرك ذلك لا محالة، فزِنا العين النظَر، وزنا اللسان المنْطِق، والنفسُ تمنى وتشتهي، والفرْجُ يُصَدِّق ذلك أو يكذِّبُه»؛ متفق عليه.

ثالثًا: اصْدُق اللجوء إلى الله، وأكثِرْ مِن الدعاءِ أن يصرفَ الله عنك الفواحش، وأن يُطَهِّرَ قلبك وأن يُحَصِّنَ فرجك، وتضرَّعْ بين يديه سبحانه، واسأله الإعانة على الظفَر بالزوجة الصالحة، وأن يُطَهِّر قلبك مِن الميل للحرام، وأكثرْ مِن الدُّعاء النبويِّ: «اللهم اغفرْ ذنبي، وطهِّر قلبي، وحَصِّنْ فرجي»، «اللهم إني أعوذ بك مِن شرِّ سمعي، ومِن شرِّ بصري، ومِن شرِّ لساني، ومِن شرِّ قلبي، ومِن شرِّ مَنِيِّي»، «اللهم فاطر السموات والأرض، عالِمَ الغيب والشهادة، أنتَ ربُّ كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، أعوذ بك مِن شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطان وشركه، وأن أقترفَ على نفسي سوءًا، أو أجره إلى مسلم».

رابعًا: ذَكِّرْ نفسَك دائمًا بقُبْح الزِّنا، وأنه مِن أكبر الكبائر، وأبشَع الجرائم، وعلاجُه بالاستعانة بالله جل وعلا، واستحضار فضيلة العِفَّة وترويض نفسك على التحلِّي بالأخلاق الحسنة، فهي تُكْسَب بالتعوُّد، فمن تكلَّف العفاف الذي هو قمع الشهوة الجِبِلِّيَّة المركوزة في النفس أعفَّه اللهُ وتدارَكه بمعونته.

خامسًا: داوِمْ على أذكار الصباح والمساء وتلاوة القرآن الكريم بتدبُّر، وسيذهب عنك ذلك بإذن الله الجواد الكريم.

سادسًا: إذا دعتْك نفسُك إلى الريبة، فتذكَّرْ أن الله مُطَّلِع عليك، وتذكَّرْ كذلك عواقب الزنا الوخيمة على المرء في الدنيا والآخرة، ويكفي أن الله نهى عباده عن الزنا، وعن مقاربته، ومُخالَطة أسبابه ودواعيه بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]؛ أي: ذنبًا عظيمًا، وبئس طريقًا ومَسْلكًا - كما قال المفسِّرون.

سابعًا: كنْ على يقينٍ وثقةٍ بأنَّ الله تعالى بكرمه ومَنِّه أَوْجَبَ على نفسه المبارَكة إعانةَ طالب الزواج بِقَصْد عِفَّة نفسه مِن الزنا، فالزواجُ - كما ذكرت - مِن الأمور الشاقة التي تقصم ظَهْر الشباب، ولولا أنه يُعان عليها لما قام به أحدٌ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العَفاف، والمجاهد في سبيل الله»؛ رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

ثامنًا: أقْصِرْ عن الشر، ولا تأمنْ مكْرَ الله، واعلمْ أنَّ الله تعالى عاقَبَ أبا البشر رسوله آدم - عليه السلام - الذي خَلَقَه بيديه، وأسْجَد له ملائكته - عاقَبَهُ لِمُخالفتِه أمرًا واحدًا، وأشْعَلَ الشملة نارًا على مَنْ غلَّها وقد قُتِل شهيدًا في المعركة، وأمر بقطْع اليد في ثلاثة دراهم، وجلد الحد في القدْرِ القليل من الخمر، وأدخل امرأةً النار في هِرَّة.

تاسعًا: جاهِدْ نفسك، واقهرْ هواك وشهوتك، واستشعرِ اطِّلاع الله عليك؛ قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]، وداوِمْ على فِعْل الطاعات التي مِن أعظمها الصلواتُ الخمس، وأدمن الصيام فهو خيرُ قاطع للشهوة، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «مَن استطاع الباءة فليتزوجْ؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء».

وبالجملة، فالصلاحُ سببٌ لعصمة صاحبه مِن الزلَل؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

 

عَصَمَنا اللهُ وإياك وجميع المسلمين مِن الزَّلَل، وحَفِظ علينا ديننا، وختَم بالصالحات أعمالَنا.