هل أعطي زوجتي فرصة أخرى؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: التوبة - قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - محاسن الأخلاق - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ في منتصف الثلاثين مِن عمري، كنتُ أبحثُ عن زوجةٍ ذات خُلُق ودينٍ تُعينني على طاعة الله، وبعد بحثٍ تزوجتُ فتاةً بها أغلب مُواصفاتي، وبعد الزواج فُوجئتُ بها تعشق الأغاني؛ (مع أني سألتُها في فترة الخطبة وأخبرتْني بأنها لا تسمع!)، كذلك وجدتُها غير مُواظبة على الصلاة، ومنذ أول شهر في الزواج وجدتُ صوتَها مرتفعًا جدًّا عليَّ، وأسلوبَها حادًّا جدًّا، مع أنها فتاة ريفيَّة، ويُفترض أنها تربَّتْ على احترام الرجل.

مرَّت الأيام وأنا أُحاول إصلاحها، وبعد فترة وجدتُ بعض الرسائل من خلال مواقع التواصُل الاجتماعي تخبرني بأن هناك علاقةً بين صاحب الحساب وزوجتي، وأن بينهما علاقة حبّ، فسألتُها فقالتْ: ربما يكون شابًّا كان معها في الجامعة! ثم رَدَدْتُ عليه ردًّا دينيًّا أحرجه!

أكَّدتُ عليها بتعطيل حسابها عبر الإنترنت، وبطريقةٍ ما عرَفتُ أن لديها حسابَيْن على مواقع التواصل الاجتماعيِّ، وتدخُل عليهما!

حاولتُ الدخولَ على الحساب حتى نجحتُ، وكانت الصدمة حينما دخلتُ صندوق الرسائل، وقرأتُ التفاصيل المكتوبة بينها وبين عشيقها!!

رأيتُ محادثاتٍ، ورسائلَ حبٍّ ورومانسية، بالساعات الطويلة، وتأكَّد لي أن المحادثات لم تكن هاتفيةً، ولم يكن هناك تطرُّق للأمور الجنسية.

أخبرتُ أخاها، وواجهناها، فأنكرتْ بشدة، وعندما قدَّمْتُ لها المحادثات وتيقَّنَتْ أن معي الأدلة انهارتْ وجلستْ تُقبِّل يدي وقدمي، وأنها لم تكنْ تعلم لماذا تفعل ذلك! مع أني لم أُقَصِّر معها مُطلقًا.

ترَجَّتْني كثيرًا بأن أعيدَها إلى بيتي، وأنها ستعيش خادمة لي، فواقفتُ على أن أُؤجلَ طلاقي لها لمدة شهر، وبعد مُضِيِّ أسبوعين كانتْ يوميًّا تبكى وتندم، وتقول: إنها لم تشعرْ أبدًا بأنها أحبَّتْ ذلك العشيق، ولا تدري لماذا فعلتْ ذلك!

أخبرتْني بأنها ندمتْ، وتُحاول أن تُصْلِحَ من نفسها، وتقرأ القرآن، والكُتُب الدينية، وتتابع البرامج الدينية فقط!

أشعر بأني أرغب في أن أعطيها فرصةً ثانية، فبمَ تُشيرون عليَّ؟

وهل آمنُها على نفسي وبيتي وعِرضي وشرفي بعدما كانتْ تكذِب عليَّ وتخونني طوال الفترة الماضية؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فشكر الله لك أخي الكريم رغبتك الصادقة في إعطاء زوجتك فرصة للتوبة، وأن تعفوَ عن زلتها، فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إنما يرحم الله مِن عباده الرحماء»، وفي روايةٍ: «لا يرحم الله مَن لا يرحم الناس»؛ رواه البخاري، وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أقال مسلمًا أقاله الله عثْرَته يوم القيامة».

وما دامتْ قد تابتْ وندمتْ وحَسُن حالها، وغلب على ظنِّك أنها صادقة في ذلك، وأنها لم يعدْ لها بهذا الشخص أيُّ صلة، ولمستَ منْها النَّدم، فاغفرْ لها تلك الزلَّة، وعامِلْها معاملةَ التَّائب من الذَّنب؛ فقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «التَّائبُ من الذَّنبِ كَمَن لا ذَنْبَ له»؛ رواهُ ابن ماجهْ.

ولكن يجب عليك منع الإنترنت من بيتك، وكذلك الهواتف الذكية، ولو لفترةٍ مِن الزمان؛ مساعدةً لزوجتك على الفِطام مما فعلتْه، ووفِّر لها بدائل أخرى مباحة، فالنفسُ إن لم تُشْغَلْ بالحق شُغِلَتْ بالباطل، وراقبْ تصرفاتها لبعض الوقت؛ لتتأكَّدَ مِن صِدقها، ولكن لا تشعرها بهذا، فإن ظهَر صلاحُها، واستقامتُها، فعُدْ للثقة، واسعَ في صلاحها واستقامتها.

وتأمَّلْ رعاك الله ما كتبه طبيب القلوب أبو عبدالله ابن القيم في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 283): "والله تعالى إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجْهِ غلبة الشهوة وقوة الطبيعة، فيواقع الذنب مع كراهته له، من غير إصرارٍ في نفسه، فهذا تُرجى له مغفرة الله وصفحه وعفوه؛ لعلمه تعالى بضعفه وغلبة شهوته له، وأنه يرى كل وقت ما لا صبر له عليه، فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه، خائف مُختلج في صدره شهوة النفس الذنبَ، وكراهة الإيمان له، فهو يجيب داعي النفس تارةً، وداعي الإيمان تارات".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "قاعدة في المحبة" (ص: 104): "الإنسانُ لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعل مَكروهات الحق فلِضَعْف بعضها في قلبه، أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسانُ لا يأتي شيئًا مِن المحرَّمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم يُنَزِّل به سلطانًا، والقول على الله بغير علم، إلا لضعف الإيمان في أصله، أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض.

لكن إذا كان أصلُ الإيمان صحيحًا، وهو التصديق، فإن هذه المحرَّمات يفعلها المؤمنُ مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بُغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يُخلص من عقابها؛ إما بتوبة، وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها، ولم يرجُ رحمته، فهذا لا يكون مؤمنًا بحال، بل هو كافرٌ أو منافقٌ".

فعنايةُ الله سبحانه وبِرُّه ولُطْفُه بعبده التائب تكون سببًا في صلاح حاله، ومِن ثَمَّ يَحْصُل له من الخوف والخشية، والانكسار والتذلل لله، والتضرُّع بين يديه، والبكاء على خطيئته، والندم عليها والأسف - ما هو من أفضل أحوال العبد وأنفعها له في دنياه وأخراه.

قال سعيد بن جُبَيْر: "إن العبدَ ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة! وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه، ويعجب بها، ويعمل السيئة فتكون نصب عينه، فيستغفر الله ويتوب إليه منها".

نسأل الله أن يُصلح بيوت المسلمين