خطورة النكت التي تهزأ بشعائر الإسلام

خالد عبد المنعم الرفاعي

سائل يسأل عن مدى خُطورة النُّكَت التي يتخذُها الناسُ للضَّحِك، ويُذكر فيها شعيرة مِن شعائر الإسلام؛ كالحج، أو الدعاء؟

  • التصنيفات: الأدب مع الله وكتابه ورسوله - النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بعض النكت التي يتخذها الناسُ للضَّحِك يُذكر فيها شعيرة الحج، أو الدعاء الذي هو العبادة، فما رأيكم فيمَنْ يتداول هذه النكت؟

فأحيانًا تأتيني رسائل من الأصدقاء على (الواتس آب) أو مواقع التواصل، وفيها بعض هذه النكات، فكيف أرد على هؤلاء إن وجدتُ فيها ما ذكرتُ؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فشكر الله لك غيرتك على الشريعة الإسلامية، ورغبتك في النُّصح لِمَن يقوم بتلك الأفعال المشينة، وهذا أمرٌ واجبٌ على كل مسلم أن يَغار لدينه، ويدافعَ عن شعائره ويَحميها بكلِّ ما يستطيع، وأن يُدافِع عن عقيدته ومُقدساته وتعاليم دينه.

وبعدُ، فإنَّ الاستخفافَ أو الاستهزاء بالشعائر الدينية كُفرٌ محضٌ؛ لما فيه من التَّنَقُّص والطعْنِ في حكمة الشارع، والنِّكات إن كانتْ تتضمَّن سُخريةً واستهزاءً بالله أو رسله أو القرآن أو أي حكم مِن أحكام الدين أو شعيرة من شعائره؛ كالحج، أو الصلاة، أو غير هذا - فهو استخفافٌ واستهزاءٌ بالمقدسات، ومَن يفعل هذه الأمور التي تذكرها هو كافر كفرًا أكبر، مُخرجًا من الملة؛ لأنه لم يفعلْ إلا استخفافًا بالدين؛ وقد قال الله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66].

وروى الإمام الطبري في تفسير جامع البيان (14/ 333) عن سعد، عن زيد بن أسلم: أن رجلاً مِن المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تَبوك: ما لقُرَّائنا هؤلاء أرغبنا بطونًا وأكذبنا ألسنةً، وأجبننا عند اللقاء! فقال له عوف: كذبتَ، ولكنك منافقٌ، لأُخْبِرَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوفٌ إلى رسول الله ليُخبره، فوجد القرآن قد سبَقه، قال زيد: قال عبدالله بن عمر: فنظرتُ إليه مُتعلقًا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبُهُ الحجارة، يقول: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65]، فيقول له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65]؟ ما يَزيدُه.

وقد نهى الله عن هذا الفعلِ القَبيحِ فقال: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231]، وبَيَّن سبحانه أن القدْحَ في الدين والاستهزاءَ به - خصوصًا شعائره التعبدية - هو ما كان عليه المشركون والكفَّار المخالفون للمسلمين، فإذا نادَوْا للصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا؛ لعدم عقلِهم ولجهلهم العظيم، فقال سبحانه: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57]، وقال: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 106].

فعليك أخي الكريم أن تُبَيِّن لهؤلاء المساكين أن الاستهزاءَ بالدين مِن أخطر أبواب الكفر وأعظمها؛ لأن صاحبه ميت القلب، مُستهين بالدين، لا يرضاه منهجًا للحياة، ويُفَضِّل عليه غيره، وكذلك المُرَوِّج لهذه السخافات هو مِن أعداء الإسلام وخُصومه، فالرضا بالكفر كفرٌ.

وقال الإمام الذهبي في "الكبائر" (ص: 153): "فائدة: فيها مِن كلام الناس ما هو كفرٌ صرَّحتْ به العلماءُ؛ منها: ما لو سَخِرَ باسمٍ من أسماءِ الله، أو بأمره، أو وعده، أو وعيده".

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (10/ 64)ٌ: "وتحصُل الرِّدَّة بالقول الذي هو كفرٌ؛ سواء صدر عن اعتقادٍ، أو عِنادٍ، أو استهزاءٍ".

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين في مَعْرِض كلامه على شروط التكفير: "... أن يقصدَ الكلام والسبَّ، وهذا فعلُ الجادِّ، كما يصنع أعداءُ الإسلام بسبِّ الإسلام.

الثاني: أن يقصد الكلام دون السبِّ، بمعنى: أن يقصدَ ما يدلُّ على السبِّ، لكنه مازحٌ غير جادٍّ، فهذا حكمُه كالأول يكون كافرًا؛ لأنه استهزاء وسُخرية.

المرتبة الثالثة: ألا يقصدَ الكلام ولا السبَّ، وإنما يسبق لسانه، فيتكلم بما يدلُّ على السبِّ دون قصدٍ إطلاقًا، لا قصد الكلام، ولا قصد السَّبِّ، فهذا هو الذي لا يُؤاخَذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225]" اهـ من فتاوى نور على الدرب للعثيمين (4/ 2).

هذا، والمقامُ لا يحتمل أكثر مِن هذا، وإن كانتْ تلك المسألةُ تستحقُّ أكثر من هذا، فراجعْ كتاب شيخ الإسلام: "الصارم المسلول على شاتم الرسول".

نسأل الله العليَّ القديرَ أن يَعْصِمَنا وجميع المسلمين مِن الزلل.