زوجي يحبسني في البيت، فهل أطلب الخلع؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

سيدة متزوجة يحبسها زوجُها في البيت منذ سنة ونصف، ولا يَرضى بِخُروجها، حتى خرجتْ من البيت بدون إذنِه وعادتْ لأهلها، وتريد الخُلع، وتسأل عن مَشروعية ذلك، وهل تأثم بذلك أو لا؟

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة متزوِّجة، خرجتُ مِن بيت زوجي بدون علمِه؛ لأنه كان يَحبسني في بيت أهله لمدة سنة وستَّة أشهر لشكِّه أنَّ أمي ساحرة، وهذا باطلٌ، لكن الحقيقةَ أنَّ أمي لا تُحب زوجي، وبينهما مُشكلات كثيرةٌ.

حصلتْ مشكلات كثيرة بيني وبينه، وخرجتُ من البيت بدون علمه لِحَبسِه لي؛ فهل بذلك أعدُّ ناشزًا في الشرْع؟ أنا أريد الخُلع منه فهل عليَّ إثْمٌ إذا طلبتُ ذلك؟

أرجو إرشادي فيما أريد أن أفعل، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فأصلُ نُشوز الزوجة هو: استعلاؤُها على زوجها، وترفُّعها عليه، وعدم طاعته فيما تلزم طاعته، ويُطلَق النُّشوز على المرأة إذا كانتْ مُخالِفةً لزوجها فيما يأمرُها به.

إذا تقرَّر هذا، فالخروجُ من بيت الزوجية بغير إِذْن الزوج مِن صُوَر النُّشوز، إلا أنَّ حَبْسَ زوجك لك في بيته سنة وستة أشهر، وحرمانك من مكالَمة أهلك فيه ضررٌ بالغٌ، يُسوِّغ لك الفرار من البيت، ولا يُعَدُّ نشوزًا، وإنما هو رفْعٌ للضرَر المحقَّق عليك.

أما طلَبُ الطلاق للضرَر فليس مُحَرَّمًا، وإنما الحرامُ على الزوجة هو طلَبُ الطلاق في غير حال شدة مُلجِئَة إليه؛ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألتْ زوجها الطلاقَ في غير ما بأس؛ فحرامٌ عليها رائحة الجنة»؛ رواه أحمدُ.

وكذلك خَلْعُ المرأة لزوجها أجازه أهلُ العِلْم عند تضرُّرها من زوْجِها؛ قال الإمام ابنُ قُدامة رحمه الله: "وجملةُ الأمر: أنَّ المرأة إذا كرهتْ زوجَها؛ لخُلُقه أو خَلْقه أو دينِه، أو كِبَره أو ضعفه، أو نحو ذلك، وخَشِيت ألاَّ تُؤدِّي حقَّ الله تعالى في طاعته، جاز لها أن تُخالِعَه بِعِوَضٍ تفتدي به نفسَها منه؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]".اهـ.

وقال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (32/ 282): "الخُلْع الذي جاء به الكتابُ والسُّنَّة أن تكونَ المرأةُ كارهةً للزوج، تُريد فراقه، فتُعطيه الصَّداق أو بعضه فِداءَ نفسها، كما يَفتدى الأسيرُ، وأما إذا كان كلٌّ منهما مُريدًا لصاحبه، فهذا الخُلع مُحْدَثٌ في الإسلام.

وقال رحمه الله: إذا كانتْ مُبْغِضَةً له، مختارةً لفراقه، فإنها تَفتدي نفسها منه، فتَرُدُّ إليه ما أَخَذَتْهُ مِن الصداق، وتُبْريه مما في ذمتِه، ويخلعها كما في الكتاب والسُّنة، واتَّفَقَ عليه الأئمةُ".

أما إجبارُ زوجك لك حتى تختلعي فلا يجب طاعته؛ لأنه محضُ ظُلم، فهذا أمرٌ لا يحلُّ له؛ فالله تعالى نَهَى الرجلَ أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويُضيق عليها حتى تُعطيه بعض الصَّداق؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، إلى قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 20، 21] ، وقال سبحانه: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229]، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فإنْ دخَل بها فلها المهرُ بما استحل مِن فَرْجِها»؛ رواه التِّرمذي.

أما إجبارُك على أيِّ شيءٍ، فإنه يرفع عنك الاختيار أو القصد إلى الاختيار، ومن ثَم فلا إثمَ عليك، ثم إنَّ طلَبَ الخُلْعِ لِضَرَرٍ ليس محرمًا أصلاً.

وأنصحك أيتها الأخت الكريمة أن تتمَهَّلي، وأن تُوَسِّطي بعض أهل الخير للإصْلاح بينكما، وتقريب وجهات النظَر بينكما؛ فقد تكون الأمورُ لم تصلْ لمرحلة التأزُّم التي تنتهي بالطلاق، عسى الله أن يُصلِحَ بينكما.

أصلح الله أحوالكما، وقدَّر لكما الخير حيث كان.