هل التأثر بأسلوب الكتاب يدخل تحت الحقوق الفكرية؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
سيدة تسأل: هل التأثُّر بأفكار كاتبٍ ما، والكتابة مثله، يدخُل تحت الحُقوق الفِكرية؟ وهل يَلزمني وأنا أُلقي الدروس أن أبَيِّن ممن أخذتُ مادَّتي في كل معلومة أو قول؟
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرًا على ما تُقَدِّمون مِن نَفْع للإسلام والمسلمين.
سؤالي بارك الله فيكم: كيف أَتَجَنَّب سرقة الحُقوق الفكرية؟ فالكُتَّاب مثلاً يُدَوِّنون أسماءَهم على مقالاتهم وكتُبهم للحِفاظ على حقوقهم الفكرية، ونحن عندما نُكْثِرُ من القراءة لكاتبٍ معينٍ فإننا ولا بد نتأثَّر بطريقةِ كتابته، وقد تُصبح كلماته سليقةً على لساننا إذا كَتَبْنا مقالاً في نفس الجانب.
وعندما نُكثِر القراءة في كُتُبٍ فكريةٍ مُعينة فإنَّ عُقولنا تتشرَّب أفكارَهم، ولو كتبنا شيئًا في نفس الباب فإننا نكتُب مثل كتاباتهم، وأحيانًا مِن كثرة القراءة لا نذكُر الكاتب أو القائل، فهل يلزمني أن أعودَ للكاتب أو القائل للتحقُّق من الكلمات التي أكتبُها؟
أمر آخر: أنا أستمعُ كثيرًا للدُّروس الوعظية، ثم يَروق لي درسٌ مُعيَّن، فأقوم بتفريغه وإعادة صياغته، وتخريج أحاديثه، وحذْف غير المناسب والزِّيادة عليه مِن ذاكرتي، فهل هذا يَدخُل في الملكيَّة الفِكريَّة؟ وهل يَشوبُه الإثمُ؟ وهل يَلزمني كلما ألقيتُ درسًا أن أُبَيِّنَ أنني أخذتُ المعلومات من فلان وفلان، وكتاب كذا وكذا؟
وجزاكم الله خيرًا، وبارك الله فيكم.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فما تقومين بفِعْلِه أيتها الأخت الكريمة ومَن تتأثرين بهم في أسلوب الكتابة، أو الإلقاء والدعوة، لا يدْخُل في باب التعدِّي على الحُقُوق الفكرية للمُؤَلِّفين أو العلماء والدعاة، حتى لو أصبح ذلك سَليقةً لك، سواء في الكتابة أو الكلام.
نعم، قد نَصَّ أكثرُ العلماء المعاصرين على حُرمة نسخ برامج الغير، أو انتحال كتبهم، أو نسخها، وبيَّنوا أن مِن كمال الشريعة أن تُحفظَ حقوق الشركات والأفراد مِن الاعتداء عليها، سواء كانت برامج حاسوب، أو مؤلَّفات، أو مخترعات، وكل ما بَذل فيه الإنسانُ جهدًا ومالاً بيَّنوا أنَّ كل هذا لا يجوز نسخُه للنَّفع الخاصِّ أو العام، وقد أصدر مجمعُ الفقه الإسلامي قرارًا بشأن الحقوق المعنوية قرَّر فيه: "إنَّ حقوق التأليف والاختراع مصونة شرعًا، ولأصحابها حقُّ التصرُّف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها".
ولكن ما تفعلينه ليس من هذا الباب في شيء، فإنَّ تأثُّر المرء بلغةِ وأدبِ مَن يقرأ، واستماع ذلك ومحاكاته في الكتاب والتأليف - أمرٌ يَصْعُبُ اجتنابُه؛ لأنَّ هذا مِن باب انتقال العلوم واللغة مِن جيلٍ لآخر.
ولو تأمَّلْتِ بارك الله فيك كُتُب العلم عامَّة، وفي جميع الفنون اللغوية والأدبية والشِّعرية والعُلوم الشرعية والعلوم التجريبية، فستجدين أن السابق يتأثَّر باللاحِق ولا بُدَّ، حتى قال بعضُ أهل العلم: "ما قرأتُ كتابًا إلا ألَّفتُ مثله".
والحاصلُ أنه لا يتعيَّن عليك إخبار مَن تعظين أو تعلمين بمصادر تلك الموعظة، أو مَن تأثرت به، أو حاكيته في الوعظ.
وفَّقك الله لكلِّ خيرٍ ونفَع بك.