إخوتي يريدون حرماني من الميراث

خالد عبد المنعم الرفاعي

فتاة تُوُفِّي والدُها وترَك مالاً، وأوصى قبل وفاته ألا تأخذَ البنات من الميراث شيئًا، وإخوتها الذُّكور قرَّروا ألا يعطوها شيئًا من الميراث تبعًا لوصية والدهم، لكن الفتاة رفضتْ هذا الكلام، وتراه غير موافق للشرع؛ مما أدَّى إلى مُقاطعتهم لها، وتسأل: هل أنا مخطئة؟ وهل أستمرُّ في طلب حقِّي الشرعي أو لا؟

  • التصنيفات: فقه الفرائض والوصايا - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تُوُفِّي والدي منذ أشهر، وبعد الوفاة بدأ إخوتي يتكلَّمون في الميراث، فهم يريدون أخْذ جواز سفري لعمل توكيل بكلِّ ما ترَكه الوالد لأخي الأكبر، وحرمان الإناث من الميراث!

رفضتُ أن أعطيَهم جواز سفري لعمل توكيلٍ، وطالبتُ بحقِّي الشرعيِّ في الميراث، وحاول زوجي أن يفهمهم أنَّ ما يفعلونه من حرمان الإناث من حقهنَّ الشرعي من الجاهلية ومخالفٌ للشرع.

رفَض أخي كلام زوجي، ورفض أن يبيعَ أي شيء لتقسيم الميراث، وقال: كلُّ شيء سيكون كما هو تحت يد أخي الأكبر.

حصلتْ مشكلات بيننا، ولم أتنازَلْ عن حقِّي، وذهب إخوتي إلى قريب والدي وشكوا إليه مُطالبتي بحقي، فأخبرهم أن الوالد قبل الوفاة كان يقول: لا شيء من الميراث للبنات، لكن أعطوهنَّ مالاً كمساعدة، ولا تقسِّموا المال، وأبقوا كل شيء كما هو!

سألتُ شيخًا، وأخبرني أنَّ هذا فيه ضررٌ للبنات، ولا تجوز هذه الوصيَّة، ويجب أن يأخذَ الفتياتُ حقهنَّ؛ حتى لا يُحاسَب الوالد.

الآن إخوتي قاطعوني، ولا يتكلَّمون معي، وينشرون عني الأكاذيب التي منها: عدم احترام الوالد أثناء حياته، وغيرها مِن الشائعات الباطلة.

حاولتُ أن أتنازلَ شيئًا، وطالبتُ بمالٍ مقابل الأشياء العينية، فقرَّروا لي مبلغًا من المال، وعندما سألتُهم: على أيِّ أساس قرَّرتُم هذا المال؟ وأين مُستندات ذلك؟ غضبوا وقاطعوني، وقالوا: كيف تجرُئين على سؤالنا عن أملاك والدنا؟!

أخْبِروني: هل أنا مخطئة؟ وهل أستمرُّ في طلَب حقِّي الشرعي؟ هل وُقوف زوجي معي ودفاعه عن حقي خطأ؟

أرجو أن تنصحوني فأنا في حيرة ولا أعلم ماذا أفعل؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واللهُ المستعان على أحوال المسلمين.

مِن حقِّك أيتها الأخت الكريمة المطالَبة بسائر ميراثك من والدك، وأن تتصرفي فيه كيفما شئتِ، فهذا حقك الذي حكم الله العليم الحكيم به للإناث، وليس تفضُّلاً من أحد مِن البشر، ولا يجوز التحايُل على منعه، فالميراثُ كما يقال: جَبري، فأبناءُ المتوفَّى مِن النِّساء والذُّكور كلهم يرثون من أبيهم ما ترَكه، بحسب ما هو مُقَدَّر في شرع الله، ولا يجوز للذُّكور منْع الإناث منه.

أما ما كان يقوله الوالدُ مِن أنه لا شيء مِن الميراث للبنات، وأعطوهنَّ مالاً كمساعدةٍ، وطلبه من أخيك أن تُوَكِّلوا له كل شيء وألا تتقاسَموا - فوصيةٌ باطلةٌ؛ لأنه بموت الأب تنتقل جميع أمواله لورثته الشرعيين، وليس لأحدٍ حِرمان أحدٍ مِن حقه، فالوصيةُ بذلك باطلةٌ، لا قيمة لها شرعًا؛ فللبنات حقٌّ مَعلوم في كلِّ ما تركه الوالد؛ روى الإمام أحمد عن عمرو بن خارجة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ أعطى لكلِّ ذي حق حقه، ولا وصية لوارث»، وهذا يُبَيِّن صوابَ ما قاله لك مَن سألتِه من أهل العلم.

فالواجبُ على إخوانك الذكور أن يتَّقوا الله تعالى، ويقسِّموا تَرِكة أبيهم على جميع ورثته، كما أمر الله عز وجل في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله عز وجل: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]، وقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]، وسببُ نزول الآية كما رواه الإمام أحمدُ وأصحابُ السُّنَن عن جابر: أنَّ امرأة سعد بن الربيع جاءتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالتْ: يا رسولَ الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتِل أبوهما معك في أُحُد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدعْ لهما مالاً، ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فقال: «يقضي الله في ذلك»، قال: فنزلتْ آيةُ الميراث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: «أعط ابنتَي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك».

فالشرعُ جعَل مِن حقك أن تحصلي على حقِّك كاملاً غير منقوص، ما لم تتنازلي عن شيء برضاك وطيب نفس.

إذا تقرَّر هذا، فإن مِن حقك أن تُطالبي بحقك في ميراثك، كما تجب سرعة تقسيمه، واستيلاء إخوانك الذكور على التَّرِكة وحرمان البنات منها - من عادات الجاهلية الأولى التي قضى الإسلام عليها، قال الإمام البخاري في صحيحه، باب: لا وصية لوارث، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان المالُ للولد، وكانت الوصيةُ للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكَر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدُس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع».

فما يفعله إخوتك مِن الظُّلم والتعدي على حُدود الله، كما قال تعالى مُعَقِّبًا على تقسيم المواريث: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13، 14].

كما أنه مِن حقك أيتها الأخت الكريمة أن ترفعي الأمر إلى القضاء؛ ليُنصفك مِن إخوانك إن لَم تجدي من يُنصفك ويعينك على أخْذِ حقِّك من كبير أو قريب أو نحوهما، فيخوفهم بالله ومن أكل حقوق الإناث؛ وبما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أُحَرِّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة»؛ أي: أضيق على الناس في تضييع حقهما، وأُشَدِّد عليهم في ذلك.

قال الإمام النوويُّ: المعنى: أُحَرِّج عن هذا الإثم؛ بمعنى: أن يضيع حقهما، وأحذِّر من ذلك تحذيرًا بليغًا، وأزجر عنه زجرًا أكيدًا.

وفي الصحيحين، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَذ شبرًا من الأرض ظُلمًا، فإنه يُطوقه يوم القيامة من سبع أرضين».

وفيهما عن أمِّ سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إنما أنا بشرٌ، وإنه يأتيني الخصم، فلعلَّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك، فمَن قضيتُ له بحقِّ مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها».

أسأل الله أن يُصلحَ بينك وبين إخوانك، وأن يُؤَلِّف بين قلوبكم

ويذهب عنهم نزَغات الشيطان.