ما الأفضل للمتوفى: الحج أو الصدقة؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
شابٌّ توفيتْ والدتُه، ويسأل عن الأفضل لها بعد وفاتها: هل يحجُّ أو يتصدَّق عنها؟
- التصنيفات: الحث على الطاعات -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والدتي تُوُفِّيتْ، وأسأل عن الأفضل لها بعد وفاتِها: هل أحجُّ عنها؟ أو أتصدَّق لها؟ علمًا بأنها - رحمها الله - قد حجتْ قبل ذلك.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا أيها الأخُ الكريم على حِرْصِك على بِرِّ والدتك.
أما أفضلُ الأعمال التي تهديها لها، فأحسن ما يُبر به الوالدان ما أرشد إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو الدُّعاء والاستغفارُ لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرَّحِم التي تتعلق بهما؛ كما رواه أحمدُ وأبو داود وغيرهما، عن أبي أسيدٍ مالكِ بن ربيعة الساعدي، قال: بينا نحن عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجلٌ مِن بني سَلَمة، فقال: يا رسولَ الله، هل بقي مِن بِرِّ أبويَّ شيءٌ أبرُّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم الصلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدهما مِن بعدهما، وصلةُ الرِّحِم التي لا توصَل إلا بهما، وإكرامُ صديقهما».
وقوله: «الصلاة عليهما»؛ أي: صلاة الجنازة والدعاء لهما.
ورَوَى أحمدُ ومسلم عن عبدالله بن عُمر قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أبر البر صلة الولد أهلَ وُدِّ أبيه».
أمَّا المُفاضَلة بين الحجِّ والصدقة، فليس هناك فيما أعلم ما يدُلُّ على تفضيل فِعل أحدِهما على الآخر للوالدين، وكلٌّ منهما قد وردتْ بها أدلَّةٌ تدُلُّ على وُصُول ثوابه عن المتوفَّى، وقد أجمع العلماءُ على وُصُول ثواب الصدَقة، والأكثرون يقولون بوُصول ثواب الحجِّ؛ ففي الصحيحين، عن عائشة، أنَّ رجلاً قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ أمي افتُلِتَتْ نفسُها، وأُراها لو تكلَّمَتْ تصدَّقَتْ، فهل لها أجرٌ إن تصدقتُ عنها؟ قال: «نعم».
وروى البخاريُّ وغيرُه عن ابنِ عباس، أنَّ رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أمِّي تُوُفِّيَتْ، أينفعها إن تصدَّقْتُ عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإنَّ لي مَخرفًا، فأنا أُشهدك أني قد تصدقتُ به عنها.
وعن أبي هُريرة أنَّ رجلاً قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ أبي مات ولم يُوصِ، أفينفعه أن أتصدَّق عنه؟ قال: «نعم».
وعن أبي هُريرة أيضًا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا مِن ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وروى مسلم عن أبي هريرة عن بريدة، قال: بينا أنا جالسٌ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتتْهُ امرأةٌ، فقالتْ: إني تصدَّقتُ على أمِّي بجاريةٍ، وإنها ماتتْ، قال: فقال: «وجب أجرُك، ورَدَّها عليك الميراثُ»، قالتْ: يا رسولَ الله، إنه كان عليها صومُ شهر، أفأصوم عنها؟ قال: «صُومي عنها»، قالتْ: إنها لم تحجَّ قط، أفأحجّ عنها؟ قال: «حجِّي عنها»؛ رواه مسلمٌ.
وأسأل الله أن يَرْحَمَ مَوتى المسلمين.