خطبة ابن الجوزي في المسجد الأموي (تنبيه جديد)
خالد عبد المنعم الرفاعي
وحَسِبَ الناس أن هذه هي الخطبة الحقيقية، حتى أن خطيب المسجد الحرام الرجل الصالح الشيخ عبدالله خياط نقل فقرات منها في خطبة الجمعة على أنها خطبةُ سبط ابن الجوي)).
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وجزاكم الله الجنة، لي سؤالي علمي:
لقد قرأت مقولة منسوبة لابن الجوزي، يقول فيها: "أيها الناس، لقد دارت رحى الحرب، ونادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب، فأفسحوا الطريق للنساء؛ يدرن رحاها، واذهبوا، وخذوا المخامر والمكاحل، يا نساء بعمائم ولحى".
وأريد أن أعرف:
أولاً: هل هذه المقولة أو الكلمة قالها ابن الجوزي بالفعل؟
ثانياً: ما اسم الكتاب أو المجلد الذي وردت فيه؟
فهذه الخطبة قد انتشرت على المواقع الإلكترونية، ومنتديات الحوار، وتداولها الناس وبعض الكتاب، وهي منشورة في عدد من أعداد مجلة "الكوثر"، ولكن لم نقف عليها في كتب ابن الجوزي المتاحة لنا، ولا في ترجمته في كتب التراجم ولا في مصدر آخر، وألفاظها ليست الألفاظ المستعملة في وقت ابن الجوزي، بل ألفاظ الأعصار المتأخرة، فالذي يغلب على الظن أنها لاتصح نسبتها إليه – والله أعلم - وإليك نص هذه الخطبة:
قال ابن الجوزي على منبر المسجد الأموي: أيها الناس، ما لكم نسيتم دينكم، وتركتم عزتكم، وقعدتم عن نصر الله؛ فلم ينصركم، حسبتم أن العزة للمشرك، وقد جعل الله العزة له، ولرسوله وللمؤمنين، يا ويحكم! أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يحط على أرضكم، التي سقاها بالدماء آباؤكم، يذلكم ويستعبدكم، وأنتم كنتم سادة الدنيا؟!
أما يهز قلوبكم وينمي حماسكم مرأى إخوان لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟! فتأكلون وتشربون وتتمتعون بلذائذ الحياة، وإخوانكم هناك يتسربلون اللهب، ويخوضون النار، وينامون على الجمر؟! يا أيها الناس، إنها قد دارت رحى الحرب؛ ونادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء؛ فإن لم تكونوا من فرسان الحرب، فافسحوا الطريق للنساء؛ يدرن رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل، فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها. يا ناس، أتدرون مم صنعت هذه اللجم والقيود؟ لقد صنعتها النساء من شعورهن؛ لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها، هذه والله ضفائر المُخَدَّرَات - النساء المستترات في خدورهن- لم تكن تبصرها عين الشمس صيانةً وحفظاً؛ قطعنها؛ لأن تاريخ الحب قد انتهى، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة، الحرب في سبيل الله، ثم في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض، فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها، فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وضفائر، إنها من شعور النساء، ألم يبق في نفوسكم شعور؟!
تنبيه وتوضيح:
بعد نشر هذه الاستشارة ورد إلى موقعنا تنبيه من الأخت الفاضلة رضا من الكويت ذكرت فيه: أن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى هو من ألف خطبة ابن الجوزي وأنه قد ذكر ذلك في كتابه ((الذكريات)) الجزء الثالث صفحة 314.
وبالعودة إلى الموضع الآنف من ((ذكريات علي الطنطاوي)) وجدنا صدق ما أوردته الأخت الكريمة، ولكن مع ملاحظة أن الخطبة نسبها الطنطاوي إلى سبط ابن الجوزي وليس إلى جده ابن الجوزي، وقد ذكر الطنطاوي وضعَه لهذه الخطبة في سياق الحديث عن التزيُّد في الأخبار، وإعمال الخيال في القصص التاريخية.
وإليكم كلام الشيخ كاملاً:
((ولي كتاب اسمه "قصص من التاريخ" آخذ فيه أسطرًا معدودة، أو حادثة محدودة, فأُعمل فيها خيالي، وأجيل فيها قلمي، حتى أجعل منها قصة. بدأت بهذا العمل من سنة 1930م، من حين كنت أشتغل في جريدة "فتى العرب"، والقصص الأولى منشورة في كتاب لي نفد من دهر طويل كان اسمه "الهيثميات".
من هذه القصص ما ذكره المؤرخون من أن امرأة من دمشق رأت انقسامَ المسلمين وتقاعسهم عن قتال الصليبيين، وأرادت المشاركة في الجهاد، فعملت ما تقدر عليه: قصَّت ضفائرها، وبعثت بها إلى سِبط ابن الجوزي (أي ابن ابنته) خطيب الجامع الأموي في دمشق؛ ليكون منها قيدٌ لفرسٍ من خيول المجاهدين.
ويقول المؤرِّخون: إنه خطب خطبةً عظيمة ألهبت الدماء في العروق، وأسالت الدموع من العيون، وأثارت الحماسة وأيقظت الهِمم، فلما كتبتُ القصة على طريقتي، ألَّفتُ أنا خطبةً قلت: إنها التي ألقاها على الناس.
وحَسِبَ الناس أن هذه هي الخطبة الحقيقية، حتى أن خطيب المسجد الحرام الرجل الصالح الشيخ عبدالله خياط نقل فقرات منها في خطبة الجمعة على أنها خطبةُ سبط ابن الجوي)).