درجة حديث النهي عن أن يبيت الرجل وحده

قلت: فيه أحمد بن مطير لم أجد له ترجمة، ومحمد بن أبي السُّرِّيِّ مختلَفٌ فيه؛ كما في "تهذيب الكمال" (26/358). والوليدُ بن مسلم ثقةٌ لكنَّه كثيرُ التدليسِ والتسويةِ

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

أفتونا مأجورين - جزاكم الله خيرًا - حول صحة حديث النهي عن أن يبيت الرجل وحده.

 

مع تبيين علة الحديث إن كان ضعيفًا؟

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد أخرج أحمدُ في "مسنده" (2/91 رقم 5650) عن أبي عُبَيْدَةَ الحَدَّادِ، عن عاصم بن محمد، عن أبيه، عن ابن عُمَرَ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوَحْدَةِ؛ أن يَبِيتَ الرجلُ وَحْدَهُ أو يسافرَ وَحْدَهُ.

 

وهو حديث شاذ؛ تفرَّد به بهذا اللفظ أبو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ - عبدُ الواحدِ بنُ واصلٍ السَّدُوسِيُّ، وهو ثقة - عن عاصم بن محمد، وقد خالفه أصحاب عاصم؛ فَرَوَوْهُ بلفظٍ آخَرَ، وهو الصحيح الذي اعتمده البخاري.

 

فالحديث أخرجه ابن أبي شَيْبَةَ في "مصنَّفه" (26796)، (34202)، وفي "الأدب" (160) – ومن طريقه ابن ماجهْ في "سننه" (3768) - وأحمد في "مسنده" (2/24رقم 4770)، (2/60رقم 5252)، وابن حبان في "صحيحه" (2704) من طريق وكيع بن الجرَّاح.

 

وأحمد في "مسنده" (2/23رقم 4748)، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ في "مسنده" (824) عن محمد بن عُبَيْدٍ.

 

وأحمد في "مسنده" (2/86رقم 5581)، والترمذي في "جامعه" (1673) من طريق سفيان بن عُيَيْنَةَ.

 

وأحمد في "مسنده" (2/120رقم 6014) عن هاشم بن القاسم.

 

والدَّارِمِيُّ في "سننه" (2721) عن الهيثم بن جميل.

 

والبخاري في "صحيحه" (2998)، والبَيْهَقِيُّ في "سننه" (5/257)، وفي "شُعَبِ الإيمان" (4401) من طريق أبي الوليد الطَّيَالِسِيِّ.

 

والبخاريُّ في "صحيحِهِ" (2998)، والبَيْهَقيُّ في "سُننه" (5/257) من طريق أبي نُعَيْمٍ الفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ.

 

وابن خُزيمةَ في "صحيحه" (2569)، والحاكم في "المستدرك" (2/111) من طريق بشر بن المُفَضَّلِ.

 

وابن خُزيمةَ في "صحيحه" (2569) من طريق يحيى بن عبَّاد.

 

والدَّارَقُطْنِيُّ في "الغرائب والأفراد" (3095/أطراف) من طريق الثَّوْرِيِّ.

 

وابن عبدِ البَرِّ في "التمهيد" (20/9) من طريق مالك بن إسماعيلَ النَّهْدِيِّ.

 

جميعهم (وكيعٌ، ومحمد بن عُبَيْدٍ، وابن عُيَيْنَةَ، وهاشمٌ، والهيثمُ بن جميل، وأبو الوليد الطَّيَالِسِيُّ، وأبو نُعَيْمٍ، وبِشْرٌ، ويحيى بنُ عبَّاد، والثَّوْرِيُّ، ومالكُ بنُ إسماعيلَ) عن عاصمِ بنِ محمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عن أبيه، عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ)).

 

وله طريق أخرى بهذا اللفظ مُتَكَلَّمٌ فيها: وهي ما أخرجه الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط" (2058)، (7397) من طريق محمد بن القاسم الأَسَدِيُّ، عن زُهير بن معاويةَ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جابرٍ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم الناس ما في الوَحْدَةِ ما سار راكب بِلَيْلٍ أَبَدًا، ولا نام رجل في بَيْتٍ وَحْدَهُ)).

 

قال الهَيْثَمِيُّ في "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" (8/104): رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأوسط، وفيه محمد بن القاسم الأَسَدِيُّ؛ وثَّقه ابن مَعِين وضعفه أحمد وغيرُهُ، وبقيةُ رجاله ثقاتٌ.

 

قلت: محمد بن القاسم هذا مُتَّهَمٌ بالكذب؛ كما في "تهذيب الكمال" (26/301).

 

وقد وردت شواهدُ للرواية الشاذةِ التي تكلمنا عليها، ولكنها لا تُقَوِّي الحديث؛ منها:

• ما أخرجه أحمد في "مسنده" (2/287رقم 7855)، (2/289رقم 7891)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/362تعليقا)، والعُقَيْلِيُّ في "الضعفاء" (2/232)، والبَيْهَقِيُّ في "شُعَبِ الإيمان" (4400)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (4/327) من طريق أيوبَ بنِ النجَّار، عن طيب بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: ((لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُخَنَّثِي الرجالِ الذين يتشبَّهُون بالنساء، والمترجِّلاتِ منَ النساءِ المتشبهينَ بالرجال، والمُتَبَتِّلِينَ منَ الرجال؛ الذي يقول: لا يتزوج، والمُتَبَتِّلاتِ منَ النساءِ؛ اللائي يقلن ذلك، وراكبَ الفلاةِ وَحْدَهُ، فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى استبان ذلك في وجوههم وقال: البائِتُ وَحْدَهُ)). [ولم يذكر بعضهم: "البائت وحده"].

 

قال البخاري: ((ولا يصح حديث أبي هريرة)). وقال البَيْهَقِيُّ: ((تفرد به أيوبُ بنُ النجارِ، عن طيب بن محمد)).

 

وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/473): ((طيب بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، يَمَامِيٌّ لا يكاد يُعرَف، وله ما يُنكَر، روى عنه أيوبُ بنُ النجار في لَعْنِ المُتَرَجِّلاتِ منَ النساءِ، ذَكَرَهُ العُقَيْلِيُّ)).

 

• وأخرجه أبو نُعَيْمٍ في "الحِلْيَةِ" (6/283): من طريق أبي سعيد، عن هِشامٍ الدَّسْتِوَائِيِّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ، به.

 

قال أبو نُعَيْمٍ: ((أبو سعيد هذا قيل: إنه المُسَيَّبُ بنُ شَرِيكٍ تفرَّدَ به عن هشام)).

 

قلت: المُسَيَّبُ بنُ شَرِيكٍ هذا متروك الحديث. انظر: "الجرح والتعديل" (8/294)، و"المجروحين" (3/24)، و"ميزان الاعتدال" (6/429-430)

 

• ومنها ما أخرجه الطبراني في "مسند الشَّامِيِّينَ" (499) عن أحمد بن مطير الرَّمْلِيِّ القاضي، عن محمد بن أبي السُّرِّيِّ العَسْقَلاَنِيِّ، عنِ الوليد بن مسلم، عن ثَوْر بن يزيدَ، عن عطاءٍ، عنِ ابن عمرَ قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني كنت في موضع كذا وكذا فمررت بمقبرة، فخرج عليَّ من قبرٍ طالبٌ ومطلوبٌ، في يد الطالب مطرقةٌ أو مِرْزَبَّةٌ من حديد، وفي عُنُقِ المطلوب سلسلة، فضربه الطالب على رأسه بمطرقته؛ فدخل في الأرض، ثم نجم من مكان آخَرَ فعادَ شعر رأس الرجل ولحيته بعد سوادٍ أبيضَ، فقال عُمَرُ: لهذا نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُسافر الرجلُ وَحْدَهُ أو يَبِيتَ في بَيْتٍ وَحْدَهُ.

 

قلت: فيه أحمد بن مطير لم أجد له ترجمة، ومحمد بن أبي السُّرِّيِّ مختلَفٌ فيه؛ كما في "تهذيب الكمال" (26/358). والوليدُ بن مسلم ثقةٌ لكنَّه كثيرُ التدليسِ والتسويةِ؛ كما في "التقريب" (ص584). وقد عَنْعَنَهُ، فلا يُقبلُ حديثُهُ حتى يُصَرِّحَ بالسماع.

 

ومما سبق يتبين لنا أن هذه الشواهدَ لا تَصلح لتقويةِ هذه الزيادةِ الشاذةِ

 

والله تعالى أعلم

أ. خالد بن مصطفى الشوربجي