حول ترتيب أولويات التعلم
طالبة متخصصة في الدراسات القرآنية، تسأل عن ترتيب أولويات المتعلم في تعلُّم العلوم الشرعية.
- التصنيفات: الإسلام والعلم -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه.
لديَّ مشكلة تقلقني في ترتيب الأولويات في التعلم، تخرَّجت بحمد الله في تخصُّص الدراسات القرآنية، أحاول الآن أن أستدرك الأمور الأهم من حفظ القرآن، لكني وجدت بعض المشايخ ينصحون بما معناه أن التأصيل بالعلوم الشرعية المهمة يكون قبل التخصص، وقد صدق، لكن أجدني وقعت في مشكلة؛ ألا وهي أني بوصفي متخرجة في قسم الدراسات القرآنية، وبناءً عليه سيكون تقديمي للتعليم، فيكون الواجب أن أكون ملمَّة به، وفي الوقت نفسه الأمور التأصيلية تحتاج إلى وقت، وهي أهم من ناحيتي أنا، فأجد هذين الأمرين مقلقَين جدًّا، بدأت حاليًّا بحفظ القرآن، وحفظ المنظومة الميئية، وأحاول أن أجد وقتًا لمراجعة ما درست، وأحتاج أن أقرأ في الحديث والتفسير، وأتوسع وأحفظ متن الجزرية؛ كي أكون معلمة قرآن متقنة، كما أهدف إلى نيل الإجازة بإذن الله، هذه الأمور كلها أثقلت كاهلي، وأخشى على نفسي من النفور، أرجو أن توجهوني وتشيروا عليَّ، أود الإشارة إلى أني أستشير معلميَّ في التخصص، لكن أجدهم يحثونني على إكمال الماجيستر، غير أني حين أبحث في بعض مواقع أهل العلم أجدهم يُصرحون أن التعليم الجامعي ما هو إلا مفاتيح، إذًا متى سأصل إلى العلم؟ وإن كنتُ أفرغ وقتي للجامعة فكيف أتعلم، وهذه هي البيئة الميسرة لي؟ جزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فأولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ ولنا الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثم نحمد لكِ حرصكِ على أشرف الأمور؛ وهو طلب العلم، ونسأل الله لكِ التسهيل والتيسير؛ قال سبحانه وتعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [آل عمران: 18]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من يردِ الله به خيرًا يفقهه في الدين» [رواه البخاري: (71)، ومسلم: (1037)]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» [مسلم: (2699)].
فإن التأصيل في العلوم الشرعية والتمكن في مسائله مطلب مهم ينبغي على طالب العلم أن يعتني به، ويسعى في تحصيله، لكن الناس طاقات، وليس كل شخص عنده من القدرات والإمكانيات ما عند غيره؛ فمن الطلبة مَن بإمكانه دراسة أكثر من فنٍّ من فنون الشريعة، دون تقصير في جانب من الجوانب في آنٍ واحدٍ، فما ينبغي على الطالب أن يكون ملمًّا بأسس العلوم كعلم الاعتقاد والعلوم الخاصة بالعبادات وعلوم الآلات، إلى أن تصل إلى علوم الغايات، ثم لا بأس بأن يغلِّبَ فنًّا على فنٍّ على حسب قدرته وتمكُّنه في هذا الفن، وهو ما يعرف بالتخصص.
وعليه، فلا بأس بتخصصكِ في القرآن وعلومه، لكن لا بد أن تأخذي من كل فن من الفنون كتابًا ولو مختصرًا؛ حتى لا يكون هناك ضعف في جانب من الجوانب، ولا سيما أمور الاعتقاد، فمما يُعاب على كثير من طلبة العلم في زماننا اضطرابهم في بعض المسائل، وعدم فَهمهم لغة ومقاصد كلام أئمة السلف، وعدم إلمامهم بمعتقد أهل السنة والجماعة، ومما يؤسف له أنك قد تجد طالب علم متمكنًا في علم الحديث، أو الفقه، أو التفسير، ولكنه يجهل أصولًا عظيمة ومسائل ظاهرة في علم الاعتقاد، ويظهر فيه الضعف في تقرير مسائله، وإدراك أصوله وعلله، ومسالك أهل السنة فيه، فيقبح بالطالب والشيخ أن يجهل بعض المسائل المهمة في الاعتقاد، أو يحصل عنده خلل فيها، أو يسهل ويتهاون في الخلاف في مسائل الاعتقاد.
ومما ينبه عليه أن العلم كثير، والعمر قصير، ومن أجل ذلك كان لا بد من معرفة القواعد التي تيسر لطالب العلم الطلب، وتهديه إلى الطريقة الصحيحة والمنهج السوي، والموفَّق من وفقه الله.
والنصيحة لكِ أيتها الأخت الفاضلة: أن تدرسي بعناية علوم الآلات من لغة ومصطلح وأصول كل فن، مع دراستكِ لاعتقاد أهل السنة والجماعة، مع دراستكِ في كلية القرآن وإتمامكِ للماجستير؛ إذ لا تعارض بينهما، ولا مانع في تخصصكِ في القرآن وعلومه كما تقدم، واعلمي أن من طلب شيئًا بصدق نالَهُ، وكلما أتقنتِ فنًّا من فنون الشريعة، فانتقلي لغيره؛ بأن تبدئي بمتن صغير، ثم تترقي بمتن أوسط، ثم الانتقال إلى الأعلى؛ حتى ننتهي بالتمكن فيه، ولا تنسي نصيبكِ من الدنيا، والله ولي المتقين، ويمكنكِ أيضًا الاطلاع على محاضرات حول طلب العلم لبعض المشايخ في شبكة الإنترنت.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.