الزواج من أرملة تكبرني في السن

شاب يريد الزواج بأرملة تكبُره في السن، وأهلُه وأهلُها يرفضون هذا الزواج، ويسأل عن حلٍّ.

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة، أُريد الزواج بسيدة أرملة تكبرني بتسع عشرة سنة، لديها بنتان، وأنا أرى فيها الزوجة الصالحة والمناسبة لي، ولا أرى أيَّ عيب في فرق السن بيننا، ولكن بطبيعة الحال ترفض أمي زواجي بشدة، ودائمًا ما تدعو عليَّ، وتقول: إنها غير راضية عني إذا أتممت هذا الزواج، وتقول لي أيضًا: أنت ابن عاقٌّ، فهل طاعة أمي واجبة في هذه الحالة أو لا؟ وهل دعاؤها عليَّ جائز؟ وأيضًا هل على هذه السيدة ذنب إن تزوجت رغم معارضة إخوتها الرجال أو لا؟ علمًا بأن والديها متوفيان.
 

الإجابة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:

فمخلص المشكلة:

عمرك 26 سنة، وتريد الزواج من أرملة تكبرك سنًّا بـ 19 سنة، ولديها طفلان، رغم معارضة أمك، وبالمقابل معارضة إخوة الأرملة، وتسأل: ما حل هذه المشكلة؟

 

أخي الكريم، نسأل الله القدير أن يكتُب لك الخير في كل أمر تقدم عليه، وأن يلهمك الصواب في كل قرار تقرره.

 

نريد أن نضع معطيات للمشكلة؛ حتى نناقشها بهدوء ورويَّة:

١- عمرك 26، والتي تريد الزواج منها أرملة تكبرك سنًّا بـ 19 سنة؛ يعني: عمرها الآن ٤٥ سنةً، وبعد ٥ سنوات سيصبح عمرك ٣١ سنة، وهي ٥٠ سنة.

 

٢- لديها طفلان من زوجها الأول يحتاجان رعاية واهتمامًا ولا بد.

 

٣- معارضة والدتك لهذا الاختيار، بل يصل بها الحد للدعاء عليك إذا أتممت الزواج بدلًا من الدعاء لك بالصلاح والذرية.

 

٤- معارضة إخوة الأرملة لهذا الزواج.

 

٥- أمامك عدة تحديات: اختيار بفارق سن كبير، معارضة من الطرفين: أهلك وأصهارك.

 

لنبدأ مناقشة المشكلة:

١- في شرع الله تعالى لا يمنع أن يتزوج الصغير من الكبيرة، أو الكبير من الصغيرة؛ فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها وهي تكبره سنًّا، وتزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة وهو يكبرها سنًّا، فلا حرج في ذلك من الناحية الشرعية، إذا توفر الدين والخلق.

 

٢- نكاح البكر أطيب للنفس، وألذ للشهوة، فلم يخالف الشرع هذه الفطرة، بل أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه؛ قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: (يا رسول الله، إني حديث عهد بعرس، قال: «أتزوجت» ؟ قلت: نعم، قال: «أبكرًا أم ثيبًا»؟ قال: قلت: بل ثيبًا، قال: «فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك»)؛ [رواه البخاري (5247) ومسلم (715)].

قال ابن عاشور رحمه الله: "البكر أشد حياءً، وأكثر غرارةً ودلًّا، وفي ذلك مجلبة للنفس، والبكر لا تعرف رجلًا قبل زوجها، ففي نفوس الرجال خلق من التنافس في المرأة التي لم يسبق إليها غيرهم"؛ [انتهى من "التحرير والتنوير" (28/ 362)]، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "البكر أفضل؛ لأنها لم تطمح إلى رجال سابقين، ولم يتعلق قلبها بأحد قبله، ولأن أول من يباشرها من الرجال هذا الرجل، فتتعلق به أكثر"؛ [انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 15)].

 

ولكن قد يكون الزواج بالثيب أفضل لاعتبارات أخرى؛ قال الشيخ ابن عثيمين: "قد يختار الإنسان الثيب لأسباب؛ مثلما فعل جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، فإنه اختار الثيب؛ لأن والده عبدالله بن حرام رضي الله عنه استشهد في أحد، وخلف بناتًا يحتجن إلى من يقوم عليهن، فلو تزوج بكرًا لم تقم بخدمتهنَّ ومؤنتهنَّ، فاختار رضي الله عنه ثيبًا لتقوم على أخواته؛ ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، أقره النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا اختار الإنسان ثيبًا لأغراض أخرى، فإنها تكون أفضل، وفي هذا دليل على اعتبار الأمور، وأن التفضيل يرجع إلى هذه الاعتبارات"؛ [انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 16)].

 

٣- فكر جيدًا، ولا تدفعك العاطفة في اتخاذ القرار، ووازن بين المصلحة والمفسدة.

 

٤- لا شك أن الإنسان عندما يريد الزواج فهو يريد الاستقرار والراحة والاطمئنان، في جو أسري تسوده المودة والرحمة، والدعاء بالبركة والتعاون، والمشاركة في التحديات التي تواجه الحياة، فكيف تتحقق الحياة الهنيئة وهناك معارضة من الجهتين: من طرف أمك، وهو الطرف المهم لك، ومن طرف أصهارك بالنسبة للزوجة.

 

٥- لا يخفى عليك حق الأم الواجب في طاعتها من غير معصية، وطاعتها مقدمة على طاعة الزوجة؛ لِما لها من فضل واهتمام في الشرع؛ حيث قرن الله طاعتها والإحسان لها بعد طاعته وعبادته؛ قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» ، قال: ثم مَن؟ قال: «ثم أمك» ، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» ، قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك»؛ [متفق عليه].

 

فالأم دائمًا تسعى لمصلحة أولادها منذ الصغر وحال الكبر، فهي تنظر لمستقبلك وصاحبة خبرة ودراية أكثر منك، فتتمنى لك السعادة والذرية الصالحة، فترى أن هذه الزوجة تكبرك سنًّا بفارق كبير وأرملة ولديها أطفال، لا تصلح لك وأنت لا زلت شابًّا، تجد من الفتيات (الأبكار) من هي أفضل وأحسن، هذه وجهة نظر أمك، وليست بغريبة على كل أم في مثل هذه الحالة.

 

٤- الأم واحدة لا تعوض، وفضلها كبير، ومهما قدمت من بر وصلة وخدمة، فلن توفيَها حقها، وأنت بحاجة لمساندتها ودعائها، ووقوفها معك في حفل زواجك، ورضاها عليك، وتسعد بفرحها حال فرحك، وتهنئتك بالزواج وحياة العمر.

 

أما الزوجة فيمكن تعويضها بزوجة أخرى، ولا يترتب عليها أي معصية أو حق إذا غضِبت، ما لم تظلم أو تُهَن.

 

٦- فكر جيدًا في مرحلة العمر بإذن الله بعد الارتباط الزوجي: هل يمكن أن تستغني عن أمك؟ هل تتحمل غضبها؟ هل تسعد وهي غاضبة؟ هل يمكن أن تفرح وهي معرضة عنك؟ تقول: لعلي أرضيها بعد الزواج، قد يكون، لكن غير مضمون، وربما تفارق الحياة، فتندم طول حياتك.

 

ومقابل ذلك، أصهارك غير راضين، فكيف تعيش؟ هل تعيش وحدك بعيدًا عن أهلك، وأهل زوجك؟

 

غدًا أولادك إذا سألوك عن هذه القطيعة، فبماذا تجيب؟ وكذا أمور كثيرة تفقدها بدون مشاركة ووقوف الأهل والأقارب.

 

٧- أكيد أن هناك مواصفات وجدتها في هذه المرأة دعتك للزواج بها، فاعلم أن الصفات هذه يمكن أن تجدها في فتاة أخرى مقبولة لديك ولدى أمك؛ فتكون الفرحة عامة ومؤشرًا للسعادة في مستقبل حياتك.

 

٨- استخرِ الله تعالى أولًا في الإقدام على هذا القرار قبل فعل أي شيء، وانظر إلى قلبك ونفسك إلى أي شيء تميل، ثم استشِر أصدقاءَك وأقاربك أهل الخبرة والحكمة ورجاحة العقل.

 

٩- إذا أصررت على هذا، فعليك إقناع والدتك وأهلك على هذا الزواج؛ بالمحاولة بالأقارب، ومن هم أقرب للوالدة في إقناعها، فلا ننصحك بالإقدام إلا بعد رضا والدتك.

 

١٠- عليك بالدعاء والتضرع لله تعالى أن ييسِّر لك الخير، ويرزقك الزوجة الصالحة والذرية المباركة.