لم أوفق في الزواج فهل أنا مسحورة؟
فتاة تخرَّجت في الجامعة، وكلما تقدَّم إليها خاطبٌ يذهَب ولا يعود، حتى ظنَّ أهلها أنها مسحورة، وتسأل عن حلٍّ.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
تخرَّجت منذ سنتين ونصف، أنهيتُ محطة التعليم ومحطة العمل، ثم جاءت محطة الزواج وهنا تأتي المشكلة، فأنا من أسرة ذات أصل طيب، وعلى خلق وتربية، ومتخرجة في كلية من كليات القمة، بدأ الخطَّاب في التقدم إليَّ، وجلست مع الكثيرين ورغم أنهم يكونون مرتاحين في جلستهم عندنا، فإنهم لا يرجعون ولا يردون، فبدأ أهلي في القلق، بينما كنت أنا أحمد الله وأعلم أنه ما دام لم يحدُث نصيب، فإن ذلك فيه الخير الذي قدره الله، وأصبحت أركز في عملي.
ثم إن أهلي بدأ يتسرب إليهم شكٌّ في أن الأمر له علاقة بالسحر والأعمال، وأنا كنت أعارضهم بشدة ومقتنعة بأني ما دمتُ أحافظ على صلاتي وأذكاري، فإن لن يصيبني شيء بإذن الله، ومع ضغطهم عليَّ وافقتُهم على إحضار شيخ للرقية، لكنه لم يكن هناك شيء، وتقدم الخطَّاب وما حدث قبلًا تكرر ثانية، وأحضروا الشيخ مرة أخرى ولم يحدث شيء أيضًا، ثم اقترحوا الذهاب لشيخ آخر، وأنا في ذلك كله معترضة؛ لأنني أشعر بنفسي فلا تظهر عليَّ أي أعراض لسحر أو غيره، حتى إنهم وصل بهم الأمر إلى أن يذهبوا إلى دجالة، فاعترضت بشدة وقلت لهم: إنها آخر مرة أسير وراءكم في هذا الأمر، وأنا أعلم أن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، وأن نعم الله علينا كثيرة، وأنا راضية بما أنا عليه، لكنني تعبتُ من ضغط أهلي عليَّ، لم أعُد أستطيع أن أفرح، أصبحت مكتئبة على الدوام، أرجو توجيهكم، وهل من الممكن فعلًا أن أكون مسحورة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:
فملخص الرسالة:
كثيرًا ما يطرق الخطَّاب بابكم لخطبتكِ، ولكن بعد اللقاء الأول ينصرفون ولا يعودون؛ مما جعل الشك من والديكِ بأنكِ مسحورة أو مصابة بالعين، ويصرون على مراجعة شيخ للرقية، وبلغ الحد لأكثر من شيخ، رغم أنكِ راضية بقضاء الله وقدره.
وأصبحت هذه مشكلة أمامكِ، فالخطاب لا يعودون، والوالدان مصران على العلاج عند الرقاة، وتخافين من أن يتطور الأمر وتذهبي إلى السحرة والدجالين، فتسألين: كيف التعامل مع هذه المشكلة؟
أوصي بالآتي: الزواج توفيق من الله وبركة، يسير وَفق ما قضاه الله وقدره، وليس بمقدور الإنسان أن يغير في ذلك تقديمًا أو تأخيرًا؛ قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49]، وفي الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتَب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء» ؛ [رواه مسلم].
♦ كوني على يقين بأن رزقكِ سيأتيكِ في الوقت الذي قدره الله، وبالشخص الذي أراد الله أن يكون زوجًا لكِ؛ فلا تيئسي، ولا زلتِ في سن الزواج.
♦ لتعلمي وليعلم والداكِ بأن الزواج لا يأتي بشدة الحرص، ولا يفوت بالترك، فلو قدر الله لكِ أن تتزوجي سيكون ولو وقفت الدنيا كلها في وجهكِ، ولو حرصتِ على الزواج ولم يحن الوقت، فلن تتمكَّني من ذلك.
♦ الحمد لله أنكِ على قدر من الإيمان والقناعة بما كتب الله لكِ، وكون أنكِ متوكلة على الله تعالى وراضية بما قدَّر الله لكِ، فأبشري بالخير والتوفيق من الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].
♦ نؤيدك وأنتِ تدافعين عن عقيدتكِ وإيمانكِ ويقينكِ بخوفكِ من الدجالين والسحرة والكهنة، والذهاب لهم؛ لذا فإني أذكركِ وأذكر والديكِ بأنه لا يجوز الذهاب للسحرة والكهنة والعرافين، ولو كان ذلك لحل السحر، وهو ما يسمى بالنُّشْرة، فالسحر يعالج بالآيات القرآنية والأدعية النبوية، واللجوء إلى خالق البرية سبحانه وتعالى، وقد جاء عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلةً» ؛ [رواه مسلم]، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» ؛ [رواه أبو داود]. وهذا محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: ((فسأله، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا)): ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يومًا، ولكنه ليس على إطلاقه؛ فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالًا مجردًا، فهذا حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافًا...))؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدِّقه، ويعتبر قوله، فهذا كفر؛ لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن؛ حيث قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]".
♦ لا يمنع أن تبحثوا عن راقٍ أمين وثقة، ثم تذهبين إليه مع محرمكِ؛ من أجل الرقية، فالرقية نافعة مما نزل ومما لم ينزل.
♦ ليس بالضرورة أن يكون عندكِ سحر أو عين أو غيره؛ فالأصل العدم، لكن إن تيقن الراقي الثقة من ذلك، فاستمروا في الرقية حتى يكشف الله الغمة.
♦ تضرَّعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنتِ ساجدة، ووقت السَّحَرِ، وتحيني أوقات الإجابة، واسألي الله تعالى أن يرزقكِ الزوج الصالح الذي يسعدكِ في هذه الحياة، واسأليه سبحانه أن يُذهِبَ عن والديكِ سوء الظن والشك، وأن يرضوا بقضاء الله وقدره.
♦ ارقي نفسك بالفاتحة والمعوذات والإخلاص، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وبعض الأدعية النبوية التي يمكن أن تجديها في كتب الأدعية؛ ومنها: حصن المسلم.
♦ وثِّقي صلتكِ بالله تعالى، وأكثِري من الأعمال الصالحة؛ ومنها: تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على الصلوات الخمس والنوافل، وعلى أذكار اليوم والليلة - يطمئن قلبكِ؛ كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
أسأل الله القدير أن يرزُقكِ الزوج الصالح والذرية الطيبة؛ إنه جوَاد كريم..