كيف أجعل أبي يحبني؟

شاب كرهه أبوه بسبب موت أمه بعد ولادته بفترة وجيزة؛ حيث ربَط موتها به، وتزوَّج أبوه خالته وأنجَب منها، لكن دونما فائدة، فهو يُعامله كما لو كان ليس ابنًا له، ويدلِّل أولاده الآخرين، ويسأل: كيف أجعَل أبي يُحبني؟

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدأت قصتي منذ ولادتي؛ فقد ماتت أمي بعد ولادتي بفترة وجيزة؛ فكرهني والدي وحمَّلني مسؤولية موتها، وتخلَّى عني، فربَّتني جدَّتي لأبي حتى سن السادسة، ثم إن أبي طلب من جدتي أن أذهب معه إلى منزل آخر؛ بسبب نقله - وهو طبيب - إلى مستشفى بمنطقة أخرى، ومنذ دخولي منزله بدأت سلسلة من الضرب والتعذيب والإهانة والاتهام بأني كنت السبب في موت مَن يحبها (أمي)، ثم تزوج أبي بخالتي وقد كانت تعاملني معاملة طيبة وتحبني، لكنها لم تستطع أن تكف أذى والدي عني، ثم أصبح عندي أختان توءم، كان والدي يهتم بهما ويدللهما، أما أنا فلي الضرب والإهانة مثلي مثل الخادم، رغم ذلك كان أبي يوفر لي الاحتياجات الصحية والمادية، لكنه لم يعطِني شيئًا من الحب والحنان؛ ما أدى إلى تدهور حالتي النفسية، وقد كان والدي يحرم عليَّ الاقتراب من أخواتي، فوجدني ذات يوم وقد كان عمري آنذاك أحد عشر عامًا وأنا ألعب معهما، فضربني ضربًا مبرحًا، نقلت إلى المستشفى على إثره، وتَمَّ إبلاغ الشرطة وأُخذ تعهُّد على والدي بعدم ضربي، فأصبح لا يتحدث معي مطلقًا، ويعاملني كأنني غير موجود، حتى الأكل فهو يجعلني آكل وحيدًا، والآن أصبح لي أخوان وأختان، أبي يحبهم ويدللهم ويكرهني، ماذا أفعل لأجعل أبي يحبني؟ وكيف أقنعه بألَّا يحمِّلني موت والدتي؟

الإجابة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:

فملخص مشكلتك:

تذكر أنك تعيش في جو إهانة وتعذيب من والدك بسبب موت والدتك؛ حيث ربط والدك موتها بك، وتذكُر أن جدتك هي التي ربَّتك حتى بلغتَ ست سنوات، ثم عشتَ مع خالتك التي هي أخت أمك وزوجة أبيك بعد وفاة أمك رحمها الله، وقد رُزق أبوك أولادًا إخوةً لك غير أشقاء، وأنه يَمنعك من اللعب معهم، وأن خالتك طيبة معك، لكنها لا تدفع عنك أباك حال ضربه لك وإهانته، وذكرت أنك دخلت المستشفى على إثر ضرب أبيك لك، وأُخذ عليه تعهد من الشرطة بعدم العودة لضربك، فأصبح أبوك لا يكلمك، ولا يعطيك أي اهتمام، فأصبحت تعيش حالة نفسية صعبة، وتسأل: كيف أحبِّب أبي فيَّ حتى يعاملني معاملة حسنة مثل إخوتي؟

 

وعلى هذا، فإننا نوصيك بالآتي:

♦ اشكُر الله تعالى على نعمته أن سخر لك من يقوم برعايتك واحتضانك منذ كنت صغيرًا؛ حيث قامت جدتك بداية بتربيتك، ثم خالتك التي تقدم لك كل الود والاحترام.

 

♦ على حسب روايتك أن أباك يصور له الشيطان أنك أنت الذي قتلت والدتك، وهذا خطأ عقدي، ولا بد أن توضَّح لوالدك خطورة هذا الاعتقاد من قِبَلك، أو تستعين بمن يبيِّن له ذلك؛ قريبًا كان، أو إمامًا، أو شيخَ علمٍ، أو أي وسيلة توصل له هذه الرسالة بأن الموت والحياة بيد الله، والنصوص على ذلك كثيرة؛ منها قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}  [آل عمران: 145]، وقوله تعالى:  {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}  [المنافقون: 11]، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11].

 

♦ كن طائعًا بارًّا بأبيك مهما بدر منه إساءة، وهذا البر والطاعة بالمعروف من غير معصية هو عبادة تتقرَّب بها إلى الله؛ قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}  [الإسراء: 23]، واعلَم أن أباك هو سبب وجودك في الحياة، وقد قدَّم لك الكثير، ولن تجزيَه على ما قدَّم مهما فعلت من برٍّ، إلا أن تجدَه مملوكًا فتُعتقه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَجزي ولدٌ والدًا إلا أن يجده مملوكًا، فيشتريه فيعتقه»؛ [رواه مسلم].

 

♦ أنت الآن تقترب في عمرك من الرجولة والبلوغ، وأبوك مهيِّئٌ لك مستلزماتك الضرورية، فكن ذراعه الأيمن في مساعدته على أمور الحياة؛ مثلًا: في قضاء الحاجات، المساهمة في بعض بحوثه باعتباره طبيبًا إن أمكنك من هذا، بادر بما تشعر أنه يسعد أباك وافعله، وابتعد عن كل ما يثيره أو يُغضبه.

 

♦ اعرض موضوعك بكل سرية على المرشد الطلابي أو المختص النفسي بالمدرسة، وبيِّن مشكلتك مع أبيك، واطلب منه زيارة أبيك للمدرسة.

 

استغلَّ فرصة الزيارة، ونسِّق مع المرشد بتكريمك لحسن أدبك أو لتفوقك في المدرسة، واجعل أباك هو الذي يسلمك الهدية، وإن أمكن أن تفاجئه بهدية لوالدك مقدمة منك عبر المرشد الطلابي، فهذا جميل؛ فالأب دائمًا يفتخر بإنجازات أولاده.

 

♦ لديك ورقتان رابحتان بإذن الله تستطيع أن تميل قلب أبيك لك: جدتك التي ربتك، وهي والدة أبيك، وخالتك أخت أمك، زوجة أبيك التي تعيش معها الآن، وتعاملك معاملة طيبة، قوِّ صلتك بهما وقُمْ بخدمتهما، وخاصة جدتك والدة أبيك، فهذا يدخل السرور على أبيك، فيثق بك، واطلب منهما بيان محاسنك وخدمتك لهما لأبيك ليعرف ذلك.

 

♦ كن أخًا رحيمًا عطوفًا على إخوتك، تقرَّب إليهم ولو أبعدك أبوك، ونهرك عنهم، وإذا ما عدت من المدرسة، فخُذْ لهم هدية بسيطة كبعض قطع الحلواء أو أي شيء يحبونه، حتى يحبوك، فإذا أحبوك، كانوا عونًا لك على قناعة أبيك بحبك بإذن الله.

 

♦ فاجئ والدك بتقديم وردة عليها كارت: (أحبك بابا وأعتز بك)، وإذا خشيت ألَّا يقبلها منك مباشرة، فضعها في مكان جلوسه بالصالون أو بالمكتبة أو بالسيارة أو غيرها.

 

♦ يحتاج منك الأمر إلى صبر ومصابرة على السعي لاستجلاب حبِّ أبيك بسلوكك وطاعتك وتحمُّلك الإساءة؛ قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

 

♦ حاول أن تتشاور مع أبيك لتقديم صدقة جارية عن أمك ما دام يحبها ومتعلقًا بها إلى هذا الحد؛ مثلًا: بعض الأسهم في مجال عمل خيري، كفالة يتيم، أو بناء مسجد، أو غيرها.

 

♦ كن متفائلًا لحياة سعيدة مستقبلية، فإذا أعطاك الله عمرًا طويلًا، فسوف تستقل بنفسك وبوظيفتك وببيتك وزوجتك وأولادك، فلا تصل لدرجة اليأس والقنوط من رحمة الله، فالذي رعاك ووفَّقك في صغرك، سيوفِّقك في كبرك، فقط أحسَن الظن بالله، وداوم على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

♦ أخيرًا حافظ على صلواتك الخمس، وأكثِر من ذكر الله تعالى، والدعاء الصادق أن يرق قلب أبيك لك، وأن يبعد عنكما الشيطان ونزغاته، وأن يحبِّب إليك والدك، ويحبب والدك لك، ‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد.