لا أحس بحياتي ولا شبابي، ولست كباقي الفتيات

فتاة اغْتُصِبَتْ قهرًا في طُفُولتها، في سِن 8 سنوات، وفقدت عذريتها .....

  • التصنيفات: استشارات نفسية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا فتاة اغْتُصِبَتْ قهرًا في طُفُولتها، في سِن 8 سنوات، كان رجلاً في سن 30 مِن عمره، داس عليَّ، وحَطَّمَ حياتي بعدما اخْتَطَفَنِي بعيدًا، مَرَرْتُ بأوقاتٍ عَصِيبةٍ جدًّا.


أصبحتُ لا أُحِبُّ الحياةَ، الحياةُ كلُّها ظلامٌ بالنسبة إليَّ، لَمْ أُخْبِر أحدًا أبدًا إلى الآن، حتى عائلتي وأعز أصْدِقائي لا يعلمونَ بهذا، لا أَفْرَحُ بِنجاحٍ، ولا هَديةٍ، ولا بِلِباس جميلٍ، لا شيء يُفرحُني أصْلاً، لا أُحِبُّ الاهتمام بنفْسِي وبِجمالي كَشَابَّة مُقبِلة على الحياة، شخصيتي مُتَذَبْذبة، غير مستقرَّة، وأحس بأنها ضعيفة، وأنَّه لا أحد يُحِبُّ الاستِماع إليَّ، ولا يَأْبَهُ بما أقول، عندما أَتَكَلَّم يُقاطعونني، ولا يستمعون إليَّ، حتى الكلام أَشْعر أنني لا أجيده، ولا أستطيع الاسترسال فيه، إلاَّ إذا تَذَكَّرت؛ لأنَّ الكلمات تذهب عندما أريد التَّعبير عن نفسي أو عن شيء آخر، كثيرةُ الصَّمْت والشُّرُود، كَأَنَّني لستُ في هذا العالَم.

لا أستطيع تكوين صَدَاقات ناجِحة، وأخاف منَ التَّعَرُّف على الآخرين.


هذه بعض المشاكِل التي أَتَعَرَّض لها، والأمرُ الذي يحزنني أكثر أنِّي أَحْبَبْتُ شابًّا كثيرًا؛ ولكنَّه لا يعلم بِقِصَّتِي، طَلَبَنِي للزَّواج؛ لكنَّنِي لَمْ أستطِعْ أن أجيبَ بِنَعم أو لا؛ لأنَّ ما حدث لي في طُفُولَتي هو الذي أعاقَني، وحتى إن أَخْبَرْته فإنَّه لنْ يرضَى أن يَتَزَوَّجَ بفتاةٍ مُغتَصَبة، أمرُه يحزنني كثيرًا، وأجِد ضيقًا شديدًا حِيال ذلكَ؛ لأني أحبُّه.


حتى إنَّ مَظْهَري ليس جميلاً كالفتيات، أُعَانِي منَ السِّمنة؛ لأني كنتُ عندما أقلق، أهْرَع إلى الطَّعَام والنوم؛ لكي لا أحس بِحالِي.


وهكذا هي حالِي، أعيش مُنزَوية عنِ العالَم، حتى عنْ أُسرتي، أغلق على نفسي باب الغرفة، وأفكر فيه، وكل يومٍ أبكي على حالي وشوقًا إليه؛ لأنَّه بعدما اقْتَرَب ابتعد عني.


أحس أنني بلا طموح وأهداف، ومهما حاولتُ أن أشغلَ نفسي، تَغْلِبني الكآبَة والشُّرود الطويل، والماضي الأليم.


بل أحس أن حياتي مُحَطَّمَة، لا أُفَكِّر في مستقبل، لا أعمل في حاضر، لا أُفَكِّر في بناء أسرة، ولا إنجاب أولاد، وإن كنتُ فَكَّرتُ؛ لكن سُرعان ما تذهب تلك الأحلام، وتصطدم بالواقع الأليم؛ لأنَّ في مجتمعنا المُغتَصَبة لا تتزوج.


ماذا أفعل؟ أحس أنَّ حياتي بدون طعم، ولا معنى، أحس أنِّي عجوز، يَئِسَتْ منَ الدنيا وأنا في عمر الزهور، أحس باكتئابٍ شديدٍ، فأطلُب منكم مساعدتي، والتخفيف مِن آلامي، والدعاء لي، أرجوكم أنتظر منكم جوابًا.

الإجابة:

عزيزتي "المكتئبة التي تريد أن تصابر": وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

تقولينَ: اخْتَطَفَكِ، لقد أَرْعَبَتْني هذه الكلمة، وهي مجرد كلمة، فكيف وهي حقيقة مُرَّة؟

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لكن لا تَحْزني، فاللهُ معكِ، ولن يضيعَكِ، ولعلكِ دعوته مرارًا ولَمْ يستجِبْ لكِ؛ لا لأنَّه لا يريد لكِ السعادةَ في الدُّنيا، ولكن أقلّ وأجلّ ما في الحِكمة أنَّ الله يحبكِ.


رأى بعضُ السَّلَف رب العِزَّة في نومه[1]، فقال: "يا ربِّ، كم أدعوكَ، ولا تُجيبني؟"، قال: "إني أحب أن أسمعَ صوتكَ"؛ أورده ابن رجب في "نور الاقتباس".


قلوبُنا أيضًا معكِ، خفَّاقة بالدُّعاء لكِ، ولكِ الفضل إذ شاطرتِنا همَّكِ، ولنا الفخر إذِ استطعنا كسب ثقتكِ.

 

عزيزتي الغالية:

ليستْ كل محاولات الاغتصاب ناجحة، النَّجاحُ المُخزِي الذي يُحَقِّقه ذلك الذِّئب البشري هو في قدرته حقًّا على اغتصاب تفكير الفتاة إلى حدِّ النزيف، واغتصابه لعُذريَّة الفرح إلى حدِّ الإدماء، وعذرية الطفولة إلى حد القتل، وعُذرية الثِّقة بالنفس إلى حدِّ التَّذَبْذب.


أجل؛ المغتصِب لا ينجح سوى في وَأْد الفتاة منَ الأعماق، الاغتصاب هو الوأد العصري للفتاة، وإذا كان الوأد الجاهِلي يجعل الفتاة تموت حيَّةً مَرةً واحدة، فالوأدُ العصري يجعلها تموت آلاف آلاف المرات، وهي حيَّة، وإذا كان الوأد الجاهلي زعمًا منَ الرَّجُل بأن فيه سترًا للعار، فالوأد العصري هو كَشْف فاضِحٌ منَ الرجل للعورة؛ بل العورات.


الوأد الجاهلي يترك في المجتمع بعض الحزن على فَقْد الفتاة الموؤودة، أمَّا الوأد العصري فيؤلِّب المجتمع بأكمله ضد الفتاة المغتصَبة.


في الحالتينِ: يتم الوأد بلا شُهُود، ولا يُقاضَى المجرم في محاكِم الدُّنيا، إنما في الآخرة يكون القضاء العادل، حين يكون الله - جَلَّ في عُلاه - هو الحَكَم، العدل، والقاضي بالحق، ويكون الشُّهود يومئذٍ ملائكةً شَهِدوا تلك الأَمْكِنة البعيدة عن عُيُون الناس، وسَجَّلوا في صحائف الأعمال تلك الحوادث بِكُل ما فيها مِن عُنف، ورعبٍ، وخوفٍ، وبكاءٍ، وصُراخٍ.


فأَبْشِري يا عزيزتي "المُكتَئبة التي تريد أن تصابرَ"، أَبْشِري بِخَير، فاللهُ أَمَرَنا أن نُبَشِّر الصابرينَ أمثالكِ بكل خير.


قال - تعالى -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]. 

 

عزيزتي:

السؤال الأهم لديَّ: هل توجهتِ إلى طبيبةِ نساء وولادة؛ لِتَتَأَكَّدي مِن مسألة فقدانكِ لعذريتكِ؟

فربَّما كان قلقكِ هذا مجرد وَهْم، فغشاءُ البكارة لدى الفتاة ليس كاسمه مجرد غشاء رقيق يسهل تَمْزيقه، بل هو نسيجٌ ليفي مَطَّاطي، تختلف سَمَاكته مِن فتاةٍ لأخرى، مثلما يختلف نوعُه مِن فتاةٍ لأخرى؛ بل إنَّ بعض الفتيات يُولدْنَ، وليس لهنَّ غشاء بكارة منَ الأصل.


لذلكَ؛ وكخُطوة أولى، أدعوكِ للذهاب إلى الطَّبيبة، علمًا بأنَّ الذِّهاب لطبيبةِ النساء والولادة ليس حِكرًا على المُتَزَوِّجات فحسب؛ بل تستطيع الفتاة العزباء الذِّهاب إليها؛ للكَشْف عَنْ أيِّ الْتهاباتٍ، أو تقرُّحات مهبليَّة، فلا تقلقي أو تشعري بِحَرجٍ من ذلك، اذهبي بِصُحْبة شخصٍ تَثِقينَ به؛ كوالدتكِ، أو أختكِ، وعند الطبيبة يُمكنكِ الانفراد بها ومُصارحتها، وبالتأكيد ستكون لكِ أمًّا، وستحفظ سرَّكِ وتعطيكِ نصائحها الغالية، التي آملُ أن تستفيدي منها.

 

أختي الحبيبة:

رغم أنَّ العديدَ مِنَ الألوان الدَّاكنة قدِ سالت على صفحة استشارتكِ؛ إلاَّ أنها في المقابلِ قد حوتْ على العديد منَ الزوايا المُضيئة الملونة بأطيافِ الأمل، مِن ذلك:

- أنَّكِ وبرغم تعرضكِ للاعتداء في طفولتكِ مِن رجلٍ؛ إلاَّ أنَّكِ لَمْ تَفْقِدي ثقتكِ بالكامل بكل الرِّجال، وهذه نقطةٌ إيجابيَّة، وإلاَّ ما معنى أن تحبِّي شابًّا، وَتَتَمَنَّي الارتباط به[2]؟ 

- رغم أنَّكِ تُؤَكِّدينَ على أنكِ لا تستطيعينَ التَّحَدُّث بطلاقةٍ، ولا تستطيعينَ الاسترسال؛ إلاَّ أنكِ بارعة في الكتابة، بارعة في التعبير عن نفسكِ كتابيًّا، فقدِ استطعتِ بمهارةٍ، وبأسلوبٍ سَلسٍ الحديثَ عنْ نفسكِ، وأنا مُتأكِّدة أنَّ كلَّ مَن سيقرأ استشارتكِ الآن، سَيَنْتَبِه لهذه الميزة لديكِ. 

- لديكِ إرادةٌ، رغم كل اليأسِ الذي يخيم عليكِ، والدليل أنكِ فتحتِ قسم الاستشارات، وضغطتِ على أيقونةِ إرسال، وأرسلتِ لنا استشارتكِ، وكم أنا محظوظة؛ لوقوعِ استشارتكِ هذه بين يديَّ. 


دعيني الآن أَتَوَقَّف قليلاً عند علاقتكِ بذلك الشاب، وأرجو ألاَّ تكونَ استشاراتي قدْ أوحتْ لكِ بأني أُشَجِّع الفتيات على الحب.


أنا لا أشجع أحدًا على الدُّخول في كَهْف الحبِّ هذا، خصوصًا إذا لم يُعلم لهذا الكهف المظلم أي مخرجٍ للنور؛ لكن ما دام أنَّ الأمر قد وقع وانتهى، فأنا مُضطرةٌ للحديثِ عنِ الحب مِن زاويةٍ منطقيَّةٍ، بعيدًا عنِ المثاليَّات، والأُمنيات الخياليَّة، فهذه مشكلاتنا، وعلينا مواجهتها بصراحةٍ وشجاعةٍ، ومعالجتها بصورة فوريَّة وعمليَّة وواقعيَّة أيضًا.


الحب في ظِلِّ ظرْفكِ هذا، هو حتمًا علاجٌ حقيقيٌّ للاكتئابِ؛ لكن الحب كَدَواء يجب أن يخضعَ لـ"ترخيص الهيئة الرقابية" الشرعيَّة.


ما دام أنَّ الشابَّ قد طلبكِ للزواج، فإنَّه ((لم يُرَ للمتحابِّين مثل النكاح))؛ رواه أبو يعلى، وابن حبَّان.


إنما منَ الخطأ أن تَتَوَرَّطي في علاقة كهذه، دون أن تكونِي صريحةً مع الطرف الآخر منذ البداية عن واقع حياتكِ وحالتكِ؛ لأننا هنا سندخل في موضوع فِقهي متَشَعبٍ عن فسخ النكاح بالعيب.


رُويَ عن عمر: "لا ترد النِّساء إلاَّ منَ العيوب الأربعة: الجنون، والجذام، والبَرَص، والدَّاء في الفرج"، وهذه الرِّواية بإسناد أصبغ، وابن وهب، عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - ولمعرفة العيوب التي تجوز الفسخ بالتفصيل راجعي فتوى "الزواج بامرأة فيها بعض العيوب".


لهذا يجب الانتهاء مِن كلِّ هذا بالمُصَارَحة والصِّدق مع الذات والآخر، وتأكَّدي أنه إن كان صادقًا في حبِّه لكِ، فسيقبلكِ بكل عيوبكِ، بل سيحب عيوبكِ مِن حبِّه لكِ، وتتمُّ مُصَارحة الرَّجل بالزواج عن طريق بعض مَن تثقينَ به منَ المحارم وأقاربك منَ النِّساء.


إياكِ أن تَتَزَوَّجي رجلاً يحبكِ لميزة واحدة، فالذي يحب يجب أن يحبَّ كلَّ شيء في محبوبِه؛ إذ مَن أحبكِ لشيءٍ، أبغضكِ لِفَقْده.


مُصارحتكِ له ستُمحِّص صِدْق هذا الحب مِن عدمِه، فإن كان مخادِعًا، فاحمدي الله إذًا أنَّكِ كشفتِ نقاب خداعه قبل فوات الأوان، ثم أنتِ ما زلتِ صغيرة، والحياة أمامكِ، وهناك الكثير ممن يتمنون الارتباط بكِ، أمَّا إن كان صادقًا معكِ، فسيكون زواجُه بكِ هو العلاج الناجع الذي سيُنهي كلَّ هذا العذاب، الذي تَجَرَّعتِ مرارته بمفردكِ لأربعة عشر عامًا، وهو ما أتَمَنَّاه لكِ من صميم قلبي.

 

أختي الكريمة:

ماذا إذا فَقَدَتِ الفتاة عُذريتها، بإرادتها أو خارج إرادتها؟ أهيَ نهاية العالم، أو نهاية الحياة؟

ثِقِي أنَّه قد مَرَّتْ بي قصصٌ عديدةٌ مُشابِهة، مِن صديقات وقريبات وتلميذات، فأنتِ إذًا لستِ أول مَن يحدث معها شيء كهذا - مع الأسف الشديد - المهم في مثل هذه المواقف كيف نتعايَش مع المشكلة؟ وكيف نستطيع أن نَتَجَاوَزَها لنعيش حياتنا بصورةٍ سويَّة وطبيعيَّة؟

أرى منَ المهم هنا أن تَتَوَجَّهي فورًا لطبيبةٍ نفسيةٍ؛ لِعلاج الاكتئاب، وبرغم أنَّني لا أحب استعمال الأدوية كثيرًا؛ إلاَّ أن هناكَ حالات تَتَطَلَّب ذلك كحالتكِ مثلاً، وتنجح معها - بإذن الله.


ناقِشي طبيبتكِ حول رغبتكِ في فقدانِ وزنكِ، فحسب علمي هناك دواءٌ مضاد للاكتئاب -سامحيني لا أستطيع ذِكْره؛ لِشَرفِ المهنة - مِن آثاره الجانبيَّة أنه يعمل على خَفْض الشَّهيَّة، وهذه ميزة لحالتكِ؛ لكنَّها قد تكون مضرَّة لغيركِ، وبالتالي ستضربينَ عصفورَينِ بِحَجر: تحسُّن حالتكِ النفسيَّة، مع الحُصُول على جسدٍ رشيقٍ - إن شاء الله.


خلال تناوُل الدواء أنصحكِ بممارسة تمارين رياضيَّة، أقلها المشي يوميًّا لنصف ساعة، وأُرَكِّز على التمارين الرياضيَّة هنا؛ لأنكِ سَتَجْنينَ منها ثمرتين أيضًا:

إفراز هرمون الأندورفين، الذي يُسهم في تخفيف حالة الاكتئاب، وزيادة على ذلك أنَّ الرياضة ستحافظُ على جسدكِ منَ التَّرَهُّل الناتِج عن فَقْد الوزن، وبالتالي تَكْتَسِبينَ جسدًا رشيقًا ومشدودًا أيضًا.


ثم أنتِ تثقينَ بنا، أليس كذلك؟ لكن هناك مَن هو أهْل لثقتكِ أكثر منا، أتدرين مَن؟

إنه الله - جل جلاله - اقتربِي منه أكثر، فهو الحبيب الذي لا يمل.

بِتَقْوَى الإِلَهِ نَجَا  مَنْ  نَجَا        وَفَازَ وَصَارَ  إِلَى  مَا  رَجَــا
وَمَنْ  يَتَّقِ  اللهَ  يَجْعَلْ   لَهُ        كَمَا قَالَ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجَا

حافِظي على الصَّلاة، وذِكْرِ الله؛ فَفِيهما راحة أيما راحة، اقرئي سورة مريم، ففِي هذه السُّورة تَسْلية للنِّساء، لا أعرفُ كيف أَصِفها، إنما هي منَ السور الرَّقيقة، التي أَتَمَنَّى حين أقرأها أَلاَّ أنتهي منها.


لقد عانتْ مريمُ ابنة عِمران مِن شيء مختلف عمَّا تعانينَ؛ لكن القضيَّة واحدة، قضيَّة (أحصنت فرجها)، رغم أنَّ الناس مِن حولها لا يُصَدِّقُون هذا في ظل وجود طفل بلا أبٍ في حُضنها، اقرئي هذه المعاناة في قولها: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: 23]؛ ولهذا أقول لكِ كما قيل لِمريم: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24]. 


قال بعض العلماء في تفسير "السَّرِيّ": هو النَّهر الصغير، أدعو اللهَ أن يجريَ تحتكِ أنهارًا باردةً منَ الارتياح والسعادة والفرح والفرج القريب.


أضيفي إلى لائحة طعامكِ أيضًا قائمةً بالأطعمة العشرة المضادة للاكتئاب، حسب دراسة صينيَّة حديثة، وهي:

(أسماك أعماق البحار)، و(الموز)، و(الجريب فروت)، و(خبز القمح)، و(السبانخ)، و(الكريز)، و(الثوم)، و(القرع)، و(الحليب منخفض الدهون)، و(الدجاج).


فقد ذَكَرَتْ مجلة الأبحاث الطِّبية الصِّينيَّة: أنَّ هذه الأطعمة تحتوي على الحامض الدهني أو ميجا 3 وقلويات وفيتامين C + B6، والحديد وعناصر غذائية أخرى، تزيد من إفراز هرمون السيروتونين المنعش والمهدئ للأعصاب. 


أَدْخِلي اللَّون البرتقالي إلى حياتكِ، فهو لون الفَرَح، وبالتالي فهو مضاد للاكتئاب، يقول علماء النفس المهتمون بتأثير الألوان على النفس: إنَّ اللون البرتقالي: لون منشِّط، يحفز الإنسان على النظر بإيجابيَّة إلى الحياة، فهو رمز الدِّفء، والأحاسيس، والنشاط، ويفيدُ هذا اللون الجهاز الأيضي، كما يحسن مِن عمليَّة الهضم، ويُجَدِّد الشباب والحيويَّة، رغم أنَّه قد يُؤَدِّي إلى ارتفاع ضغط الدم، (طبعًا مِن كثرة التَّحفيز).


هناك عدة طرق لإدخال اللون البرتقالي على حياتك، منها:

ارتداء قميص برتقالي مثلاً، إشعال شُمُوع برتقاليَّة اللَّون، وحَبَّذا لو كانتْ منكهة بِرَائحة البرتقال المُنعِشة، تناول خضروات وفَوَاكه برتقاليَّة: كالجَزَر والبرتقال واليوسفي، ومداوَمة النَّظَر إليها بين الحين والآخر، إحضار وُرُود ومُلصقات برتقاليَّة... إلخ.


أتظنينَ أن هذه سخافات؟ صدقيني لها تأثير إيجابي، جَرِّبي أنتِ فقط.


اقرئي الاستشارات التي تُعالِج الاكتئاب على الموقع، قد تفيدكِ بعض الطرق أيضًا، فأنا أحاول البحث يوميًّا عن طرق جديدة لعلاج الاكتئاب؛ لِكثرة حالات الاكتئاب التي تَصِلني، والله المستعان.

 

ختامًا:

أدعو اللهَ أن ينصرَكِ على مَن ظلمكِ نصرًا عاجلاً مؤزرًا، وأن يمنحكِ القوة والإرادة والأمل؛ لِتجاوُز كل هذه الآلام بِسلام، وأن يرزقكِ الله زوجًا صالحًا محبًّا حنونًا، يكون لكِ لباسًا ساترًا، وقرة عين باردة، وإحصانًا لعفافكِ وحياتكِ، وبَلسمًا لكل أدوائكِ.


بانتظار أن تكتبي لي مرة أخرى، فلا تَتَأَخَّري في جوابكِ، وفَّقكِ الله وأثابكِ ورعاكِ، دمتِ لنا بألف خير.

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] رؤية الله في المنام جائزة عند جمهور أهل السُّنَّة، قال النووي: "قال القاضي: واتَّفَقَ الفقهاء على جواز رُؤية الله - تعالى - في المنام وصحتها، وإن رآهُ الإنسان على صفةٍ لا تليق بحالِه مِن صفات الأجسام؛ لأنَّ ذلكَ المرئي غير ذات الله - تعالى". اهـ.

[2] هذا إذا خلا منَ المحاذِير الشرعيَّة، التي بَيَّنَّاها في فتوى "الحب".