حالة من الخوف

  • التصنيفات: استشارات نفسية -
السؤال:

السلام عليكم،

تنتابني في الليل حالةٌ من الخوف، وعدم الاطمئنان، وأنني سأموت، وقلبي يدقُّ من الخوف، علمًا بأن مرض الخوف يلازمني منذ الصغر حتى الآن، وخصوصًا الخوفَ من الموت، ولكنه بدأ يزداد، ويوجد لدي شعورٌ بعدم الارتياح، وعدم الطمأنينة، هل يوجد حل لمثل هذه الحالة؟


ما الطريقة الصحيحة لكي أتحول إلى إنسانة طبيعية؟ هل التقصير في أداء العبادات السبب الرئيس فيما يحدث لي؟ وهل الشيطان هو الذي يوسوس إليَّ أني سأموت أو ماذا؟


أرجو إرشادي بالتفصيل: ما الذي أفعله لأكون مطمئنة لا أخاف بشكل مَرَضيٍّ من الموت، وأكون طبيعية؟


هل من الممكن أن أدعو الله أن يطيل في عمري، علمًا بأن الأجل مكتوب، وله ميعاد؟ وهل هذا النوع من الدعاء من الممكن أن يُستجاب؟


أرجو الرد بتوضيح لسؤالي؛ لأنه يهمني.

 

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

مما لا شك فيه أن تذكُّر الموت والاتِّعاظ به مطلوبٌ شرعًا، وفي ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكثِروا ذِكر هادم اللذات»؛ يعني: الموت؛ رواه النسائي، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني.


ونقل القرطبي في "التذكرة" عن الدقاق، قال: مَن أكثرَ مِن ذكر الموت، أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومَن نسي الموت، عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة.


وقال السدي في قوله – تعالى -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]؛ أي: أكثركم للموت ذَكرًا، وله أحسن استعدادًا، ومنه أشد خوفًا وحذرًا، وقال القائل:

                        صَاحِ شَمِّرْ وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ المَوْ    ***    تِ  فَنِسْيَانُهُ ضَلاَلٌ  مُبِينُ

وعلى هذا؛ فالمطلوب من المسلم أن يكون ذاكرًا للموت المؤدِّي إلى الاجتهاد في العمل الصالح؛ قال – تعالى -: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، لكن لا يحيد به التفكيرُ في الموت إلى درجةٍ يصل معها إلى القنوط، أو اليأس من رحمة الله؛ قال – تعالى -: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر: 49، 50].


أما المبالغة في الخوف من الموت فإنها تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، كالمبالغة في أي شيء آخر، قال ابن القيم - رحمه الله -: فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعية للبدعة، وإعراضًا عن كمال الانقياد للحسنة، أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصًا على السُّنة، وشدة طلب لها، لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمَرَه بالاجتهاد، والجور على النفس، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها، قائلاً له: إن هذا خير وطاعة، والزيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثُّه ويحرضه، حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها، فيخرج عن حدها، كما أن الأول خارج عن هذا الحد، فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر. اهـ.


ولعل أنسب الحلول للوصول إلى حد الاعتدال بشأن تذكُّر الموت، هو تعلم العلوم الشرعية، خاصة ما يتصل بالعلم بأسماء الله - تعالى - وصفاته، فإنَّ تعلُّمها - ولو إجمالاً - يؤدي إلى إحداث نوع من التوازن في مثل هذا، وكذلك ينبغي تعلُّم حقائقَ ثلاثٍ: حقيقة الحياة الدنيا، وحقيقة الحياة البرزخية، وحقيقة الحياة في الآخرة.


فإذا أحاط المرء علمًا بهذه الحقائق الثلاث، انضبط عنده فهم معنى الموت وما بعده.



أما دعاء الله بطول العمر، فلا شك أن الدعاء من الأسباب التي يتحقق بها ما قدَّر الله - بإذن الله تعالى - بل هو - إذا استتم شروطَ الاستجابة - أعظم الأسباب على الإطلاق؛ لأنه طلب مِن مسبِّب الأسباب، ومحقق الغايات، وهو الله – تعالى - وقد قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].


فكما أن الأرزاق، وعافية الأبدان، والسعادةَ أمورٌ مقدَّرة، ولم ينافِ ذلك طلبها بالأسباب المشروعة، فكذلك طلبها بالدعاء لا ينافي الإيمانَ بكونها مقدرةً في علم الله - تعالى - من الأزل، والأعمار من جملة الأمور المقدرة أيضًا، فيشرع الدعاء بإطالتها، ومدِّ أجلها.


وأما ما جاء في حديث أم حبيبة في "صحيح مسلم" رقم (2663)، أنها دعت فقالت: "اللهم متِّعني بزوجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد سألتِ الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنتِ سألت الله أن يعيذك من عذاب النار أو عذاب القبر، كان خيرًا وأفضلَ»، فلهذا الحديث توجيهان:

الأول: إما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلِم بالوحي أن أعمار الذين دَعتْ لهم أمُّ حبيبةَ، لن يُزاد عليها بدعائها، فنهاها عن ذلك؛ لذلك.

الثاني: وإما أنه قصد أن يرشدها إلى ما هو خير لها، وأفضل من أن تدعو بزيادة الأعمار، والتمتع بها في الدنيا، وهو الدعاء بالنجاة من عذاب النار وعذاب القبر.


وهذا المبحث من مباحث القدر الكبرى، وله علاقة بتفسير قول الله - تعالى -:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39].


وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية، فقال بعضهم: المراد ينسخ ما يشاء من الشرائع، ويثبت ما اقتضت حكمته إثباته.


وقيل: يمحو من ديوان الحفَظَة ما ليس من الحسنات والسيئات؛ لأنهم مأمورون بكتابة كل شيء: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].


وذهب ابن عباس - رضي الله عنهما - وجمْعٌ من السلف، إلى أن المعنى: أن الله - تعالى - يمحو ما يشاء من الأقدار، ويثبت ما يشاء، ويجعل لثبوتها أسبابًا، ولمحوها أسبابًا، كما جعل البِرَّ، والصلة، والإحسان، من أسباب طول العمر، وزيادة الرزق، وكما جعل المعاصيَ سببًا لمحق بركة العمر والرزق.


قال ابن كثير - رحمه الله - في ذلك: وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد عن ثوبان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل لَيُحرم الرزقَ بالذنب يصيبه، ولا يردُّ القَدَرَ إلا الدعاءُ، ولا يزيد في العمر إلا البرُّ»، وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر، وفي حديث آخر: «إن الدعاء والقضاء لَيعتلجانِ بين السماء والأرض»؛ اهـ مختصرًا.


وعليه؛ فيجوز الدعاء بطول العمر، ولا يمتنع منه الداعي بدعوى أن الأقدار مكتوبة، كما لا يجوز أن يمتنع عن تناول الدواء بدعوى أن العمر مكتوب، فكل من الدعاء والدواء من الأسباب، وكلها من قدر الله - عز وجل - وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه دعا لأناس بكثرة الولد، وسَعة الرزق، مع أن هذا مما فُرِغ منه، ومضى به الكتاب.


وقد استفاضت الأدلة بذلك؛ فعن أم سليم قالت: يا رسول الله، خادمك أنس، ادعُ الله له، فقال: «اللهم أكثرْ ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته»؛ رواه البخاري ومسلم.


وقد ترجم عليه الإمام البخاري: "باب دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه بطول العمر، وبكثرة ماله".


وقد ذكر الحافظ في "الفتح" أقوالاً لبعض أهل العلم في وجه مطابقة الحديث للترجمة، ثم قال: والأولى في الجواب أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرقه، فأخرج في "الأدب المفرد" من وجه آخر عن أنس، قال: قالت أم سليم - وهي أم أنس-: خُوَيْدِمُك، ألا تدعو له؟ فقال: ((اللهم أكثر ماله وولده، وأطِلْ حياته، واغفر له))؛ اهـ.


وذكر صاحب كتاب "الفواكه الدواني" بعد أن رجح القول بالجواز، فقال: وما قيل من أن العمر لا يزيد ولا ينقص، فباعتبار ما في صحف الملائكة.


وقد ذكر بعض أهل العلم قيودًا حسنة، لجواز الدعاء بطول العمر، ومن ذلك: ما ذكره الهيتمي في "فتاواه"، حيث قال: وقيَّده بعض المحققين بمن في بقائه نفعٌ للمسلمين، فيندب له الدعاء حينئذٍ، فإن كان نفعه قاصرًا، فهو دون الأول، قال: ومن عداهما قد يصل للكراهة، والتحريم إن اتصف بضدهما. اهـ.


وذكر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - أنه ينبغي أن يقيَّد ذلك بطاعة الله - تعالى - ونسبه إلى الإمام أحمد - رحمه الله - بأن يقال: أطال الله عمرك في طاعته.


ودعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لأقوامٍ بالهداية، مع أنها مفروغ منها أيضًا، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اهدِ دوسًا، وائتِ بهم»؛ رواه البخاري ومسلم.


كل هذه الأدلة وغيرها تدل على أهمية الدعاء، وأنه لا تعارض بينه وبين القدر؛ بل هو من تقدير الله - سبحانه - وعلى ذلك؛ لا يصح أن يقال: هل يغير من القدر شيئًا أو لا؟ إذ لو قلنا بذلك لجعلناه قَسيمًا للقدر، وليس قِسْمًا منه، وهذا ما دلت الأدلة على بطلانه.


واعلم أن لإجابة الدعاء شروطًا:

منها: الإخلاص؛ قال – تعالى -: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14].

ومنها: ألاَّ يكون الدعاء فيه إثم ولا قطيعة رحم؛ للحديث المذكور.

ومنها: أن يكون الداعي طيِّبَ المطعم والملبس؛ لحديث أبي هريرة عند مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر:«الرجل يطيل السفر، أشعثَ، أغبرَ، يمدُّ يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمُه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك».


ومن شروط الدعاء: ألاَّ يستعجل الإجابة؛ لحديث: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت، فلم يستجب لي»؛ أخرجه البخاري.