الحساسية الشديدة والخـوف من المستقبل
- التصنيفات: استشارات نفسية -
السلام عليكم.
أدخل في الموضوع مباشرة: أنا شابٌّ فكَّرْتُ في الزواج والاستقرار، والاقتران بفتاة صالحة، المشكلة أنني حسَّاس للغاية تجاه أيِّ طَرَفٍ خارجي، هذا الطرف الخارجي يشملُ مَن هم عدا أهْل بيتي، بِمَن فيهم زوجة المستقبل بإذن الله؛ أي: إنني أغضُّ الطرف وأتماشى مع أيِّ خطأٍ يصدرُ من جهة أهْل البيت، أمَّا مَن عداهم فلا.
وهنا المشكلة؛ إذ إنني أخشى أن يكونَ أهْلُ تلك الزوجة على ذلك الطراز من الناس الذين لا تدري لماذا يفعلون تلك الأفاعيل، في حين إنَّ الواحد هو زوج ابنتهم وساتر عِرْضهم؟ لأوضِّح قليلاً: إنني أخشى أن يكيدَ لي أهْلُها - إخوتها ووالداها - وأن يتصرَّفوا تصرُّفات أقلُّ ما تُوصَف أنَّها غير مُريحة وتَمس جانب الكرامة بالنسبة لي، وكما ذكرتُ لكم، فإن وَتَر الحساسية عندي على درجة عالية من التوتُّر والقُدرة على استشفاف ما وراء كلمةٍ رُبَّما يراها البعضُ عادية، في حين إنها تَعني لِي الكثير، ومن ثَمَّ ستكون النتيجة أنْ أدخلَ معهم في صِدَامات وعراكات، وضَرْبٍ بالأيدي وغير الأيدي مع إخوتها الذكور، وبالصوت العالي مع الأُمِّ خاصة، ومع الأب في حال عَجْزه أو كِبَر سِنِّه، وإلا فسيكون حاله مثل حال أبنائه الذكور، ورُبَّما يكبر الموضوع بعد ذلك، ويَصِل إلى القضاء إنْ كان ثَمَّة أملٌ في أن يستخْلِصَ لي حقِّي، أو بما دون ذلك من أساليب أعترف بأني لا أعرفُ مسالِكَها حاليًّا، ولكن مَن يسأل يتعلَّم، ومَن يستفسِر لن يتوه، وهي تلك الأساليب التي تُوصَف بأنها مؤامرات ودسائسُ، وما أشْكَل وما شابه ذلك، يُضاف إلى كلِّ ما سَبَق ما سيكون من فضائح بين الجيران والمحيطين بي وبهم، لا أدري: هل أتزوَّج أو أبقى هكذا دون زواج؟ لكنِّي في الحقيقة إنسان رقيق المشاعر جدًّا جدًّا، وبِي فَيضٌ من المشاعر والأحاسيس، والرغبة في الفيض بمكنونات النفس لزوجة المستقبل، لدرجة أني أحيانًا أقترب من الحديث مع الحائط الذي أمامي، وأتوق وأتشوَّق لتلك اللحظة التي تجمعنا معًا، ولكنِّي في الوقت نفسه عندي حساسية شديدة مِثْلما وصَفْتُ لكم قبل قليل.
وأرى في مشكلات المتزوجين اليوم الشيءَ الكثير الذي يجعلني أوقنُ فعلاً أنني إنْ تزوَّجتُ، فإني إنما أكون داخلاً في معركة ليست مع الزوجة - طالَمَا التزمتْ جانبَ الحِياد - وإنَّما مع أهْلها، وأوَّلُهم إخوتها، أما أُمُّها فهي بمنزلة أُمِّي، حتى لو شتمتْني أو أساءتْ إليّ، فلن يعدو الأمرُ بالنسبة لي ألا أُرِيَها شَخْصي مرَّة أخرى، أما بيتي ومنزلي، فسيكون مُرَحِّبًا بها على الدوام، فهي تَظَلُّ أُمًّا، لكن المشكلة مع الإخوة الذكور الذين رُبَّما تمالؤوا عليّ وكادوا لي، ولَم يحترموا صِلَتي بهم، وكوني زوجًا لأختهم وساترًا لعِرْضهم، فالواجب عليهم إنْ لَم يستطيعوا نفعي أنْ يكفُّوا عنِّي شَرَّهم، ولن ألومَهم إن اقتصروا على ذلك.
أما أن يكيدوا ويَمْكروا، فإني على استعدادٍ لأن تَصِل الأمور معهم إلى حدِّ العِراك بالأيدي والأَرْجُل، وبالأسلحة البيضاء، وغير البيضاء إن استلزمَ الأمر، إي والله، لا أدري ما أقول، ولكنَّها الحقيقة التي أستشعرها في نفسي، ومِن كثرة ما قرأتُ عن الكَيْد الذي يكيده أقاربُ الزوجة للزوج، صِرْتُ أحدِّثُ نفسي بأن أتزوَّج بامرأة توفِّي أهْلُها كلُّهم، ولم يبقَ لها قريبٌ، وسأكون أنا لها كلَّ شيء - بإذنه تعالى.
أنا أريد أن أتزوَّج لأستقرَّ، لأكون عضوًا فَعَّالاً في أسرة أخرى، وليعتبروني مثل ابنهم، ولن أقصِّر معهم - بإذن الله - لا ليكيدوا لي ويَمْكروا بي، لا، وألف لا، لا أدري حقًّا هل نجحتُ في توضيح معالِم مُشكلتي أو لا؟ ولكنَّها تظلُّ مشكلة بالنسبة لي على الأقل، ساعدوني أرجوكم، بارك الله فيكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
استوقفتْني مشكلتُك كثيرًا؛ مما جعلني أؤخِّر الردَّ عليها؛ ريثما أستوعبُها أكثر، وأجد طُرقًا لعلاجها ومساعدتك فاعذِرني؛ إذ إنها أول مرة تصادفُني مشكلة مِن توقُّع لم يقعْ!
فهل لي أن أعتبرَها من مشكلات الشكِّ بشكلٍ عام؟ أو أنها محُدَّدة بنظرتِكَ عن الزواج فحسب، وبه كَبُرَتْ معك لهذه الدرجة!
ما أتوقَّعه أنها جزءٌ من طبيعتك بشكلٍ عام؛ حيث تبدو من الشخصيات الْحَذِرة التي تحبُّ أن تثِقَ بخطواتها، وبِمن تتعامَلَ معهم قبل أن تنعمَ بالراحة والاستقرار، كما أنَّك تميل للشكِّ غير المبني على ما يدعمه سوى توقُّعاتك المسبقة.
ما أنصحك به أن تحاولَ التغلُّب على هذه التوقُّعات خشية أن تقعَ بها؛ لكثرة تخيُّلِها وإعطائها أكبر من حَجْمها الحقيقي، تفاءل خيرًا، واستفدْ من قلَقِك إبجابيًّا؛ فمِن نِعم الله أنَّه رَزَقنا المشاعر التي تُعيننا على فَهم أنفسنا وقيادتها لو استطعْنا ذلك، القلق يَعني أنَّ شيئًا لا يسير على ما يُرام، والخوف يَعني أننا يجبُ أن نكونَ حَذِرين أكثر.
وما تشعر به أنتَ أيضًا يدخل ضِمن القلق الذي من أهمِّ أهدافه حمايتُكَ من خلال عقلك الباطن، جيِّد أنَّك تستوعب نفسك، وطبيعتَك وحساسيتكَ، فهذا سيساعدك كثيرًا، لكنَّك فقط بحاجة لفَهم الأسباب الكامنة وراء هذه المشاعر؛ حتى تتمكَّن من علاجها:
- رُبَّما تكون قد سمعتَ أو عايشتَ الكثير من القَصص التي جعلتْك تتقمَّص الدور وتقلق.
فَهمُك لهذه المشاعر أنها بدأتْ بتعاطُفٍ، وانتهتْ بقلقٍ، سيساعدك أكثر أن تخرجَ من دائرة القلق ثانية، وألاَّ تُعَمِّم، فأنت عنصرٌ فريدٌ عن غيرك، وتصرُّفك في الأمور من ثَمَّ لن يكون نفسه، كذلك ليس كلُّ الناس بهذه الصورة السلبيَّة!
- عوضًا عن تركيزك على المشكلات بتخيُّلك، ركِّز على الحلول، من أبسط الحلول أن تبحثَ عن زوجة تحبُّ أنت أهْلَها وتَثِق بهم؛ مما يُعينك بعد ذلك على الثِّقة بهم، أيضًا ركِّز على أن تكونَ مَن تخطبُها شخصيَّة طَيِّعة، غير معاندة أو متحرِّرة، وعلى الأغلب فنَمَطُ شخصيتكَ تتوافقُ معه الشخصيَّة الانطوائيَّة.
- لا تنظرْ لنفسك على أنَّك ضحيَّةُ تآمِرٍ أو كَيْدٍ، وإنْ كان واقعيًّا، عوضًا عن ذلك ركِّزْ على أن تسموَ بنفسك عن مِثْل هؤلاء الأشخاص، ولا تسمح لهم في الوقت ذاته بالتأثير على حياتك واستقرارها، حتى استقرارك النفسي وهو أهمُّها.
- أخيرًا ثِقْ بالله، وثِقْ بأنه ما أصابَك شيءٌ لم يكنْ ليخطئك، ولَن يُخطئك شيءٌ أرادَه الله لكَ.
بحال عجزتَ عن الوصول لهذه الحلول، الْجَأ للاستعانة بالكتابة في مفكِّرة صغيرة تكون قريبةً منك، تكتبُ فيها بجدول: المشاعر- الفكرة المصاحبة لها - الرد على الفكرة - التغيُّر الحاصل بالمشاعر.
المهم أن تفْصِلَ نفسَك، وتقرأ الأفكار كأنها مشكلةُ شخصٍ آخرَ يطلب منك النُّصحَ والعَوْن!
بحال لم يُجْدِي أيٌّ مما سَبَق، هَوِّن عن نفسك؛ فإن للشكِّ أيضًا سببًا فسيولوجيًّا بالدماغ، ووقتها ستحتاج إلى مراجعة طبيب يُعينك بدواء.
ولا تنسَ أثَرَ الاستغفار واللجوء لله، وفَّقك الله ويسَّركَ لكلِّ خير.