أخطأت وتبت لكن سمعتي تشوهت

فتاة ارتكبت خطأ ما، وانتشر هذا الخطأ بين زملائها في الجامعة، وأصبحت تشك في نظراتهم وضحكاتهم، وأصبحت تخاف أن تقبل أي خاطب لها، وتسأل: ماذا أفعل؟

  • التصنيفات: التوبة - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أنا فتاة جميلة ومتفوقة، منذ سنة تقريبًا تشوهت سمعتي في الجامعة بسبب خطأ ارتكبتُه، لكني تراجعت وتبتُ، بيدَ أن خبري انتشر في الجامعة بين الشباب، ولكنه لم يصل للفتيات، فكلما مررت على مجموعة، أجدهم يتكلمون عني ويضحكون عليَّ، ما أدَّى إلى تدهور حالتي النفسية، حتى صرت أتمنى الموت، وأرفض من يتقدم لي، خوفًا أن يذهب ويسأل عني، ويسمع ما يقال، أرجو المساعدة والدعاء لي.

 

الإجابة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ: أنكِ طالبة بالجامعة، ووقعتِ في خطأ، وتبتِ إلى الله، ولكنَّ خبرَكِ انتشر بين طلاب الجامعة، وتشعرين كلما مررتِ بمجموعة أنهم يسارقونكِ بالنظر والضحك، وتظنين أنهم يتحدثون في موضوعكِ؛ ما أدى بكِ لحالة من القلق والهمِّ، وساءت حالتكِ النفسية؛ ما أدى إلى رفضكِ لكل خاطب يتقدم إليكِ؛ خوفًا أن يسأل عن سيرتكِ، فيُخبَر بموضوعكِ ويصرف عنكِ النظر، وتطلبين المساعدة في حل المشكلة، فأقول وبالله التوفيق:

١- احمدي الله تعالى على توفيقه لك للتوبة، وأخلصي في ذلك، واسألي الثبات على ذلك، فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»؛ كما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

٢- اعلمي أنكِ إذا التجأتِ إلى الله تعالى بصدق، وترطب لسانكِ بذكره - اطمأنَّت نفسكِ، وشعرت براحة نفسية غريبة، (جربي وسترين الأثر)؛ قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

 

٣- احذري أن تجعلي همَّكِ الناس فيما يقولون أو يفعلون؛ فإنكِ ستعيشين في همٍّ وغمٍّ؛ لأنكِ لن تبلغي رضاهم، ولن ينفعوك أو يضروك؛ قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، وروى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان همُّه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غِناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت نيته الدنيا، فرَّق الله عليه ضَيْعَتَهُ، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كُتب له»؛ [رواه ابن ماجه، وابن حبان، وصححه الألباني].

 

٣- المسلم يقع في الخطأ ويتوب ويرجع لله، وهذه علامة الإيمان، لكن لا يربط هذه الأخطاء والمعاصي التي تاب منها وحسُنت توبته - لا يربطها بحياته وسعادته، وتبقى عائقًا أمامه، بل ينطلق في مسيرة حياته، ويتوكل على الله تعالى؛ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، ويلزم طاعته، ويتبع سنة نبيه صلى لله عليه وسلم.

 

٤- تبيَّن لي من رسالتكِ أنكِ حاملة همَّ الشباب في الجامعة فيما يقولون عنكِ، بعد انتشار خبر خطأكِ الذي تبتِ منه، فالسؤال: هل أنتِ متحققة من أن خبرك قد انتشر؟ فربما تعيشين في وهمٍ وسوءِ ظنٍّ، فالعادة أن الناس لا يخبرون الآخرين بأخطائهم، وإن علموا، فمن المتوقع أن زميلة لكِ أبلغتكِ أن الطلاب عرفوا بموضوعكِ، فكانت فرصة للشيطان أن يجعلكِ تتصورين أن كل الطلاب عرفوا؛ ما حدا بكِ أثناء مروركِ بمجموعة وهم يضحكون وينظرون إليك أن تظني مباشرة أنهم يضحكون عليكِ، ومن أجل قضيتكِ، وأنتِ لم تسمعي صراحة، فقط رأيتِهم يضحكون وربطتِ ذلك بخطئك، وهذا خطأ كبير لو استسلمتِ له، فستعيشين في نكد وحزن، وكل هذا مبنيٌّ على الظنون والشكوك.

 

٥- رفضكِ لأي خاطب يتقدم إليكِ خوفًا أن يسأل عنكِ الطلاب، فيذكروا له خطأكِ، فينصرف عنك - خطأٌ أيضًا، وتصرفٌ غير سليم، فأنتِ ولله الحمد تبتِ توبة نصوحة، والله جل وعلا يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وقد ستركِ الله تعالى، فلماذا تسيئين الظن بالله، وتتصورين احتمالًا بعيدًا جدًّا عن الحقيقة؟ وما الذي أدراكِ أن الخاطب يسأل الطلاب الذين عرَفوا عنكِ هذا إن عرفوا أصلًا؟

 

كل هذا ظنٌّ ووهمٌ زاده الشيطان في تصوركِ ليصرفَكِ عن الزواج الحلال، ويحاول أن يجركِ لفعل الحرام.

 

٦- الزمي طاعة ربكِ، واثبتي على توبتكِ، وحافظي على صلواتكِ، وتضرَّعي لله تعالى بالدعاء أن يصرف عنكِ كلَّ هذه الظنون والأوهام، ولو - لا قدر الله - وقعتِ في معصية لضعفِ إيمانكِ، أو لنزعة شيطان، أو غفلة أو إغراء - فعودي إلى التوبة، ولا تَملِّي من الرجوع إلى الله حالَ أيِّ خطأ؛ فإن الله غفور ورحيم يغفر الذنوب جميعًا.

 

٧- اختاري الصديقات الصالحات اللاتي يُعِنَّكِ على طاعة الله، فمجالسة الصديق الصالح مثل حامل المسك؛ إما أن يحذيَك، أو تبتاع منه، أو تجد منه ريحًا طيبة؛ كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

٨- إذا تقدم لكِ الخاطب الذي ترضَون دينه وخلقه، فاستخيري الله، وإن وجدتِ ارتياحًا، فاقبلي به زوجًا؛ فإنه خير معينٍ لكِ على طاعتكِ وسعادتكِ.

 

أسأل الله أن يثبتكِ على الحق ويقبل توبتكِ، ويصرِف عنكِ كلَّ الظنون السيئة، ويبعد عنكِ شر الحسَّاد، وكيد الفجَّار، ويرزُقكِ الزوج الصالح، آمين.