زوجي يهملني أنا وأبناءه

امرأة تشكو ترك زوجها لها ولأبنائها وعدم اعتنائه بهم؛ فهو كثير السفر، وحتى في غير سفره، فإنه يفضل البقاء وحيدًا منعزلًا عنها، وتقول أنه لا مودة ولا سكن ولا رحمة، فلديها احتياجات مادية وعاطفية لا تُشبع، وهي تريد الطلاق، وتسأل: هل تحكم لها المحكمة بنفقة جيدة لها ولأبنائها؟

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

زوجي يناهز الأربعين، وهو ذو خلق ودين، كما أنه كثير السفر، فمجموع سَفراته تصل إلى ستة أشهر، ما بين رحلات قصيرة (ثلاثة أيام)، إلى رحلات طويلة (قد تصل إلى أربعة أشهر متواصلة) يسافرها بغرض العمل، أو السياحة، أو تغيير المزاج والجو، فهو ذو غِنى، ولديه أملاك، وفي أثناء تلك السفرات لا يتواصل معنا مطلقًا، وإذا ما أتى إلينا، فإنه يشتري أغراضنا ببذخ، ثم إذا سافر لا يدري عنا شيئًا، ويعطيني مصروفًا يسيرًا في بداية كل شهر، ويمنعني الوظيفة بحجة الشفقة على أبنائه، ويرفض توفير خادمة، أو سيارة أو سائق، كما أننا نسكن في شقة خَرِبَةٍ، ويرفض ترميمها أو إصلاحها أو حتى الانتقال منها، مع أنها شقة إيجار، وعلى مدى اثنى عشر عامًا هي مدة زواجي ظل يواسيني بكلام الحب وببيت العمر، وبسفرة صيفية باذخة وحدي مع الأبناء، وأمر آخر وهو أنه في حال وجوده في نفس المكان الذي نحن فيه، فإنه يسكن فندقًا كبيرًا، فأذهب لمنزل والدي مع أبنائي، ويعود هو للشقة وحيدًا، حتى أطلب أن أعود أو أعود بنفسي بعد عشرة أيام دون خلافات، بحجة أنه في حاجة للبقاء وحده، وقد أدخلت في الأمر والدي بعد عشر سنوات من الزواج، فثارت كبرياء زوجي، وعاند وأصرَّ على أنه غير مقصِّر، ولما طلبت الطلاق رفض رفضًا قاطعًا، ووعدني بالتغيير، وبناء بيت، وأحضر الرسم الهندسي له، لكنه لم يَبْنِ، وكان ما قاله مجرد كلام لإسكاتي، وبعد سنتين طلبت من والدته التدخل، فرفضت التدخل، فعزلت نفسي شهرين في غرفة لا يراني ولا أراه، ففاجأني بشراء منزل جديد جاهز، وطلب مني فتح صفحة جديدة، وأدخل أبي للإصلاح، فقبِلتُ رأفةً ورحمة بأبي؛ إذ كان مريضًا وحالته حرجة، ومنحته فرصة أخرى، لكنه عاد وسافر تاركًا إياي مع الأبناء وحدنا قبل أن ننتقل للبيت الجديد.

منذ أن تزوَّجته ولدي احتياجات نفسية وعاطفية ومادية واجتماعية غير مُشبَعة، ولا مودة ولا رحمة ولا سكن، ولا شراكة بيننا في الحياة، فهو يعيش لنفسه فقط، ويرفض الاعتراف بوجود مشكلة، ويرفض أيضًا الطلاق، فهل تحكم المحكمة بنفقة كافية لي مع سكن لائق لأولادي؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

 

فمرحبًا أختي الكريمة، ونشكركِ على الثقة بهذا الموقع.

أختي الكريمة، الوقوف أمام أعاصير الحياة دون حَراكٍ يجعل الإنسان عُرضة للأذى والتقلبات، والاستمرار في التعامل مع الأحداث بنفس الطريقة يُعطي النتيجة ذاتها، وإذا أراد الإنسان أن يُغيِّر من واقِعِه، فعليه التخلِّي عن الشعور بالانهزامية، وألَّا يبحث عن طريق للهروب من الواقع، وإنما المساهمة الفاعلة في بناء واقع جديد، وتحسين سلوكيات أفراد الأسرة قدر المستطاع، والبحث عن نقاط القوة في العلاقة الزوجية وتَنميتها، وكذلك نقاط الضَّعف والمشاركة في علاجها وتقويمها.

 

إن التضحية بهذا الكِيانِ والمسارعة إلى هدمه لعدم انتظام أموره، أمرٌ يبعث على الاستغراب والاستهجان، ذلك أن العاقل يعلم أن الهدم أسهل من البناء، وأن الانهزام حيلة الضعفاء.

 

هل علاج التقصير بَتْرُ العلاقة؟ وهل الانفصال هو الحل؟ وهل الانفصال سيعوِّضكِ عن النقص؟ أو هل الانفصال سيحمي أفراد الأسرة من مغَبَّة الإهمال؟!

 

دوام العلاقة حتى ولو كان على أقل مستوياتها خيرٌ من انقطاعها.

 

وجود الوالدين في حياة الأبناء - ولو كان قليلًا - خيرٌ من تشتُّتِ شملِهم، والانشغال في المحاكم بغرض المطالبة بحقوقهم، وليس هناك حقٌّ لهم أهم من العلاقة الجيدة الهادئة والآمنة بين والديهم.

 

أليس بذل الجهد في احتواء الزوج والتماشي مع تقصيره، أَولى من قطع العلاقة معه واستعدائه؟!

 

تحدثتِ أختي الكريمة عن تقصيره، ولم تتحدثي عن سبب نفوره من البيت رغم هذه السنين الطويلة من العِشرة، أليس هناك مجال للحوار والتفاوض بينكما؟ ألم تعتادَا التفاهم وحلَّ المشاكل دون تدخُّل أحد؟!

 

تأملي أختي الكريمة ما الذي يجعله يفِرُّ من أُسرته؟ وما الذي يجعل راحته في البعد عن زوجته وأبنائه؟

واجهيه بهذا السؤال، ولْيَتْرُكْ كل واحدٍ منكم التحيُّزَ لرغباته، فالأمر لا يعني أحدًا دون الآخر، بل هو كِيان مشترك، الخسارة فيه مُوزَّعة بين الطرفين، لتتعدَّى إلى الأبناء كذلك.

 

أسأل الله أن يُصلح شأنكم، وأن يُلهِمَكم رُشدَكم، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.