وقعت في ذنب عظيم
شابٌّ شهِد شهادة روتينية دون علمٍ منه ودون تثبت، فظنَّ أنه شهد زورًا؛ فأُصيب بحالة من الخوف والهلع التي عطَّلت حياته، ويسأل: ما الحل؟
- التصنيفات: فتاوى وأحكام - استشارات نفسية -
السلام عليكم، منذ أسبوع وقعت في شهادة الزور دون وعي أو قصد، فلم يخطر ببالي رغم أن لديَّ علمًا بشهادة الزور، فقد كنت في المحكمة الشرعية لاستخراج شهادة عزوبة لي، ولكن لم يكن معي شهود، فعرض عليَّ شخص أن أشهد بأن بناتِهِ عزباواتٌ مقابل أن يشهد لي بأنني عَزَبٌ؛ نظرًا لأنه أمرٌ روتيني، ولا يتم الكذب فيه للحصول على ورقة عزوبة، وشهد كلٌّ منا للآخر، ولحسن حظي كنت سأشهد لشخص آخر بشيء آخر شبيه بذلك، لا أعلم كيف كنت أفكر، لكني لم أشهد، فقد أنقذني الله في تلك اللحظة.
وبعد أن انتهيت تذكرتُ واستشعرت الخطأ الذي وقعت فيه، وهو خطأ قانوني، وخطأ ديني، ولأني شخص تربيتُ على الأخلاق القويمة، فإني لم أستطع تخطي هذا الخطأ مطلقًا؛ فأنا لا أنام منذ أسبوع، ولا آكل، ولا أشرب، لديَّ ألم مستمر بالقلب، وهناك ارتباك في البيت وحيرة من أهلي؛ فهم لا يدرون ماذا يفعلون لي، لا يشفي قلبي أيُّ كلام من أحد، ومع الكلام الذي بت أقرؤه على الإنترنت من قبح شهادة الزور، بت مجنونًا؛ إذ كيف أقع في شيء قذر كهذا، أنا لم أترك معصية إلا فعلتُها، لكن عندما أصلي وأسجد، أو مجرد أن أقول داخلي أني سوف أتوب - أشعر وكأني أملك الدنيا، ولكن لم يفلح ذلك في هذا الأمر، فقد كرهت نفسي واحتقرتها، وأصبحت أخجل من رؤية نفسي في المرآة، ومن النظر في أعين الناس، لم أَدَعْ موقعًا على الإنترنت إلا دخلته بحثًا عن كلمة تهدأ قلبي ووجعي، رغم أني صادفت العديد من الناس الذين فعلوا هذا الذنب ويشتكون عبر الإنترنت، لكني أشعر أنني من القلة القليلة في الدنيا، ولا أستطيع أن أقول: قضاء وقدر؛ لأن الله يخيِّرُنا ولا يصيبنا بالذنوب.
أرجو توجيهكم ومناصحتكم، إنْ لم ينفع العلاج النفسي معي، فهل من علاج دوائي؟ وإن لم يحسِّنِ الدواء مني، فهل الوقت كفيلٌ للتقليل من شأن هذا الذنب مني واعتياده، أو أنني سأظل طوال العمر أعاني منه إلى أن يأخذ الله أمانته؟ لدي جامعة وعملٌ، ولا أستطيع الاستيقاظ من النوم حتى للتبول أعزكم الله.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: نحمد لك خوفك وندمك على الذنوب والمعاصي وعاقبتها؛ ((فالندم توبة))؛ كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ينبغي لك أيها الأخ الفاضل أن تُقَدِّرَ الأمور بقدرها، فأنت لم تتجانف للإثم، ولم تتعمد شهادة الزور، وغالب الظن من خلال كلامك أنك أصبت في شهادتك أن الفتيات بالفعل عزباوات - أي: لا زوج لهنَّ - وإذا علمت أنهنَّ لَسْنَ عزباواتٍ، فَصَحِّحْ شهادتك.
ثالثًا: هوِّن عليك أيها الأخ الفاضل، أحْسِنِ التوبة؛ بالندم، والعزم على عدم العودة لمثلها، والتثبت قبل الشهادة حتى لا تقع في الحرج، والإكثار من الاستغفار والعمل الصالح.
رابعًا: فالخوف المحمود ما دفعك لتصحيح الذنب وليس زيادته، فما أنت فيه الآن من خوفٍ ومن هلعٍ، ذنبٌ على ذنب، فمن خاف من عقاب الله، فرَّ إليه ولم يبتعد عن طاعته، فافهم وانتبه.
وكن على يقين أن الله يغفر الذنب ويقبل التوب، ويبدل السيئات حسنات لمن أحسن وآمن وعمل عملًا صالحًا؛ قال تعالى بعد أن ذكر الأفعال التي مَن فعلها، فإنه يلقى أثامًا: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
فَفِرَّ إلى الله أيها الأخ الفاضل، من عقاب الله إلى رحمته؛ بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته، والله أعلم، هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.