كرهت حياتي بسبب أخطاء الماضي
امرأة متزوجة كانت له سوابق علاقات محرَّمة مع مَن خُطِبتْ لهم، وقد أخبرت بذلك زوجَها وأهلها؛ ما أدَّى بها إلى كُره الحياة، وسلبها نومَها وراحتها، وتسأل: كيف يتقبلني زوجي وأهلي إن كنت أنا لا أقبل نفسي؟ وما الذي حدث في حياتي؟ وما النصيحة الآن؟
- التصنيفات: التوبة - استشارات نفسية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لديَّ ذنبٌ ظللتُ مقيمًا عليه مدة شهرين، هذا الذنب أرهقني وأقضَّ مضجعي، وسلبني راحتي ونومي، فقد كنت مخطوبة لابن عمتي مدة خمس سنوات، ويشهد الله أني لم أرتكب أيَّ ذنب خلالها، وقد كنت في منتهى الأخلاق، وقد اقترحت الزواج - كما اتفقت معه - عندما أُنهيَ دراستي الجامعية، ولكن قُوبل هذا الاقتراح بالرفض من قِبَلِ أهلي، كنت أحبه حبًّا جمًّا، فبقيتُ على علاقة هاتفية معه، وفي نهاية دراستي في السنة الخامسة، تضاربت الأمور واختلطت عليَّ، فقد خطبني اثنان غيره، ولم أَعُدْ أعرف ماذا أفعل، فقد تشوَّشت رؤيتي وتشوشت حياتي، علمًا بأن الاثنين قد طلبوني فقط، لكني لم أعرف عنهم شيئًا، وقد علم ابن عمتي بذلك الأمر، وغضب، وقام بقطيعتي وأنا في امتحانات السنة الخامسة بكلية الطب، ثم بعد ذلك اجتمعت به، ولا أعلم كيف وقعت معه في المحظور، ولكن لم أقبل أن أمارس شيئًا يسلبني عِفَّتي، ولكنه لمسني، ثم بعد ذلك سافر إلى البلد الذي يعمل فيه، واتفقنا على عدم الزواج في هذه الأثناء، أما الخاطب الثاني الذي تقدم لطلبي، فقد وافقت بسبب ما حدث في هذه الفترة؛ إذ لم أعُدْ أشعر بشيء، ولم أعد أفرِّقُ بين الحلال والحرام، فقد تعرفت على اثنين ووقعت في المحظور، ولكن لم أقبل أن أمارس شيئًا يضر بعِفَّتِي، وبعد ذلك سافرت إلى أهلي، تاركة كلَّ شيء وراء ظهري، وتزوجت، ووقعتِ المشكلة عندما أخبرت زوجي بما حدث لي، هو يحبني، ولكن إذا كنت أنا لا أستطيع أن أقبل نفسي بما فعلت، واقترفته يداي، وأبغضُ نفسي كلما تواردت الصور على مُخيلتي وأنا أفعل ما يُستقبح - فكيف لزوجي أن يقبلني أو يثق بيَّ؟ لا أستطيع حتى أن أبرِّر موقفي؛ إذ كيف لفتاة ملتزمة بدراستها وبأخلاقها أن تفعل ما فعلتُهُ، مع العلم بأنني مررت بظروف صعبة وكنت وحيدة فيها في كل أيام دراستي، ومع ذلك وبفضل الله لم أتعرض لأي شيء ولا لأي خدش في حياتي سوى في هذين الشهرين، وقد شرحت لأهلي كل ما حدث فانصدم والداي مما سمعوه مني، أرشدوني في أمري، فقد كرِهتُ كل معاني الحياة، كيف لي أن أكمِلَ زواجي وأنا على هذه الحال؟ ومن سيستطيع تقبل الفكرة؟ هل ما حدث لي مرض؟ هل ما حدث لي اختلال في حياتي؟ أرجو من الله المغفرة والتوبة والستر.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ أنكِ وقعتِ في أخطاء مع بعض من خُطبتِ إليهم، ثم تزوَّجتِ وأخبرتِ زوجكِ وأهلكِ بما حصل منكِ، ثم أنتِ الآن مستاءة جدًّا مما حصل منكِ، فأقول ومن الله التوفيق:
أولًا: ما حصل منكِ لا شك أنه أخطاء وَقَعَتْ تحت ضغط الحاجة العاطفية، مع ضعف الإيمان حينها.
ثانيًا: احمَدي ربكِ أنها وإن كانت غير جائزة، إلا أنها أهون من غيرها.
ثالثًا: كان يكفيكِ التوبة الصادقة؛ قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].
رابعًا: ما كان ينبغي أبدًا أن تخبري أحدًا بما حصل؛ لا أهلك، ولا زوجك، ولا غيرهم، ولكنكِ اجتهدتِ وأخطأتِ.
خامسًا: لَوْمُ النفس على أخطائها طيبٌ، إذا كان بحدودٍ معقولة، فالله سبحانه مدح النفس اللوامة وأقسَم بها، وقرن القسم بها مع القسم بيوم القيامة؛ لأنها نفسٌ عظيمة مُكرَّمةٌ عند الله عز وجل؛ كما قال عز وجل: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 1، 2].
سادسًا: أمَّا ما حصل لكِ، فهو لوم وعتاب شديد أدى لاحتقار نفسكِ وهَتْكِ ستركِ عند الغير، وهذا خطأ واضح.
سابعًا: وعمومًا يكفيكِ توبة صادقة، والله سبحانه إذا علِمَ صدقَها، قَبِلَها، وأعظم من ذلك أبدل سيئاتكِ إلى حسنات؛ كما قال سبحانه - بعد أن ذكر المعاصي العظيمة، وهي: الشرك، وقتل النفس بغير حق، والزنا - قال سبحانه بعدها: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].
ثامنًا: إذا علمتِ بما سبق، فلا داعيَ للمعاتبة الشديدة للنفس، وخيرٌ منها أن تُكثِري من التوبة والاستغفار، مع قوة الثقة في قبول الله سبحانه لها، وأن تجتهدي في الإتيان بأعمال صالحةٍ، تُكفِّرُ السيئات السابقة؛ كما قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
حفظكِ الله، وتفضل عليكِ بقبول توبتكِ، وسَتَرَكِ في الدنيا والآخرة، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.