مترددة في قبول الخاطب
فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تقدَّم لها ابن خالتها الذي كان قد انفصل عن خطيبته منذ خمسة أشهر، وهي مترددة في قبوله؛ إذ تشعر بأنها خيار ثانٍ؛ لأنها كانت موجودة أمامه، وأيضًا تخشى الأمراض الناجمة عن زواج الأقارب، وهو مع ذلك شخص ذو خلق ومسؤول، وتسأل: هل تقبله أو لا؟
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
أنا في الثامنة عشرة من عمري، منذ خمسة أشهر تقدَّم لخِطبتي ابن خالتي، وهو شخص ذو خُلُق، ومتدين، وحنون، ومسؤول، لكني متذبذبة كثيرًا في قبوله؛ لأسباب: أولها: أنني أرى نفسي صغيرة جدًّا على اتخاذ قرارٍ كهذا القرار المصيري، وثانيها: لا أريد أن أتعلَّق بشخص يشغلني عن دراستي وأهدافي، وثالثها: أنه منفصل عن خطيبته السابقة منذ خمسة أشهر، ولا أظن أن شخصًا يستطيع أن ينسى حبَّه في تلك الفترة الوجيزة، فخشيتُ أنه يحاول نسياني بها عن غير قصد منه، ثم إننا أقرباء، فأقول لنفسي: لماذا يخطب غيري وقد كان يعرفني؟ أشعر بشيء من الإهانة كلما هممت بالموافقة؛ إذ أشعر بأنني خيار ثانٍ، وهذا أكبر الأسباب، ورابعها: أنني أريد أن يكون شريك حياتي شخصًا يبادلني حبًّا بحبٍّ، وليس شخصًا لا أفكر فيه مطلقًا ثم يأتي إليَّ، وأوافق، على أنني أشعر بأن ثمة شيئًا من المثالية في هذا التصور، وأنني بهذا التصور قد أُضَيِّعُ على نفسي شخصًا مناسبًا، ولا سيما أني قد تحدثت معه فترة وعرَفته بعد أن تقدم لي، وأخيرًا: خوفي من الأمراض الوراثية الناجمة عن زواج الأقارب، والفحص الذي يُجرَى لأجل زواج الأقارب قبل الزواج ليس موجودًا في بلدي، ولا يمكنني طلبه إلا إذا اقترب زواجنا، مع العلم أنني قد أخبرته هو بالموافقة، لكني لم أردَّ على خالتي؛ إذ وجدت نفسي مترددة، فأخشى أن أكون قد خيَّبتُ ظنَّه، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
أولًا: أحيانًا نفترض أمورًا ليست واقعية، وإنما مجرد أوهام، الباعثُ لها هو القلق من عدم النجاح في هذه الخطوة المهمة.
ثانيًا: هذا العمر مناسِب جدًّا، والعاقِل يقتنص الفُرَصَ المناسبة التي تعود على حياته المستقبلية بالراحة والاستقرار بإذن الله.
ثالثًا: الأصل في الزواج حصول السكينة والطمأنينة؛ يقول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
رابعًا: الدخول في الحياة الزوجية في هذا العمر يصنع لكِ بإذن الله استقرارًا نفسيًّا وعاطفيًّا، يُعينكِ على مواصلة أهدافكِ وطموحاتكِ بنَفْسٍ هادئة ومُنسَجِمة.
خامسًا: إن كان الخوف من كَوْنِ الخاطب عائقًا للوصول إلى هذه الطموحات، فما المانع من الاتفاق معه على هذه الأمور الآن وبوضوح؟
سادسًا: ما تفضلتِ بذكره من مواصفات عن هذا الخاطب من أنه ذو خُلُق، ومتدين، وحنون، ومسؤول - فهذا شيء جميل، ويُشعِر بالارتياح إلى نجاح هذا الزواج والانسجام بينكما بإذن الله.
سابعًا: كون الخاطِب قد طَرَقَ بابًا غير بابكم، ثم لم يشعُرْ بالوئام ليختاركِ أنتِ لا غيركِ، فهذا دليل على أنه قد وَجَدَ والتَمَس فيكِ الصفات التي يرغبُها، لا كما يتبادر إلى الذهن أحيانًا من كونكِ خيارًا ثانيًا، فالخيارات لديه كثيرة غيركِ، ولكنه آثَرَكِ على غيركِ.
ثامنًا: لا تُكْثِري من جمود مشاعركِ تجاهه؛ فالحب بينكما لا يأتي فجأة، وإنما ينمو مع الأيام والليالي، والمواقف والتضحيات، والعطف والحنان، من قِبَلِ الطرفين جميعًا هي من تصنع ذلك.
تاسعًا: السعادة والطمأنينة مشاريع عظيمة وجبَّارة، تحتاج إلى غرس وسقاية ورعاية.
عاشرًا: وجود الأمراض الوراثية في زواج الأقارب ليس بالضرورة، وإن كان الخوف مسيطرًا، فاشترطي عليه فحصًا قبل الزواج.
أحد عشر: أوصيكِ أختي الكريمة بالاستخارة؛ فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ))؛ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وختامًا: أسأل الله لكما التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.