تأخر زواجي فلجأت للخطابة

شابة يتيمة الأبوين تأخرت بها سنُّ الزواج؛ نظرًا لطبيعة عائلتها المنغلقة، فلجأت - كي تتزوج - إلى "خطابة"، وتم الاتفاق مع أمِّ الخاطب، وقد أخبرت أهلها كذبًا أنها عرفت ذلك الخاطب عن طريق الصديقات، ولما اكتشفوا حقيقة الأمر، شوَّهوا صورتها في العائلة كلها، ووصموها بالكذب، وتسأل: ما الحل؟

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعدكم اللهُ في داري الدنيا والآخرة، أنا فتاةٌ ملتزمة تخرجت في كلية الشريعة، ولكوني يتيمة الأبوين؛ رغبت في الزواج مبكرًا، ودعوت الله كثيرًا، ليتيسَّرَ لي هذا الأمر، ثلاثُ سنوات تفصلني عن سن الثلاثين، ونظرًا لطبيعة أسرتنا المنغلقة التي لا تخالط الناس، قلَّت فرص الزواج، فقررت أن أسعى إلى رزقي، واتصلت بوسيطة زواج "خطابة"، ومع أنني أعلم أن موضوع "الخطابة" حسَّاسٌ في أسرتنا، فقد أقدمتُ عليه بعد الاستخارة، فوجدتُ شابًّا من نفس المدينة التي درست فيها الجامعة، ونظرًا لعدم وجود الأم في المنزل؛ فقد أعطت وسيطة الزواج رقمي إلى أم الخاطب، ليصبح التواصل بيننا، واتفقت معها على عدم إخبار أهلي بأنهم قد تعرفوا عليَّ من خلال "خطابة"، واتفقنا على التواصل بعد يومين، وبعد يوم واحد من الاتفاق، قررت إخبار أهلي بقدوم خاطب؛ كي يستعدوا للضيافة؛ فتحول الموضوع إلى تحقيق، وأخذوا يسألون "كيف عرفونا؟"، فكذبت عليهم وقلتُ بأنهم عرفونا من خلال صديقاتي في الجامعة، فأصرُّوا أن أتصل بهنَّ جميعًا ليتبيَّنوا الأمر، فقلت لهم لا تحرجوني معهن، فزاد الضغط، فاعترفتُ لهم بكل شيء، حينها تغيرت نظرتهم واتهموني بالفجور، وأخبروني بأنهم يفضِّلون دفني عانسًا على أن أتزوَّجَ بهذه الطريقة، وقالوا لي بالحرف الواحد: "أنت تعرضين نفسَكِ ليختاركِ مَن شاء مِنَ الرجال"، ولم يكتفوا بذلك، بل اتصلوا على "الخطابة"، وألغَوا كل شيء، بالإضافة إلى إخبارهم أبناءَ إخوتي وزوجة أخي بموضوعي؛ كي أكون عِبرةً لهم، وأخبروني بالاستغفار، وبأن عبادتي والتزامي دُمِّر كله بسبب هذا الفعل؛ فوقع في قلبي الحزن، ورغم أنني أفهمتهم أن "الخاطبة" لم تأخذ صورتي، وأنه قد تم هذا الأمر بين النساء فقط، فقد أصرُّوا أن كلَّ من يلجأ إلى "خاطبة" إما أن يكون فاجرًا، أو به عيب لعدم تزويجه من بنات عائلته، حاليًّا تشوَّهت صورتي في محيط الأسرة، ووُصِمتُ بـ"الكاذبة" و"صاحبة طريق الشر"، لا أعرف كيف أتصرف معهم، أعلم أنني ارتكبت خطأً في إقدامي على فعل دون مشورة الأهل، لكن ماذا عساي أن أفعل؟ كيف أحاورهم؟ أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعدُ:

أنتِ تواصلتِ مع امرأة، وطلبتِ منها أن تبحث لكِ عن عريسٍ ولم تعطِها صورتكِ، فقط رقم التليفون، فما الخطأ في هذا؟! صحيح أن عدم استئذانهم خطأ، ولكنه ليس جريمة يشوِّهون بها صورتكِ، وليس سببًا ليجعلوكِ عبرةً أمام إخوتكِ، سامحهم الله، ثم بعد ذلك يتهمونك بالفجور، ويتألَّون على الله، فيقولون: إن هذا الخطأ قد دمَّر عبادتكِ والتزامكِ!

 

وفي الحديث الذي رواه مسلم: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَلَّا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ».

 

فمن أدراهم؟ ومن خبَّرهم؟!!

ثم ما الخطأ الذي وقعتِ فيه؟ فيمَ الاستئذان، أم أن الزواج عن طريق الخاطبة نفسه خطأ؟

 

إن كان الأول، فقد تجاوزا في رد الفعل، وفي إلغائهم للزيارة، وإن كان الثانية، فقد جرَّموا عرفًا اعتادته مجتمعاتنا العربية، وليس فيه مخالفة شرعية، فإن لم نَكُنْ نحتكم للشرع ولا للعُرفِ في أفعالنا، فإلامَ نحتكم؟!

 

على العموم هذه لم تكن أكثر من مجرد زيارة، ورؤية شرعية يمكن أن يمرَّ عليكِ منها الكثير قبل أن تجدي زوجًا مناسبًا، فلا تحزني؛ لعل في الأمر خيرًا.

 

أنتِ لستِ فاجرة ولا مجرمة، أنتِ إنسانة طبيعية، تبحث عما خلق الله كلَّ بنات حواء له، فلا عيبَ في هذا، وخطؤكِ بسيط، وكان يكفي التنبيه عليه وتجاوزه، وخاصةً أنه لم يترتب عليه أي ضرر، بل وليس هناك ضرر محتملٌ من ورائه.

 

ثم ماذا بعد؟

لا تجعلي هذا الموضوع يؤثِّر على ثقتكِ بنفسكِ أمام أهلكِ، تكلمي مع كل واحد منهم على حدَةٍ، وحاولي أن تقنعيهم بأن عليهم مساعدتكِ في البحث عن زوج، وأن هذا واجبهم، ثم اجمعيهم بعد أن تكسبي في صفِّكِ العقلاءَ، واجلسي معهم، وكلِّميهم بكل ثقة، طالَما أن الموضوع قد صار يعرفه الجميع، فأنتِ في سنٍّ مناسبة للزواج، وأنتِ تخشين أن تتفلَّت سنوات العمر منكِ في الانتظار، وأن عليهم أن يجدوا حلًّا لهذه المشكلة، فهم المسؤولون عنكِ، ولينظروا للشرع والعرف، وليجدوا طريقةً يُحسِّنون بها فرصكِ في الزواج، فأنتِ لا تقولين لهم: اذهبوا، وائتوني بعريس من السوق، بل تطلبين منهم المساعدة في تحسين الفرص، فقد كان الصحابة يعرضون بناتِهم على مَن يجدونهم ندًّا لهن، وهذا سيدنا عمر بن الخطاب يعرض ابنته حفصة على سيدنا عثمان بن عفان، ثم على سيدنا أبي بكر، فلم يجد منهما قبولًا، ثم شاء الله عز وجل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، لتكون أمَّنا وأمَّ المؤمنين حفصةَ بنت عمر بن الخطاب.

 

لا تخافي ولا تخجلي من المواجهة؛ فأنت طالبة علم شرعي، وتعرفين كيف تعرضين غرضكِ المشروع في إطار شرعي، فإن كانت عادات أسرتكِ تتعارض مع الشرع، فانصحيهم بالتزام الشرع، واستعيني على هذا بالعقلاء في عائلتكِ.

 

ثانيًا: إن كانت أسرتكِ منغلقة، فالحياة منفتحة، وفيها ألف خاطبة تفعل هذا لوجه الله بلا أجرٍ، فاخرجي للحياة، وتعاملي مع الناس، واختلطي بالمجتمع في إطار الشرع، لا تحبِسي نفسكِ بين جدران البيت، انضمِّي لعمل مجتمعي مثل أن تذهبي لدار تحفيظ قرآن، فتنتظمي فيها، وتختلطي بأهل القرآن؛ فهم خيرُ عَوْنٍ في هذا، واستمري، فربما تترقين إلى مُحفِّظة ومعلمة في هذه الدار، أو انظري إلى المجتمع من حولكِ فأنتِ أدرى به، وأعلم مني بكيفية الخروج إلى هذا المجتمع، ولكن كما قلتُ في إطار الشرع، فما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، عسى الله أن يرزقكِ الزوج الصالح.