فسخ الخطبة دون مبرر

شاب كان خاطبًا، وكانت الأمور تسير بشكل طبيعي، وفجأة وبعد موقف طبيعي حدث بينه وبين خطيبته، قررت الانفصال عنه، مدعية أنه كذب عليها ولم يخبرها حقيقة سنه الكبيرة، وهو يحبها، لكنها تأباه، ويسأل: ما الحل؟

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال:

خطبت فتاة مدةَ سنة ونصف، كانت الأمور في أثنائها تسير بشكل طبيعي، وكان هناك حب متبادل بيننا، وكان العُرس مقررًا له أن يكون في يونيو القادم، في آخر أسبوع وقع بيننا خلاف بسبب موقف طبيعي يحدث بين أي اثنين، فكلَّمتها كي أجلس معها، ونتبادل أطراف الحديث؛ ليرى كلٌّ منا ما يضايق الآخر، فلما جلست معها، أخبرتني بأننا لسنا متفقَيْنِ معًا، وذكرتْ مواقف سابقة أرى أنها طبيعية، ثم ذكرتْ لي أنني كذبت عليها فيما يتعلق بالسن، وبأنها عرفت سني الحقيقية من بطاقتي عن طريق الصدفة، وأن فرقَ السن بيننا كبير؛ لذا فإننا غير متفقين، وفسخت الخطبة، رغم حبها لي، حاولت معها وأرسلت وساطات بيني وبينها، لكنها رافضة تمامًا، وأنا أحبها ومتعلق بها، ولا أدري كيف أصنع، بمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فعند التأمل في مشكلتك، تبين لي الآتي:

أولًا: فيما يبدو أن هذه المخطوبة لم ترتَحْ أصلًا للزواج منك بدليلين:

الأول: عدم تحمُّلها الاختلافات المعتادة معك، وتضخيمها لها؛ فالمُحبَّةُ الصادقة لا تفعل ذلك، بل تلتمس لك الأعذار، وتقبل اعتذاراتك.

 

الثاني: رفضها النهائي للزواج منك بحجة فارق العمر، وإلَّا فالمقتنعة بك حقًّا لا تُلقِي لهذا الفارق بالًا، خاصة أنه يبدو غير كبير؛ ولأنها قد رأتك وجلست معك.

 

ثانيًا: وأيضًا قد تكون هي من النوع سريع الغضب بطيء الرضا، أو من النوع الحساس جدًّا الذي يُضخِّم الأمور، ويعطيها أكبر من حجمها، ولذا فهذه النوعية من الناس تكره من تتعامل معه كرهًا شديدًا لأسباب تافهة.

 

ثالثًا: وأيضًا قد تكون كرِهتْكَ بسبب كلام البعض في عمرك، وما حصل بينكما، والنوعية الإسفنجية التي تتقبل كلام الآخرين في القرارات المصيرية لا تصلح للأمور العظيمة مثل الحياة الزوجية؛ فقد تُتْعبُكَ كثيرًا لو حصل الزواج.

 

ولِما سبق، فوصيتي لك بالآتي:

1- بدلًا من الأسى عليها وملاحقتها بالمحاولات، اعتبر إعراضها خيرًا عظيمًا ساقه الله لك.

 

2- وتذكَّر قوله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

 

3- واسترجع متذكرًا قوله سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].

 

4- وأن تتذكر ما ورد في الحديث التالي:

عن أم سلمة، أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلمٍ تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله:  {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها» قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (رواه مسلم).

 

5- ومما يسليك أن تتذكر أن كل الذي حصل قدرٌ كتبه الله عليك، وأن هذه الخطيبة ليست هي الزوجة المكتوبة لك؛ لقوله سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]؛ قال علقمة رحمه الله: "هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من الله، فيصبر ويحتسب".

 

فإذا علِمتَ بكل ما سبق، وأيقنت به، فإن حزنك سيتبدل إلى فرح وسرور، وستحمَدُ ربك سبحانه، ولن تطلبها مرة أخرى أبدًا، بل لو عادت تعتذر، فسترفضها نهائيًّا، وستُشمِّر عن البحث عن زوجة صالحة، فمع البحث، أكْثِرْ من أمور مهمة جدًّا لتيسير الرزق؛ وهي:

1- الدعاء.

2- والاستغفار.

3- والاسترجاع.

4- والصدقة.

5- ولا تنسَ السؤال الدقيق عن أخلاق المخطوبة وعن أخلاق أمها.

6- والاستخارة.

 

حفِظك الله، وأبدلك خيرًا منها، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.