التخيير بين العمل وحلق اللحية

شاب يعمل مطوِّر برامج، وقد هددته أمُّه بحرمانه من العمل على الحاسوب إذا هو لم يَحلق لِحيته، فحلقها، ثم ثاب إلى رشده بعد أسبوع، وتعهَّد بأنه لن يستعمل الحاسوب حتى تنمو لحيته، لكنها لم تنمُ، ويسأل: هل المال الذي اكتسبه حرام؟ وما حكم حلقها في مثل تلك الحالة؟

  • التصنيفات: فتاوى وأحكام -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب في السادسة عشرة من عمري، أعمل مطور تطبيقات، بدأت مشكلتي منذ شهرين تقريبًا عندما كنت في إجازة الدراسة؛ فقد أمرتني والدتي بحلق لحيتي - وهي ما زالت تنمو - أو أُحرم من استعمال الحاسوب في عملي، وأنا على علم بأن حلق اللحية حرام، وأنه يجوز حلقُها فقط عند الضرورة كالقتل والتشريد، والسجن والتعذيب، فللأسف قمتُ بحلقها خشية ألَّا أستعمل الحاسوب من أجل عملي، وقد عملت مدة أسبوع واحد، ثم تراجعت ووجدت نفسي حصلت على مالٍ بطريق المعصية، فقررتُ أن أمنع نفسي من استعمال الحاسوب حتي تنموَ لحيتي كاملة، وبعدها أمنع نفسي 36 ساعة، وهي المدة التي عملت فيها فترةَ حلقي للحيتي، فقد قمت بحلق لحيتي من قبلُ، ولكني لا أتذكر هل هددتني أمي بأنها ستمنعني من استعمال الحاسوب أو لا؛ لذا قررت إضافة كل تلك الساعات إلى بعضها، وأيضًا قررت أن أمنع نفسي من التلفاز والهاتف؛ لأنها قد هددتني بالحاسوب من قبل، وعندما امتنعت، هددتني بالتلفاز - مع أني أستعمله في التعلم - والهاتف، وأنا في هذه الأيام تعبت كثيرًا، ولا أعرف ماذا أفعل؛ حيث إن لحيتي لم تنمُ، فقررت منذ أسبوع أن أستعمل التلفاز دون الحاسوب وذلك لمدة 36 ساعة؛ حيث إنها خصصت في كلامها الحاسوب فقط، علمًا بأن أمي كانت تخصص لي ست ساعات في اليوم، تخيِّرني فيها بين الحاسوب والتلفاز والهاتف، والآن تخصِّص لي أربع ساعات في اليوم؛ فأستعمل منهما ساعتين للتلفاز، 

وملخص سؤالي: هل أنا على حق؟ وماذا يجب أن أفعل لأكفر عن هذا الذنب؛ فلقد تعبت كثيرًا، فأنا أخاف أن يكون مكسبي من عملي- علمًا بأني لم أكسب منه حتى الآن - والعلم الذي أتعلمه حرام؛ لأنني أقمتهما على حرام ومعصية، وهي طاعة المخلوق في معصية الله عزَّ وجلَّ؟ فأرجو الإفادة، وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

حلقُ اللحية حرام؛ لِما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين، وَفِّرُوا اللِّحَى، وأحْفُوا الشَّوَارِبَ».

وقد نُقل الإجماع على ذلك؛ قال الإمام ابن حزم رحمه الله: "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثْلَةٌ لا تجوز، وكذلك قال الإمام أبو الحسن القطان رحمه الله: "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثْلَة لا تجوز»، فإن اضطُر الإنسان لحلْقِ لحيته، جاز له ذلك كسائر المحرمات؛ وقد قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].

 

ومن الضرورات أن يُجبَرَ الإنسان على ترك العمل؛ بسبب إطلاق لحيته، فيجوز له حينها حلق لحيته، بشرط ألَّا يكون هناك عمل بديل، وألَّا يكون عنده من المال ما ينفق به على نفسه وعلى أسرته إن كان متزوجًا، فإن وُجِد عمل بديل، أو كان يمتلك ما ينفق به على نفسه وأسرته، فلا يجوز له حينها حلق لحيته، بل يترك هذا العمل ويذهب إلى غيره، حتى ولو كان الآمر له بحلق لحيته والده أو والدته؛ لأن طاعة الله تعالى مُقدَّمة على طاعة المخلوق أيًّا كان هذا المخلوق.

 

ولذا؛ أخي الكريم إن كنت من أصحاب الضرورة التي ذكرناها، فلا إثمَ عليك، وإلا فعليك أن تتوب، وأن تُطلِقَ لحيتك، وأنت في ذلك تقنع والدتك باللطف واللين.

 

وأما بالنسبة للمال الذي اكتسبته جراء هذا العمل الذي أُجبرت فيه على حلق لحيتك، فإنه مال حلال ما دام أصل العمل حلال؛ لأن معصية حلق اللحية معصية منفصلة عن هذا العمل، فيبقى العمل حلالًا كما هو، والمال المكتسب منه يكون حلالًا.

 

وفقنا الله وإياكم إلى طاعته.

 


[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (5892)، ومسلم (259).

[2] «مراتب الإجماع» (ص: 157).

[3] «الإقناع في مسائل الإجماع» (2/ 299).