حياتي الزوجية تنهار

امرأة متزوجة كانت تنعَم بالحب والسعادة مع زوجها، لكنها كانت تفتقد نعمة الأولاد، فتزوج زوجها عليها، وهنا بدأت مشكلتها؛ إذ أصبحت حياتهما معًا يملؤها الشك وما يشبه التحقيقات البوليسية، وتريد أن تعود لحياتها القديمة المليئة بالحب، وتسأل: ما الحل؟

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - استشارات نفسية -
السؤال:

أنا امرأة متزوجة منذ أحد عشر عامًا، أبلغ من العمر الرابعة والثلاثين، وزوجي يكبرني بسبع سنوات، وقد تزوجنا عن حبٍّ بدأ معنا منذ نعومة أظفارنا، لم يرزُقنا الله طول تلك السنوات أولادًا، فقد كنتُ أُنزل الجنين قبل أوانه دائمًا، ولَما أنجبتُ لم تَدُمْ حياتهم وماتوا، وقد كنت أعرض عليه الزواج من امرأة أخرى، وأيضًا كان أصدقاؤه وبعض أفراد أسرته يعرضون الأمر نفسه، لكنه كان يقول لي: لا، أريدُ ذرية منكِ، وقد كنا مثالًا للزوجين المثاليَّيْنِ في الحب والتفاهم، حتى إن الناس كانوا يتحاكون بانسجامنا، ومنذ عامين تزوج بامرأة أخرى دون علمي، وقد حملتُ في توءَم (فقدتهما فيما بعدُ) بعد شهرين من زواجه بها، وتوفي والدي في الشهر الثالث، وعلمت بزواجه وأنا في الشهر الرابع، فساءت حالتي النفسية، وشعر هو بالندم، وفعل كل شيء من أجل إرضائي، حتى إنه اضطُرَّ لظُلمها، ولم يكن يذهب إليها ولا يكلمها في تلك الفترة، وقد أخبرني بأنه غير منسجم معها، ولكنه تزوجها لأنها وافقت على شروطه؛ وهي أن يساعدها في تربية بناتها، وتنجب له طفلًا، ولا تسأله عن عدل في المبيت، وقد كان يقسم لي دائمًا أنه لا يحب غيري، وأنه ليس بينه وبينها إلا المعاشرة بالمعروف، وليس حبًّا، ومع الوقت رضيت بالأمر الواقع، وتعاملت معها، ورأيت حقًّا أن لا حبَّ بينهما ولا توافق، أنا حاليًّا قاطعتها؛ لأن تعاملي معها يسبب لي المشاكل، وبعد أن أنجبتْ وبدأ ابنه منها يكبر، ويحتاج لوالده، فقد عزم زوجي على العدل في المبيت بيننا، وقد رضيت؛ حتى لا يأتي يوم القيامة وشِقُّه مائل، ولأنني لا أرضي له بالتقصير في حق أولادي، المشكلة أنني أصبحت أضيق بزوجي، وأصبحت سريعة الغضب، وأشك في كل تصرفاته، وأبكي دائمًا وأثور، واتهمه بأنه لا يحبني، ودائمًا أتحدث عن زوجته الثانية، حتى إنه لم يعُدْ يُطيق البيت ويتمنى أن لو عادت حياتنا القديمة، وأنا لا أستطيع التوقف، فبمجرد أن أراه، ينزل العبوس على وجهي، وأبدأ بالتحقيقات، أخبروني ماذا أفعل كي أُعيدَ حياتي كما كانت ملآنة بالحبِّ والتفاهم؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه؛ أما بعدُ:

فأختي الغالية، لا أعلم لماذا نهلك أنفسنا بتسليمها للأوهام؟ ولماذا ندفع تضحيات كبرى تستغرق العمر مع أن ما خسرناه لا يستحق ذلك الثمن المدفوع، وحتى لو كسبنا فالمكسب لا يستحق كل ما أنفقناه؟

 

زوجكِ رجل فاضل صبور، أسأل الله أن يُحيَيه حياة طيبة بما صبر عليكِ، يا عزيزتي، إذا قدَّم لي أو لكِ رجلٌ غريب في قطار معروفًا كبيرًا، تظل النفس تَتُوقُ لردِّه، وتدعو له، وتحكي موقفه للجميع تخليدًا واستجلابًا للدعاء له بالخير، واعترافًا بالجميل.

 

فما بالُكِ بهذا الرجل الذي صبر على حرمانكِ له بِقَدَرِ الله من الذرية، وأحبَّكِ منذ الطفولة، ولم يقدم عليكِ أحدًا، ولو أن أخاكِ هو الذي في موقفه، وحُرِم الولد، لَسَعَيْتِ أنتِ بنفسكِ في زواجه دون هوادة، وبكل جرأة!

 

زوجكِ لم يأتِ بمنكرٍ يستحق عليه كل هذا العَدَاءِ والاختبارات، والمراقبات البوليسية التي تعيشين فيها وتحيطينه بها!

 

ثم تعالَي نُحكِّم عقولنا، أنتِ ماذا خسرت بزواجه؟

سَلِي نفسكِ وأجيبي، ستجدين أن ما خسرتِهِ مجرد ساعة من نهار لا أكثر، فلماذا تحرقين نفسكِ وتحرقينه معك؟

 

لولا طِيْبُ أصْلِهِ وحبُّهِ الصادق لكِ، لترككِ كما يفعل كثير من الرجال، بعدما يكثُر نسلُهم من الثانية، ولكنه الحمد لله رجلٌ ذو خُلُقٍ، يحتفظ بكِ بل ويضحي بمصيره لأجل سعادتكِ!

 

هل يكون منكِ جزاء الإحسان الإساءةَ؟

لا ننكر على المرأة الغَيرة، بل ننكر طَمْسَ العقل الذي ميَّزنا به الله عز وجل.

 

بعد أن أذقتِهِ مرَّ العناد والشك والتحقيقات البوليسية، وأجبرتِهِ على إغضاب ربنا بعدم العدل بينكما - كان لا بد من وجود كَدَرٍ في حياتكما، نتيجة الرضا بظلم زوجته الثانية، بل الحرص عليه والسعادة به، اعتبري هذه الفترة الكئيبة من حياتكِ هي عقاب الله لكِ وله على ما حرصتم عليه من ظلمها قولًا وفعلًا وتقصيًرا، وتوبَا إلى الله بصدقٍ، يغفر لكما، ويعيد لكما سعادة قلبكما إن شاء الله.

 

اسمعي يا طيبة، أنتِ الآن أمامكِ فرصة ذهبية، وهي الوقت، حتى يأذن الله لكِ بالإنجاب، كوني أنتِ عروسه التي لم يتغير عليها شيء، ولم يشغلها عنه شيء، فالثانية مشغولة بصغارها، والحمل والرضاعة، وهذه أرزاق يقسمها الله عز وجل، ويرزق من يشاء، ويمنع من يشاء، فولدٌ فاسدٌ الحرمانُ منه رحمة.

 

المهم، استعيدي سنواتكم الأولى، وتجاهلي زوجته وأولاده، وعيشي معه بحبٍّ وسعادة، ولا تجعلي فقدانكِ لنعمة واحدة (الأولاد)، يُفقدكِ الاستمتاع بباقي نِعَمِ الله عليكِ.

 

عليكِ ما يلي:

أولًا: عاهدي الله ألا تساعديه على ظلمهان وألَّا تفرحي بتقديمه لكِ عليها، واكتفي بحقكِ فيه فقط لا زهدًا في قربه، بل حِسبةً لله عز وجل.

 

ثانيًا: لا تراقبي ولا تتجسَّسي لمعرفة أخبارها، وطريقة معاملته لها، ومنزلتها في قلبه، فكلُّ هذا تجسُّس حرام في الأصل، ثم إنه يجعل قلبك يتآكل حزنًا وغَيرةً، ولن ينفعك ذلك في شيء، فالجهل بكثير من الأمور رحمةٌ للقلب من الانفعال، واستجلاب الحزن، وفقد السعادة.

 

ثالثًا: لا تكشفي تفاصيل حياتكِ لأحدٍ؛ سواء كانوا نساءً أم رجالًا، أهلًا أم غرباءَ؛ لأنهم كلما رَأَوكِ سألوكِ عما يُثير أحزانكِ، وكل واحد تطوَّع بنُصح أقل ما يكون، فهو يثير أحزانكِ، ويُشعل غضبكِ، فيتسبب في نكد أنتِ في غِنًى عنه.

 

رابعًا: اعملي لنفسكِ برنامجًا تقضين فيه وقتكِ الذي سيكون هو فيه هناك عند أولاده، تفقَّدي مهاراتكِ ونَمِّيها أو تعلَّمي جديدًا، وأنصحكِ بتعلم التجويد وحفظ القرآن، أو مراجعة الحفظ.

 

خامسًا: كلما وجدتِ نفسكِ تشتعل غضبًا، توضَّئي، واذكري ربكِ، ومارسي أيَّ نشاط يُذهِلكِ عن الغضب الذي يتلبس بكِ.

 

يا عزيزتي، دَعْكِ من ثقافة الأفلام، وأن الزوجة الثانية غول، فهي لم تقبل بهذا الحال، إلا لأنها اضطرت لذلك، ومع ذلك يشترط عليها زوجكِ عدم العدل وتوافق راضية، ماذا لو وضعتِ نفسكِ مكانها؟

 

تفقهي في دينكِ، وتعلمي سنة نبيكِ، واستعيذي بالله من الشيطان، واقتُلي كل فراغ في حياتكِ، ستجدين كل الأمور تعدَّلت بقدر الله إن شاء الله.

 

الآن تواصلي مع زوجكِ بالرسائل، فهي أقل خطرًا من المواجهة، وكوني به شفيقة ردًّا لإحسانه عليكِ، وعِدِيه بأن تكوني كما يتمنى، وجدِّدي حياتكِ ونظام شقتكِ، ولون شعركِ وبعض ملابسكِ، اسْعَدي وأسْعِدي، تهدأ نفسك وتبدأ الحياة تستقر معكِ، ويَعُدْ يُحبُّ الحياة معكِ، ثم ساعديه في تربية أولاده، ما أدراكِ ربما هم من يتحملونكِ في كِبركِ، فكل خير تغرسينه فيهم سيُرَدُّ إليكِ غدًا بإذن الله، وفوِّضي أمركِ لله، وتقبَّلي أولاد حبيبكِ وزوجكِ كأنهم أبناء أخيكِ على أقل تقدير، سيرزقكِ الله من فضله فهو الرحمن الرحيم، فإن أنجبتِ، فهذا من فضل ربي، وإن لم يُقدِّر الله لكِ ذلك، فقد آتاكِ أولاد بدون تعبٍ منكِ، أخلصي لهم ولزوجكِ ولن يُضيِّعكِ الله.