هل أختي المصابة بالهلاوس شؤم على بيتنا؟

فتاة لديها أخت مريضة نفسيًّا ومصابة بالهلاوس، ولا تعتني بنظافتها الشخصية، وترفض أن تذهب إلى أي طبيب، وهي تسأل: هل هي شؤم على بيتنا؟ إذ إن سن الزواج قد تأخرت بها.

  • التصنيفات: استشارات طبية -
السؤال:

مشكلتي أن أختي الكبرى مريضة نفسيًّا، لكنها ترفض فكرة أنها مريضة؛ ومن ثَمَّ فهي ترفض أن تذهب إلى أيِّ طبيب نفسيٍّ كي تُعالَج؛ فأصبح أمرُها مشكلة؛ فهي لا تعتني بنظافتها الشخصية، ولا بنظافة الثياب التي تلبسها، حتى إن بعض أقربائنا يشمئزون من الدخول عندنا؛ بسبب شكلها وقلة نظافتها، وهي مصابة أيضًا بالهلاوس؛ فتأتي لها هلاوسُ بأن فلانًا يغتصبها، أو أن أخاها يغتصبها، وتتشاجر معه على هذا الأساس، نحن عاجزون عن إيجاد حلٍّ لمشكلتها، سؤالي: هل وجود المريض النفسي في البيت ينعكس على أهل البيت؛ بمعنى: هل يجعل حال البيت واقفًا؟ أريد أن أعرف صدق هذا الأمر من عدمه؛ فأنا أعاني تأخر الزواج، فهل من الممكن أن تكون هي السبب فيما أنا فيه؟ مع العلم أنها لا تتوضأ ولا تصلي ولا تصوم.

الإجابة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ أيتها السائلة:

أن لديكِ أختًا مريضة نفسيًّا، ووصل بها الحال إلى عدم الاهتمام بنفسها؛ في نظافتها وشكلها، ولا تقيم صلاتها ولا طهارتها؛ فاستكرهتم حالها والزوار من أقاربكم، وتسألين: هل هذه الحالة تنعكس على أهل البيت؟ وبيَّنتِ في رسالتكِ أنكِ تأخرت في الزواج، وهل هذا له علاقة بحالة أختكِ.

 

بدايةً أسأل الله أن يشفيَ أختكِ من مرضها، ويعينكم على تمريضها، والعناية بها وتحملها، والصبر عليها، حتى يكتب الله لها فرجًا ومخرجًا، وأن يعظم أجركم، ويرفع منزلتكم.

 

يبدو - يا أختي الكريمة - أنه لم يتضح لكم الفرق بين المريض النفسي والعقلي (الجنون)، وإليكِ بعض الفروق لعل ذلك يتضح في تحديد حالتها:

1- المريض النفسي يدرك مشكلته ويسعى لحلِّها، بينما المريض العقلي مشكلته في التفكير؛ فهو لا يفكر في حل مشكلته.

 

2- يمكن إقناع المريض النفسي أنه بحاجة للعلاج، أما العقلي، فيرفض ذلك، بل لا يعترف أصلًا بمرضه، مما يتسبب في تدهور الحالة.

 

3- المريض النفسي يستوعب أن ما أصابه غير حقيقي، ويمكن علاجه، بينما المريض العقلي يصدق ذاته، ويصل به الأمر إلى الهلوسة والتخيلات ويظن أنها حقيقة.

 

4- يكثر لدى المريض العقلي الشكُّ، ويتصور أن الجميع يحاول الضرر به، ما يجعله في موقف عداءٍ مع الآخرين، وقد يصل به الحد للأذية، مهما كانت درجة قرابتهم منه.

 

5- من العلامات التي تظهر على المريض العقلي التحدث بسرعة وبكلام فيه غرابة؛ ومنها على سبيل المثال: لا تكاد تفهم ما يقول في الغالب، يتلفظ بجُملٍ مُشوَّشة، ينتقل من موضوع إلى موضوع بغير منطقية.

 

6- ينتاب المريض العقلي تغيرٌ في السلوك، يحب العزلة، والانسحاب، وربما يصدر منه الضحك بلا سبب.

 

7- المريض العقلي (الجنون) سريع الانفعال لأتفه الأسباب، ويُلاحَظ عليه التوتر، وأحيانًا يقف موقفًا عدائيًّا وبشدة تجاه الآخرين.

 

8- المريض العقلي لا يهتم بشعائر دينه، وقد يصل به الحد إلى الكفر، وربما يكون العكس فيما يظهر للآخرين في التمسك بشعائر الدين.

 

فيبدو - والله أعلم - أن حالة أختكِ حسب ما بينتِ في سؤالكِ، تنطبق عليها حالة المريض العقلي (الجنون)، ويبدو أن حالتها أُهملت بداية من العلاج، وتحولت من مرض نفسي إلى مرض عقلي؛ ولذا فالنصيحة لكِ - أيتها الكريمة - أن تحتسبي الأجر من الله تعالى في رعاية أختكِ، والسعي لخدمتها بالآتي:

1- البحث عن العلاج لهذه الحالة، إما بالمستشفى والدواء، أو بالرقية الشرعية التي يُرقى بها المريض لمثل هذه الحالة من قِبلِكم، أو البحث عن راقٍ أمين صاحب تقوى ودين وتوحيد، فيُطلب منه رقيتها.

 

2- رعايتها والاهتمام بشوؤنها، والصبر على أذاها، وتحمل ظروفها، فإنها في أمسِّ الحاجة لكم ولرعايتكم، واعلمي أن أجر رعاية المريض عظيم؛ حيث يتمثل في الإحسان إليه، والقيام بحوائجه وطلباته، وقد وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عند زوجته - وهي بنت رسول الله - ليُمرِّضها، ويقوم بعنايتها، وتخلَّف عن معركة بدر؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكَ أجرَ رجلٍ ممن شهد بدرًا وسهمه» [رواه البخاري].

 

3- ومن الثواب للقيام برعاية المريض نيلُ محبة الله، وكفى بها شرفًا وفضلًا؛ قال المولى جل وعلا: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، فكلما أحسنتِ، أحسن الله إليكِ وأحبكِ، ومن ذلك: الفوز برحمته، والقرب منها: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، والله لا يضيع أجركِ وإحسانكِ؛ {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30]، فخدمتكِ مرصودة، وحسناتكِ محسوبة، ومنها أنكِ تُفرِّجين عن أختكِ كربة؛ فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُربة، فرَّج الله بها عنه كربة من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة»  [رواه مسلم].

اعلمي - أيتها الفاضلة - أنه إذا ثبتت حالة أختكِ بالمرض العقلي (الجنون)، فإنها غير مكلفة ومرفوع عنها القلم، فليس عليها صلاة ولا صوم، ولا ثواب ولا عقاب لفقد العقل، فما يقع منها من بعض المعاصي ليس فيها إثم عليها؛ لعدم تكليفها ولعدم عقلها، فلو سبَّت، أو شتمت، أو فعلت شيئًا من المحرمات الأخرى، فليس عليها إثم، ما دامت مسلوبة العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يُفيق».

 

أما عن ظنِّكِ أن مرضها يؤثر على حياة أهل البيت، ويكون شؤمًا عليهم كما تظنين، ويؤخر زواجكِ، فكل هذا من تلبيس الشيطان، ومن التشاؤم والتطير؛ فالتشاؤم من الشخص المريض يتنافى مع أخلاق الإسلام، فقد علَّمنا ديننا احترام الناس، وحثَّنا على التكافل في مواجهة الشدائد والجوائح، وأمرنا بعيادة المريض، والدعاء له وتذكيره بما له عند الله من الأجر والثواب؛ حتى يكون ذلك عونًا على مرضه؛ فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من عاد مريضًا، لم يحضُرْ أجلُهُ، فقال عنده سبع مِرارٍ: أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيَك، إلا عافاه الله من ذلك المرض» [رواه أبو داود بسند صحيح]، وعنه رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعُودُه، قال: «لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله» [رواه البخاري].

 

وحتى تطردي هذه الوساوس وهذا التشاؤم عليكِ بالآتي:

1- التوكل على الله، واليقين بأنه لا يصيب العبد إلا ما قدَّره الله له؛ فما شاء الله كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، وأقدار الله جارية على العبد شاء أم أبى، فلا رادَّ لقضاء الله، فالله وحده النافع والضار؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].

 

2- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ فالتشاؤم من نزغ الشيطان الذي يُلقيه في قلب ابن آدم، ويوسوس به في نفسه؛ لِيحزنَهُ ويُوقعه في براثن الشرك، ووحْلِ الضلالة؛ قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].

 

3- الدعاء: فالدعاء من أعظم القُرُبات، وأفضل العلاج لكل المعضلات والأزمات التي تقع بالمؤمن، فإذا شعر المسلم بشيء من التشاؤم في نفسه، فليتضرع إلى الله تعالى أن يُذهب عنه ما يجد، وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا العلاج النافع لطرد التشاؤم؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن ردَّتْه الطِّيَرةُ من حاجة، فقد أشرك» فقالوا: يا رسول الله، ما كفارةُ ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم: «اللهم لا خيرَ إلا خيرُك، ولا طَيرَ إلا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك» [رواه أحمد بسند صحيح].

 

4- عدم الالتفات إلى الشعور بالتشاؤم الذي يَعْرض للنفس، فالنفس البشرية عُرضة لمثل هذا الشعور، لكن المؤمن لا يلتفت إليه، ويطرده بالتوكل على الله، وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا؛ فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، إني حديث عهدٍ بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منَّا رجالًا يأتون الكهان، قال: «فلا تأْتِهم» قال: ومنا رجال يتطيَّرون، قال: «ذاك شيءٌ يجدونه في صدورهم، فلا يصدَّنَّهم» (رواه مسلم).

 

5- وأخيرًا عليكم بالالتزام بطاعة الله تعالى والمحافظة على الصلوات، وعلى أذكار الصباح والمساء، وأن يكون البيت عامرًا بذكر الله تعالى، وأسأل الله تعالى أن يشفيَ أختكِ، ويكتب لكم أجر رعايتها وتمريضها، وأن يرزقكِ الزوج الصالح والذرية الطيبة.