إرشاد الشرع في التعامل مع العصاة
سائل يسأل عن البلاء الذي ابتُلي به المجتمع، من المعاصي الظاهرة، ولا سيما في الأقربين، ويسأل عن كيفية التعامل مع العصاة عمومًا، والأقربين خصوصًا.
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كثيرًا ما يتبادر إلى ذهني حين نختلط بأقربائنا ومَن حولي من أهل بيتي، إذا ما رأيتُ بعض المنكرات والمعاصي الظاهرة منهم - يروادني سؤال: كيف أتعامل معهم؟ كيف أجالسهم ولا أتأثر؟ هل أقاطعهم وأتجنب مجالسهم إن لم أستطِعِ الإنكار، سيما إذا سبق وأنكرت عليهم كثيرًا، ويعلمون حكم الشرع، ولا يزالون مُصرِّين على ما هم عليه؛ لأنهم لا يريدون النصيحة، ويستثقلون مجالستي؛ لكثرة إنكاري لهم كلما رأيت منهم ذلك؟ وسأضرب مثالًا: في مجتمعاتنا النسائية بُلينا باللباس العاري والعباءات المتبرجة، وهذا يصيبني بالحيرة: كيف أصنع؟ لم يَعُدِ الكلام يجدي نفعًا، وإن سكتُّ، ظنُّوا سكوتي موافقة مني على ما هم عليه؛ فتجرؤوا عليَّ من ثَمَّ، وأخاف إن أنا جالستهم ورأيتُ منكراتهم أن أصيرَ إلى ما آلوا إليه؛ فيضيع ديني، ويرقُّ إيماني، وقد ذُكر في القرآن كيف التعامل مع المنافقين والكفار، لكن لم يُذكر كيف نتعامل مع العصاة من المسلمين، وخاصة الأقارب، أرشدونا بجواب مفصَّل مأجورين؛ فكم نحتاج لفهم ذلك، حتى نكون على بينة من أمرنا فنتصرف ببصيرة!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك هو الآتي:
1- ما تلحظه من كثرة المنكرات.
2- غيرتك وتألمك من هذه المنكرات.
3- خوفك على نفسك من التأثر بها، وقبول نفسك لها.
4- وأخيرًا سؤالك عن كيفية التعامل مع المنكرات وأهلها.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: تشكر كثيرًا على غيرتك وتألمك من رؤية المنكرات، وهذا هو الواجب على كل مسلم.
ثانيًا: يجب على من رأى منكرًا أن ينكره بإحدى درجات الإنكار الثلاثة حسب الاستطاعة؛ وهي: اليد، واللسان، والقلب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فلْيُغَيِّرْهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، وفي رواية: ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) (رواه مسلم).
ثالثًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة من سمات هذه الأمة العظيمة؛ أمةِ الإسلام؛ لقوله سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].
رابعًا: قولك: "إن الشريعة لم توضح كيفية التعامل مع العصاة" ليس صحيحًا، بل قد وضحته كثيرًا في القرآن والسنة النبوية؛ ومن ذلك الأدلة التي ذكرتها سابقًا، وقوله سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، فالواجب معهم دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة مرارًا مع الدعاء لهم.
خامسًا: فإن لم يستجيبوا، فلا تيأس أبدًا من هدايتهم، واستمرَّ في دعوتهم.
سادسًا: ومَن خشيت مِن ضررهم على دينك، فمخالطتُهم تكون حسب الحاجة وعند الضرورة.
سابعًا: هجر العاصي ليس مشروعًا دائمًا، وإنما هو بحسب الحاجة، ومع من يُتوقَّع نفعه معه بإذن الله.
ثامنًا: ينبغي أن يعرف أهل المنكرات تضايقك منها، وعدم إقرارك لهم عليها.
تاسعًا: إياك والتعاليَ عليهم واحتقارهم، بل الواجب الشفقة عليهم ودعوتهم بلطف، مع الحكمة، وأن تحمد الله الذي هداك، ولم يجعلك مثلهم، وأن تتمنى لهم مثلما عندك وأكثر منه.
عاشرًا: في مثل هذه الظروف، احرص - رعاك الله - على مُثبِّتاتِ القلوب ومقويات الإيمان التي منها:
1- تزويد نفسك بالعلم النافع، وخاصة علم التوحيد.
2- والإكثار من العبادات، خاصة الصلاة، وقيام الليل.
3- والدعاء، خاصة سؤال الله الثبات والإخلاص.
4- وتلاوة القرآن.
5- والإكثار من ذكر الله سبحانه.
حادي عشر: إذا فعلت ما سبق بصدق وإخلاص، فأبْشِرْ بالخير، ولا تُحمِّل نفسك ما لا تُطيق من الهمِّ والغمِّ بسبب أحوال بعض الناس؛ لأن الهداية ليست بيدك، بل السبب فقط بيدك، والهداية من الله سبحانه؛ فالله سبحانه قال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56].
حفظك الله، وزادك غَيرة في حكمة، وثبتك على طاعته.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.