الحقد والمكائد بين زملاء العمل

وكيلةُ مَدرسةٍ عُيِّنت حديثًا، تشكو زميلتها التي تغيَّرت في معاملتها معها منذ أن عُينت في المنصب الجديد، وأصبحت تنصب لها المكائد، وترفض التعاون معها، وتسأل: ما الحل؟

  • التصنيفات: فقه المعاملات - استشارات نفسية -
السؤال:

أعمل وكيلة قائمة بعمل المدير في مدرسة أهلية، ولي زميلة تعمل سكرتيرة، وقد كنت في العام المنصرم مشرِفة، وبسبب خروج الوكيلة السابقة؛ عُيِّنتُ وكيلة لهذا العام، وقد كانت تلك السكرتيرة على علاقة جيدة معي، حتى إذا بدأنا ترتيبات العمل في بداية السنة، فُوجئتُ بتغيرها في معاملتي، فإذا طلبت منها طباعة أو تنسيق جداول، فإنها تتجاهلني، ولا تجيبني إلى طلبي إلا على مَضَضٍ، ولا ترد أو تفتح رسائلي على الواتس، ولا ترد عليَّ على الهاتف، وأنا مع ذلك أعاملها بكل احترام، رغم أنني أتألم وأسأل نفسي عن السبب في تغير معاملتها لي، وأقوم في الأمر وأقعد، هل أخطأت في حقها ... هل ...؟

إذا حاولت أن أستشيرها، فقولها: لا أدري، أنتم أدرى، حاولت التقرب منها، وهي تحاول التهرب مني، وإذا تجاهلتها كما تتجاهلني، فإنها تختلق أي موضوع للحديث معي، لكن باختصار شديد، وتعود كما كانت، وتقول - فيما تقول: "أنتِ تجلسين في مكتبكِ وأنا في مكتبي، ولا تدخل لي في عملكِ، ولا تدخل لكِ في عملي"، والمعروف أن العمل تكامليٌّ، ونجاح المدرسة يعتمد على تعاون الجميع، وقد أخبرتُها بذلك، لكن دون جدوى، ومما تفعله أيضًا أنني إذا أصدرت أي قرارٍ، فإنها تحاول إلغاءه، وبأسلوب "من تحت لتحت" عن طريق مدير المدرسة؛ ما يجعلني أصطدم مع المدير،

سؤالي: كيف يكون التعامل مع زميلتي هذه؟ رغم أني أخبرت مدير المدرسة لكن دون جدوى، فلم يتكلم معها بشيء؛ حيث إن اعتمادهم المالي والأكاديمي عليها، وكرامة الشخص لا تنازُلَ عنها، لكن لماذا تعاملني هكذا؟ هل هي غَيرة أو حقد أو ماذا؟!

يشهد الله أني أُكِنُّ لها كل الود والاحترام والتقدير، وصارحتها بذلك، بل وعاتبتها وقلت لها: ما الذي جرى مني حتى تكون هذه المعاملة؟ ولكنها تتهرب، بارك الله فيكم وحفظكم، أريد أن تنصحوني كيف أتعامل معها؟ وكيف أردُّها إلى ما كانت عليه؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فإن الحسد وما يتبعه من خصام وتباعد وتشاحُنٍ كثيرًا ما يحدث بسبب الترقيات وصعود موظف لموقع الرئاسة فوق زملائه.

 

ذات مرة تم ترقية موظف في شركة لمنصب مدير القسم، كانت مفاجأة له ولبعض زملائه، كانوا يتوقعون موظفًا آخر أقدم في المكان، وأكثر خبرة في العمل، حتى إن الموظف صاحب الترقية ذهب لإدارة الشركة، وحاول الاعتذار لهم عن قبول الترقية، وأن زميله هذا أفضل منه وأحق بالترقية، ولكن بعدما شرح له المديرون سببَ اختياره وتفضيله على زميله لهذه الوظيفة، خرج وهو مقتنع تمامًا أن مصلحة العمل تقتضي وجوده هو في الوظيفة، وأن شخصية زميله سوف تتسبب في مشاكل كثيرة، إذا تم إسناد مسؤولية القسم له.

 

المقصود أن الإدارة العليا في أحيان كثيرة ترى ما لا يراه الموظفون، ويكون لها حسابات أخرى، وليس الأمر دائمًا حقوقَ الموظفين.

 

أنتِ قد نِلْتِ ترقيةً، وقد أحسنتِ الإدارةُ الاختيارَ من وجهة نظرها على الأقل، ولكن لأن هناك موظفًا آخر يرى نفسه أحق بهذه الترقية، فربما يضع في طريقكِ العراقيل، ويفتعل المشاكل، ويحاول إثبات وجهة نظره بإفشالكِ.

 

المشكلة ليست في خطأ قد وقعتِ فيه، وبالاعتذار أو توضيح الأمر يتم حل المشكلة، ولكن جوهر المشكلة في واقع هي ترفضه، وربما تسعى لتغييره، من وجهة نظرها ترى أنها أحق بالمكان، ولكن كما أوضحنا ليس بالضرورة أن يكون الحق معها، ولا يلزمُكِ، ولا يلزمُ الإدارة أن تُقنعها بصحة القرار.

 

هنا عدة أمور يجب أن تؤخذ في الحسبان، أولًا أن واجبات الوظيفة أمانة، وأنكِ قد تحملتِ الأمانة ويجب أن تؤديها بحقها، ومن حقها أن تحفظي مقام وهَيْبَةَ المنصب الذي وُسِّدَ إليكِ، فهذا أمر لا يحق لكِ أن تتنازلي عنه بحجة الزمالة وعلاقات الود القديمة.

 

واعلمي أن احترام مرؤوسيكِ لكِ وتعاونهم أمرٌ لا بد منه لاستمرار ونجاح العمل، وحرصكِ على هذا يجب أن يكون أهم من حرصكِ على العلاقات الشخصية.

 

وأهم خطوة للقضاء على هذا التمرد هو أن تثبتي للإدارة ولزملائكِ ومَن قبلهم نفسَكِ وأحقيتكِ وجدارتكِ بهذا المنصب، في سبيل هذا قد تضطرين إلى بذل جهد مضاعف، لكن لا بأس؛ فكل طريق أوله صعب.

 

أنتِ في مرحلة انتقالية، وبمرور الوقت ونجاحكِ في وظيفتكِ سوف يُذعن الزملاء الغاضبون للأمر الواقع، وسوف يضطرون للتعاون معكِ، لكن هذا سوف يحدث في حالة واحدة فقط، وهي أن تقطعي أي أمل لأي شخص في إفشالكِ، وأنكِ ماضية في طريقكِ، وسوف تقهرين أي عقبات تقابلكِ.

 

الخطوة الثانية أن تُجرِّديها من أدوات القوة التي قد تستخدمها ضدكِ، وتستطيع بها تعطيلكِ؛ ومن ثَمَّ تضر بالعمل، قلتِ: إنكِ تطلبين منها مساعدتكِ في طباعة وتنسيق الجداول، فإن كان هذا من مهام وظيفتها، فاطلبي منها الانتهاء من هذا في وقته وبشكل محددٍ وصارمٍ، وإن كان هذا من مهام وظيفتكِ، فقومي به بنفسكِ بدون مساعدتها، أو استعيني بغيرها إن أمكن، علاقتُكِ بها في هذه المرحلة يجب أن تأخذ طابع علاقة عمل صارمة.

 

إن كان هناك بعض الأعمال تقوم بها تعطيها فرصة تخطيكِ، والوصول للرؤساء، فحاولي أن تُقلِّصي من هذه الأعمال ما أمكن، حتى ولو اضطُررت أن تقومي بها بنفسكِ، فالتعب رديف النجاح لا يفترقان، ولن تنجحي بدون تعب أبدًا.

 

ربما يتخيل البعض أن كل هذا بعيد عن مشكلة إصلاح ذات البين، وإعادة علاقة الود والصداقة كما كانت، ولكني أعود وأؤكد لكِ أن شفاء قلبها لن يأتيَ إلا من هذه الطريق، وكل حبال الود ورسائل الصداقة وتنازلاتكِ لو بلغت زَبَدَ البحر لن تُجديَ شيئًا، بل على العكس سوف تُضعِف من موقفكِ؛ ومن ثَمَّ سوف تزيد المشكلة تعقيدًا.

 

هدانا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى، وشفى الله القلوب وأعاد الود إليها برحمته.