أنا وابني المراهق

شاب في مرحلة المراهقة، اكتشفت أمه أنه يُشاهد الأفلام الإباحية، وحاولتْ إصلاحه، لكنها فشلتْ، وتريد نصائحَ تَجعله يَبتعد عن الأفلام.

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي تَكْمُن في ابني المراهق، وانفتاحِه على الإنترنت؛ فكنتُ في البدايةِ لا أُحبُّ أن أفتحَ ذهنه إلى أمور خِلتُه بعيدًا عنها؛ وإذ بي أُفاجَأَ بتصفحه للمواقع الإباحية، اكتشفتُ ذلك عن طريق الصدفة!

 

أخذتُ الهاتف منه مرةً، فوجدتُه يتصفح موقعًا إباحيًّا، ولا أعلم هل تلك هي المشاهدة اليتيمة له أو سبَقها مُشاهدات أخرى؟! وبعد فترةٍ اكتشفتُ أنه يُحادث فتيات على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

نَصحتُه وحذَّرته مِن خطورة ما يَفعل، لكنه لَم يأبَهْ لكلامي، بل لم يَهتمَّ أصلًا، فكان يَعِدُني بعدم التَّكرار، ثم يُعيد التواصُل مع عديمات الشرَف!

 

جعلتُ المشكلةَ أولًا بيني وبينه، ثم جَعلْتُها بيني وبينه وبين أبيه، ولم أُشَهِّر به أو أَفْضَحُه، بل جَعلتُه يَعرف خَطأَهُ بنفسه، وسحبنا منه الجوال مرة واثنتين وثالثة، ولا فائدة!

 

طلَبنا منه ألا يضَعَ كلمة مُرور للجهاز، وهددناه أننا إذا اكتشفنا أنه وَضَع كلمة مرور فسوف نأخذ الجهاز منه! لكنه تَمَرَّد ورفَض، ثم بدأ يتخذ منحى آخر فيجلس عند أصدقاء السوء دون استئذانٍ، ويغيب الليالي ذوات العدد، ويعود بعد إلحاحي الشديد عليه.

 

بدأتُ أحضُر دورات تربوية تدريبية للتعامُل مع المراهِق، لكنني أقف حائرةً أمام سُلوك ولَدي، وأدعو له بالصلاح.

الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أيتها الأم الفاضلة، حياكِ الله.

 

مشكلتكِ يا عزيزتي مشكلةٌ شائعة بين الأمهات، حين تعتقد أن طفلَها الجميل البريء سيبقى بريئًا ولو تغيَّر العالمُ مِن حوله، وسيظل نقيًّا طاهرًا مهما تَلَوَّثت الأجواء، وتَعَكَّرت السماء، ومَن تنعتينهنَّ بعديمات الشرف قد ينعتْنَ ولدك بمثل ذلك وأسوأ؛ لأن المعصيةَ واحدة، وقُبحُها لا يختلف باختلاف الأجناس، ونحن لا ندري مَن الذي أغوى الآخر! فدعينا مِن اتهام الناس، وعدم تقبُّل فكرة أن أبناءنا يتحملون قدْرًا مِن الخطيئة.

 

ولدُك الآن في مرحلةٍ لا يَتَمكَّن فيها مِن تجاهل موضوع كموضوع الجنس والفتيات بشكلٍ عامٍّ، ونحن حين نتكتَّم ونُبالغ في التكتُّم على كل ما يتعلق بذلك، ونراه كـ"مثلث برمودا" نخشى الاقتراب منه، ونَتَجَنَّب الحديث عنه، فإنَّ ذلك لن يُعْجِزَ المراهق أن يَحْصُلَ على ما يُريد مِن معلوماتٍ مِن خلال الأصدقاء أو الإنترنت، وهنا تزيد الفجوةُ القائمةُ بين المراهق ووالديه؛ حيث يُقام حاجز مَتين بينه وبين والديه اللذين لا يَقبلان الحديث عن ذلك، أو تقبل رأيه، أو إجابة ما يَدور في ذهنه مِن أسئلةٍ تبقى في معظم الأحوال بحاجةٍ لِمزيدٍ مِن التوضيح.

 

في هذا العمر أصبح اتخاذُ ولدِك صديقًا ضرورة لا بد منها لإنقاذِه، والصداقةُ بينكما لا تعني مزحةً عابرةً، أو هديةً في العيد، أو مساعدته في الواجبات المدرسية، بل تعني تفهُّم احتياجاته، والتقرُّب إلى نفسه، والتقبُّل العميق لوِجْهَة نظره التي تبدو لكِ سطحيةً أو تافهةً أو بعيدة عن الأدب والأخلاق الحميدة، والاهتمامُ الحقيقي باهتماماته وعدم تسفيه آرائه، أو تشويه أحلامه، أو الحط مِن قدْرِه بأيِّ شكلٍ مِن الأشكال، وإظهار المحبة الفِعلية غير المشروطة بالتزامه بكافة التعاليم، أو انصياعه لكل الأوامر، ثم يأتي النُّصح بعد ذلك في سلوكٍ تربويٍّ حميميٍّ وديٍّ، حتى يكونَ أيسرَ في القَبول.

 

يُؤسفني أنكِ تأخَّرتِ في غرس مراقَبة الله في نفس ولدكِ، وأرجو ألا تُخبريني بأن البيت خالٍ من المحرمات والمشاهد الخليعة ونحو ذلك؛ فالتزامُكم بإخراج مصادر الفُحش مِن البيت لا علاقةَ له بغرسِ العقيدة الصحيحة في نفسه، وتطبيق مبدأ الإحسان؛ وهو: ((أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكنْ تَراه فإنه يراك))، كم مرة جلستِ مع أولادكِ جلسة عائلية دافئة، وبَثَثْتِ فيهم روح الإيمان الحق، والصدق مع الله وعبادته في السر كما العلن؟!

 

نحن نُبالغ في التقصير مع أبنائنا على أساس إحسان الظن بهم، وأن أبناء الآخرين دائمًا هم رفاق السوء، لماذا لا نتوقع أن يكونَ أبناؤنا أيضًا رفاق سوء لغيرهم؟!

 

نصيحتي لكِ أن تَتَقَرَّبي وزوجكِ الفاضل مِن الولد، وأن تكفَّا عن نَهرِه، أو التشهير به أمام الأقارب، ولو حَسُنت النيةُ، وأن تفتحَا له المجال ليفصحَ عما في نفسه، وأن يكونَ بينكم حوارات آمنة بعيدة عن الأوامر والنواهي، وتجنَّبَا السلوك الجافَّ الخالي مِن العاطفة؛ فولَدُكِ الآن أحوجُ ما يكون للعواطف والمشاعر التي لا خَجَلَ مِن أن تُفصحي ووالده له عنها، لماذا لا تُصارحينه بمحبتكم الشديدة له على ألا يكونَ في وقت إلقاء الأوامر؟ لماذا لا تحتضنينه كما كان صغيرًا؟

 

مِن أكثر ما يَدفع المراهق لارتكاب الفواحش في بيئةٍ مُلتزمة حرمانُه الشديد مِن العاطفة والجفاف الأسري الذي تُعاني منه أغلبُ بيوتنا بحجة انشغال الوالد، أو رغبة الأم في أن يكون ولدُها رجلًا، أو أن العاطفة لا تَبني الرجال، أو غيرها مِن الحجج التي تَهدم وتُحطم نفسيةَ المراهق؛ فيَلجأ إلى خارج البيت حيث يَعْثُر على بُغيته بسهولة ويُسرٍ.

 

عزيزتي، لن يكونَ في وسعي عرض سلسلة مِن الاقتراحات التي تُعنَى بكيفية التعامل مع المراهق، فعالَمُ النت مليءٌ بذلك، والدورات التي تواظبين على حضورها ستفي بالغرض بإذن الله، وإنما وددتُ أن ألفتَ انتباهكِ الكريم لبعض النِّقاط التي تغفُل عنها كثير مِن الأمهات، والتي ستُغيِّر مِن حال المراهق، وتَمنحه الأمان الذي يَنشده دائمًا.

 

ولعلك تستفيدين مِن هذه الاستشارات، وتَجدين فيها ما ينفعكِ بإذن الله:

 

والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل