رأي الشرع في قوة العقل الباطن
سائل يسأل عن قول الشرع في كتاب "قوة العقل الباطن" لميرفي، وعن رأي الشرع في وجود العقل الباطن.
- التصنيفات: الإسلام والعلم - استشارات نفسية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد الاستفسار عن كتاب "قوة العقل الباطن" لميرفي؛ حيث قرأت هذا الكتاب ولاحظت أنه يجعل من العقل الباطن إلهًا، فما القول فيه وفي كتابه؟ وما رأي الشرع فيه؟ وهل هو موجود؟ وهل هو من القوانين الكونية التي وضعها الله؟ وبالنسبة لهذا الموضوع، بمَ تنصحني أن أقرأ في هذا المجال من الكتب الموثوقة التي لا تُعارض الشرع؟ أفيدوني مأجورين، فإني في حيرة من أمري، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: كتاب: (قوة العقل الباطن)، لجوزيف ميرفي، من كتب التنمية البشرية التي تخاطب العقل الباطن، ويقرر فيه أن الكلام الإيجابي أو السلبي له تأثير على العقل بالسلب أو الإيجاب؛ يقول الأستاذ سامي القدومي في رسالته (الحقيقة الشرعية للبرمجة اللغوية): "ما يُسمَّى بالعقل الباطن يُعَدُّ من ركائز هذه الفلسفة، ولنقرأ عن ذلك ما كتبه أحد سَدَنة البرمجة اللغويةِ وهو أنتوني روبنز، في كتابه (قدرات غير محدودة) ... أما د. جوزيف ميرفي، فيذكر في مقدمة كتابه (قوة عقلك الباطن): (تستطيع هذه القوة المعجزة الفاعلة للعقل الباطن أن تشفيَك من المرض، وتعطيك الحيوية والقوة من جديد)، كذلك عقد الدكتور ميرفي فصلًا في كتابه عن كيفية استخدام قوة العقل الباطن في تحقيق الثروة، ومن ذلك قوله: (عندما تذهب للنوم ليلًا، كرر كلمة (غنيٍّ) بهدوء وسهولة وإحساس بها ... وسوف تدهشك النتائج؛ حيث ستجد الثروة تتدفق إليك، وهذا مثال آخر يدل على القوة العجيبة لعقلك الباطن)، لقد أصبح ما يسمى بالعقل الباطن عند أولئك الماديين أصحاب الفلسفة المادية صنمًا يُعبَد من دون الله، فهو الرزاق وهو الشافي، نسأل الله السلامة والعافية، وأن يحييَنا على التوحيد ويميتنا عليه، ونظرية المثل الأفلاطونية تزعم أن للإنسان عقلًا ظاهرًا واعيًا محدودًا، وعقلًا غير واعٍ أقوى وأرحب من العقل الظاهر غير المحدود، وكذلك "السريالية" المتأثرة بالمدرسة الفرويدية لها نصيب في فلسفة البرمجة اللغوية العصبية باعتمادها على قوى الواقع اللاواعي الكامنة في النفس البشرية، والتي يتطلب إطلاقها وتحريرها ... وفكرة هذا العقل الباطن أوجدها العالم اليهودي النمساوي سيجموند فرويد؛ الذي كان يقول: "ينبغي أن نحطم كل العقائد الدينية" ... وكما هو مُوثَّق في كتب البرمجة اللغوية العصبية أن العقل الباطن يتحكم بجميع العمليات الحيوية في الجسد، ويعرف حلول كل المشاكل، وهذا العقل هو الذي يجعلك سليمًا أو مريضًا، سعيدًا أو تعيسًا، أو غنيًّا أو فقيرًا، وتمثل ذلك جليًّا في مُسلَّمات وفلسفة البرمجة اللغوية العصبية؛ حيث زعمت - كسابقيها من الفلاسفة القدماء بالتعلق بالأسباب المادية البحتة تعلقًا صرفًا كليًّا وحتميًّا - أن بمقدور العقل واللغة عمل العجائب والمعجزات في حياة الإنسان، وتزعم أن العقل الباطن هو مصدر قوته).
ثالثًا: الحديث عن (العقل الباطن) أو ما يسمى أيضًا بـ(اللاوعي)، فهو المصطلح المجمل الذي يحتمل احتمالين لا بد من تفصيلهما وبيان كل منهما:
الاحتمال الأول:
هو مفهوم نشأ أول ما نشأ في فروع الطب النفسي، يقترب كثيرًا من معنى (النفس)، أو (القلب)، أو (الإرادة)، أو (الرَّوع)، أو (الذاكرة)، ونحوها من المفاهيم التي نعرف من معانيها قاسمًا مشتركًا متعلقًا بمخزن الأفكار والتصورات، والمشاعر والأحاسيس، في النفس الإنسانية.
جاء في (موسوعة ويكيبيديا) على الإنترنت تعريفهم للعقل الباطن بقولهم: (هو مفهوم يشير إلى مجموعة من العناصر التي تتألف منها الشخصية، بعضها قد يعيه الفرد كجزء من تكوينه، والبعض الآخر يبقى بمنأى كليٍّ عن الوعي، وهناك اختلاف بين المدارس الفكرية بشأن تحديد هذا المفهوم على وجه الدقة والقطعية، إلا أن العقل الباطن على الإجمال هو: كناية عن مخزن للاختبارات المترسِّبة بفعل القمع النفسي، فهي لا تصل إلى الذاكرة، ويحتوي العقل الباطن على المحركات والمحفزات الداخلية للسلوك، كما أنه مقر الطاقة الغريزية الجنسية والنفسية، بالإضافة إلى الخبرات المكبوتة، القوانين الحاكمة)[1].
وجاء في "الموسوعة العربية العالمية" في مصطلح "اللاوعي"، وهو العقل الباطن:
"اللاوَعْي مصطلح في علم النفس لوصف العمليات العقلية والأفكار والتصورات والمشاعر التي تدور في عقول الناس دون إدراك منهم".
فمن أطلق "العقل الباطن" وأراد به هذه الأمور، فلا حرج عليه في ذلك، ولا يلحقه ذمٌّ ولا تثريب، من هذا الوجه، بشرط أن تكون تطبيقاته العملية مقبولة، مما يشهد لها العقل والتجربة بالصحة والقبول، وتتوافق مع أصول الشرع، أو على أقل تقدير لا تصادمها، ولا تخرج عن شيء من التصورات والأحكام الشرعية، وقد جرى استعمال هذا المصطلح على ألسنة كثير من الكُتَّاب والمفكرين والمصنفين الإسلاميين.
الاحتمال الثاني:
استعمال "العقل الباطن" على سبيل "المفهوم الفلسفي الباطني"؛ بحيث يكون وسيلة للتواصل مع "الوعي الكوني"، يستقي منه معارف خاصة، وعلومًا غيبية، تمامًا كما هي نظرية ابن عربي، الذي قرر مفهوم انعكاس العلوم الغيبية – ومنها علوم اللوح المحفوظ – على النفس الباطنة التي تجردت من عوارض البشرية عبر مجموعة من الخطوات والممارسات.
ولا شك أن هذا باب من أبواب فساد الفكر والتصورات، وهي أساس العقائد الباطنية المنحرفة، وسبيل للغواية والضلالة.
والإشكال أيضًا يتطرق إلى مصطلح "العقل الباطن" من جهة كثير من التطبيقات العملية عليه، أكثر من المصطلح نفسه، لكن المصطلح غالبًا ما يتأثر بفساد الممارسات، على الأقل لدى القطاع المؤمن بتلك الممارسات الخاطئة.
فبعض التطبيقات التي يمارسها المنتسبون إلى "البرمجة العصبية" يشوبها الكثير من المجازفات التي لم يثبتها العلم الحديث، ولم يأتِ بها الشرع الشريف، كدعوى علاج الأخلاق السيئة والممارسات المشينة في جلسة واحدة، يدخل فيها المعالج إلى "العقل الباطن"، فيستلُّ الجزء الباعث على ذلك الخلق السيئ المعين، ويعيد البرمجة من جديد ليستبدل خلقًا حسنًا مكانه، كل ذلك بكلام مرسَلٍ من غير إثبات تجريبي مُتَّزِن – كما هي سائر العلوم التجريبية – ولا مستند شرعي مقبول، وكذلك دعوى "قانون الجذب" الذي يمكن لـ"العقل الباطن" من خلاله تغيير الأشياء من حوله، من غير بذل للأسباب ولا عمل بسنن الكون المعروفة، ونحو ذلك من المبالغات التي لا ننكرها جزافًا بقدر ما ندعو المعتقدين بها إلى احترام العقل التجريبي الذي هو شرط الإيمان بالتأثير الكوني، بعد العقل الشرعي.
وهذا النوع الغالب في استخدام جوزيف ميرفي في كتابه هذا، فالعقل اللاواعي يتحدث عنه علماء النفس وغيرهم، وكلامهم مجرد تخمينات وافتراضات، وهذا المسمى عندهم بالعقل اللاواعي هو ما يقوم عليه بالأساس ما يسمى بالبرمجة العصبية.
وقد قمت للتعرض لما يسمى بالتخاطر الذهني في استشارتي:
تشتت التفكير وعدم القدرة على إدارة الوقت
وقد قام بعض الباحثين المعاصرين بجمع أمثلة على المفاهيم المغلوطة للعقل الباطن، يمكن الاستفادة منها والرجوع إليها على هذا الرابط:
http://www.saaid.net/Minute/632.htm
رابعًا: مصطلح "التنمية البشرية" يُعرَّف بأنه: "عملية توسيع القدرات التعليمية، والخبرات للشعوب، والمستهدف بهذا هو أن يصل الإنسان بمجهوده ومجهود ذويه إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل، وبحياة طويلة وصحية، بجانب تنمية القدرات الإنسانية، من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم وزيادة الخبرات"[2].
فهو علم متكامل له حضوره في الجامعات العلمية والمراكز البحثية، تعتني به الأمم والدول والشعوب، يساعد على رصد الواقع وحالته العرضية أو المرضية، للبحث عن الحلول الناجحة للارتقاء بالإنسان في مختلف مجالات الحياة، والدول الحية تعمل اليوم جاهدة على استصدار تقارير التنمية البشرية السنوية، كما تصدرها الأمم المتحدة على المستوى العالمي، تبذل فيه جهودًا هائلة من الرصد والمتابعة، وتحليل البيانات والإحصائيات، كل ذلك لغرض التطوير والتحسين، وقد ظهرت فيه أيضًا كتابات تنظر للتنمية بالمنظار الإسلامي الشرعي، مثل كتاب الدكتور عبدالكريم بكار: "مدخل إلى التنمية المتكاملة"، ومنها كتاب "الإسلام والتنمية الاجتماعية" للدكتور محسن عبدالحميد، من إصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وأصدر المعهد أيضًا كتابًا بعنوان: "فلسفة التنمية رؤية إسلامية" لمؤلفه إبراهيم أحمد عمر، وللباحثة سماح الغندور دراسة جامعية في الدراسات العليا في جامعة غزة بعنوان: "التنمية البشرية في السنة النبوية"، ومن أهم البحوث المعدَّة في هذا الشأن كتاب: "المنظور الإسلامي للتنمية البشرية" لأسامة العاني، من إصدارات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، تناول مفهوم التنمية من الجهة الاقتصادية، وبيَّن اهتمام الإسلام بها، وحرص على ذكر تطبيقات التنمية البشرية من السنة النبوية المطهرة.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] http://ar.wikipedia.org/wiki/عقل_باطن
[2] موقع ويكيبيديا: http://ar.wikipedia.org/wiki/تنمية_بشرية