تغيرات سن المراهقة

أمٌّ تشكو ابنها المراهق الذي سيطر عليه بعض الأصدقاء، وأدمَن لعبة معينة، وأصبح يتكلم معها بأسلوب سيئ، ولا تدري كيف تتعامل مع هذه التغيرات، وتسأل: ما النصيحة؟

  • التصنيفات: قضايا الشباب -
السؤال:

ابني في السادسة عشرة من عمره، تغيرت طِباعه كثيرًا، أصبح يتكلم معي بأسلوب سيئ، ويضرب إخوته الذين يصغرونه، وسيطر عليه أصدقاؤه، وهم يؤثرون عليه كثيرًا، حتى إنه يدَّعي الذهاب للمدرسة، ثم يخرج معهم ولا يذهب للمدرسة، وبعد سيطرة أصحابه عليه، سيطرت عليه لعبة تسمى fry fire، مع العلم أن والده كان شديدًا معه في التعامل، لكنه يحاول مؤخرًا أن يلين له، وأنا لا أدري كيف أتعامل معه، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فلعل حلَّ مشكلة ابنكم - حفظه الله - في الآتي:

أولًا: أعظم شيء ينفعه الدعاءُ له بإلحاحٍ وصدق وإخلاص؛ فهو منهج الأنبياء والصالحين مع أبنائهم؛ قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، وقال سبحانه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40].

 

ثانيًا: الاسترجاع؛ لأن تغير أخلاق الابن وضربه لإخوته مصيبة.

 

ثالثًا: يبدو أنه صاحَبَ جلساءَ سوءٍ فتغيرت أخلاقه؛ فلا بد من انتشاله منهم، والشاب لا بد له من أصدقاء يستأنس بهم؛ لذا لا بد من أن يستبدل بأصدقائه غيرهم؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «مَثَلُ الجليس الصالح والسوء؛ كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إما أن يُحذيَكَ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرِق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة»؛ [أخرجه البخاري (٥٥٣٤)، واللفظ له، ومسلم].

 

رابعًا: في سن المراهقة يشعر الابن أنه كبير، ولا وصايةَ لأهله عليه، وأنه حرٌّ في تصرفاته، وربما أن ذلك بتأثير جلسائه، فمهمة الأب أن يجلس معه جِلسة خاصة مُفعمة بالحب والحنان، ويبين له سوء عاقبة الأخطاء التي يقع فيها.

 

خامسًا: ينبغي أن يجتهد والده في إشغال فراغه بما ينفعه في دينه ودنياه؛ كمزاولة أي عمل دنيوي، ولو بسيطًا؛ ليستفيد منه ماديًّا.

 

سادسًا: في هذه السن لا يصلح التقتير عليه، ولا الإغداق عليه؛ لأنه إن قُتر عليه ماديًّا، فقد يلجأ لجلساء السوء أو السرقات؛ ليحصل على المال، وكذلك الإغداق عليه دائمًا قد يؤدي للفسوق والفساد.

 

سابعًا: في هذه السن ربما أحس الولد بأنه يفتقد الحنان واللطف في البيت؛ فذهب يبحث عنه خارج البيت؛ ولذا فلا بد من أن يكون كلٌّ من الأب والأم قريبين من أبنائهما، ولا بد من حسن التعامل معه، وإشباع ما ينقصه بدفء الحب والنصيحة الحانية.

 

ثامنًا: الإكثار من الاستغفار؛ إذ له أثر عظيم في تفريج الكرب؛ ولأننا قد نُبتلى من أقرب الناس لنا بسبب ذنوبنا.

 

تاسعًا: لا بد من إشعاره برجولته، وتحميله القيام ببعض متطلبات الأسرة، والثناء عليه إذا قام بها، ولو ناقصة.

 

عاشرًا: بعض المراهقين يقصرون كثيرًا في المحافظة على الصلاة في أوقاتها بالمساجد؛ وهذا يُسبِّب لهم ضيقًا وتوترًا؛ لأن المعاصي ظلمة في القلب؛ قال سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 - 126].

 

حادي عشر: يلزم الأبوين القيام بواجبهما في نصح أبنائهم، وأمرهم بالمعروف خاصة الصلاة؛ قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته» - قال: وحسبتُ أن قد قال: والرجل راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته - «وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته»؛ (أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر).

 

ثاني عشر: إذا قصَّر الوالدان في تربية الابن منذ الصغر، ولم يعتنيا إلا بالأمور المادية - ساءت أخلاق الأبناء في الكِبَرِ، وعقُّوا والديهم، وتركوا الواجبات الشرعية خاصة الصلاة، وارتكبوا المعاصي، ثم أُصيبوا بالقلق، وضعف الصبر والتحمل، وسرعة الانفعال؛ لذا فلا بد من العناية بالأبناء منذ طفولتهم، ونصحهم ومراقبتهم، ومعرفة جلسائهم، والقرب منهم لمعرفة همومهم والعمل على حلِّها.

 

ثالث عشر: بعض مواقع الإنترنت الآن أسوأ تأثيرًا من جلساء السوء، بل هي جليس سوء مُدمِّرٌ للدين والأخلاق، وربما بذرت في عقول الناشئة التمرد على القيم والأخلاق والوالدين، وربما شكَّكتْهم في دينهم، وربما أجَّجت شهواتهم الجنسية، وجرأتهم على السرقة، وعلى الكذب؛ لذا لا بد من معرفة ما يدخل عليه الابن من هذه المواقع، وتحذيره من شرها، واستبدال ما هو خير منها بها.

 

رابع عشر: هناك مواطن وأوقات لا بد فيها حين لا يُجدي اللين من الحزم؛ حتى لا يفهم الابن أن اللين معه ضعف من والديه؛ فيستغله بالتمادي في المعاصي، والاعتداء على إخوانه.

 

حفظ الله ابنكم، وأعاذه من الفتن، وأعانكم على حسن تريبته، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.