دارها تعيش بها

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال:

لسلام عليكم و رحمة الله و بركاته،

شيخنا الكريم أرجو أن تتفضل وتجيب على استشارتي هذه، وأن تصارحني ولو كان الجواب قاسيًا.

 

أنا شابٌّ جزائري مقيم في الجزائر، عندما كان عمري 22 سنة، قررت الزواج، وأنا شاب متدين ووسيم ومثقف ومتعلم، حاصل على ليسانس في علوم التسيير، و- حاليًّا - أحضر للماجستير في إدارة الأعمال الإستراتيجية، بدأت بالبحث عن زوجتي المستقبلية، وأنا ليس لي خبرة في ذلك، إلا الأمور النظرية، وسماع بعض الدروس الشرعية، في ذلك و- باختصار - ككل شاب كان لدي صورة ذهنية عن زوجتي المستقبلية هذه. مثلًا في الدين: أريدها متدينة طالبة للعلم، تحمل هم الأمة، أتحاور معها في مختلف القضايا الشرعية والسياسية وغيرها.

 

في الجمال - مع الأخذ في الحسبان قلة الخبرة في ذلك - لا يهم كثيرًا، المهم أن تكون مقبولة الشكل والقوام، ليس مهم الطبخ، بدأت في البحث والبحث، وأوصيت بعض من أعرف أن يدلني على فتاة متدينة تليق بي، وبالفعل أرشدني أحد معارفي إلى فتاة متدينة، لم أرها لكني أرسلت عائلتي لخطبتها، ثم أخذت رأيهم، فقالوا: إنها بالنسبة للجمال مقبولة؛ البنت تزين نفسها أمام من جاؤوا ليخطبوها، قالوا: إنها كانت صائمة ذلك اليوم - الخميس - فأثر ذلك فيَّ كثيرًا، قالوا: إنها متدينة منذ أن كان عمرها 13 سنةً طوعًا منها، وليس من عائلتها، حيث إن عائلتها أناس عاديُّون، لم يأمروها بشيء، فأثر ذلك فيَّ كثيرًا - خصوصًا - وأن مجتمعاتنا أصبحت فاسدة - في الغالب - ولا يوجد مثلُ هذه العينة إلا قليلًا، ذهبت بعد يومين لأراها النظر الشرعي، دخَلَتْ عليَّ أنا وأخيها بحجاب شرعي، لا يظهر منها إلا الوجه والكفان، نظرت إليها، وتكلمت معها قليلًا، وجدتها مقبولة الشكل، ابتسامتها أعجبتني، لكني كنت أقول في نفسي: إنها مادام شكلها مقبولًا بالحجاب؛ فأكيد - إن شاء الله - شكلها بغير الحجاب أشد جمالًا، شعرها وتسريحته وما إلى ذلك؛ فقررت أن أتزوجها، ثم بعد ذلك عندما عقدت العقد القانوني عليها، لم أرها جيدًا، بدت لي متغيرة قليلًا، ثم لما رآها أهلي بعد العقد، جاؤوا إليَّ وهم يقولون: هل رأيتَها جيدًا؟ لا تلُمْنا نحن إذا لم تعجبْك، ومنهم من يقول: إن فلانًا أيْ: أنا أجمل من فلانة كثيرًا، المهم أني لم آبَه بهم، ذهبتُ عندها بعد العقد؛ لأجلس معها كما هو العرف عندنا، ففوجئت بها بغير الخمار أو الحجاب أنها أقلُّ جمالًا، أنها بدينة بعض الشيء، و أنا لا أحب الفتاة البدينة، شعرها لم يكن ناعمًا، فظللت في صراع نفسي، والمهم أني واصلت زواجي، وأقنعت نفسي وعائلتي، قائلًَا: إن من الشباب من تزوج فتاة غير جميلة؛ لأنه يحبها، ومنهم من تزوج بفتاة غير جميلة؛ لأنها غنية، ومنهم من يتزوج بفتاة غير جميلة؛ لأنها تحمل إقامة في دولة أوربية مثلًا، وأنا أتزوجها؛ لأنها متدينة، وبعد الزواج ومن أول يوم، وأنا أحاول إقناع نفسي بذلك، وأدعو الله بأسمائه الحسنى - باسمه المصور - أن يزينها في عيني، قائلًا في نفسي: السحرة الأشرار يستطيعون أن يجعلوا الرجل يرى المرأة القبيحة جميلة، أفلا يَقْدرُ الله على ذلك؟ وبالفعل أصبحتْ تبدو لي جميلة ومناسبة لي، لكن - دائمًا - هناك عقدة عندي، والأمر الذي ساهم في ذلك، أنها أول 7 أو 10 أشهر، كانت معي من حيث المعاملةُ والأخلاقُ والطاعةُ في القمة، فاكتشفت فيها جمالًا من نوع آخرَ، وكنت أُمنِّي نفسي - أيضًا - بأني سوف أتزوج بالثانية، و - في المقابل - من نقاط ضعفها حتى في تلك الفترة: مستوى تديُّنها، أو طلبها للعلم الشرعي، لم يكن كما كنت أصنعه في مخيلتي، كذلك لا يوجد توافقٌ فكري وثقافي، لا يوجد نقاش في المسائل الشرعية والسياسية، وغيرها، كنت أنا جامعيًّا، أحمل الليسانس، وكانت هي مستوى السنة الثالثة الثانوية، كان عمري 22 سنة، وهي 19 سنة، هذا جيد، و- كذلك - من نقاط ضعفها: غباؤها أو بطء فهمها، وأنا من الطبع الذي يكره الغباء، أيضًا من نقاط ضعفها: الطهي، سواء للمأكولات العادية، أو للحلويات، وهذا عكس ما هو معروف عن الفتيات في بلدنا

 

وبعد مرور 7 إلى 10 أشهر، بدأت أهم النقاط التي كانت تشدني إليها - رغم ما ذكرت – تزول، وهي المعاملة الطيبة، والأخلاق العالية، والطاعة الزوجية، بدأت المشاكل، وبدأ من جانبي الضرب والشجار، جاءنا ولد ذكر، ثم الثاني، والمشاكل باقية، أنا من طبعي لا أحب الظلم، ولذلك؛ كنت أرفض فكرة الطلاق، لماذا أطلقها، أهلها أناس طيبون؛ ساعدوني كثيرًا، لديَّ منها أولاد، و بعد تحليلي الشخصي للعلاقة بيني وبينها، من حيث كثرةُ المشاكل، والضرب المتكرر، وجدت أني أنظر إلى نفسي نظرة متعالية؛ أي: أني في مستوى أعلى من مستواها، وأنظر إليها نظرة دونية؛ أي: أنها في مستوى أدنى من مستواي، ولذلك؛ كنت لا أسمح لها بالنقاش معي في الأمور الخلافية بيننا، طبعًا كل هذا يحدث لا شعوريًّا، اكتشفت ذلك بعد التدقيق والبحث والتفكير، فماذا يحصل عند طرح أي طلب من جانبها؟ إما أن أقبل، أو أرفض، وممنوع النقاش، هي ماذا تفعل؟ تبدأ في تكرار الكلام، وصناعة الجو النَّكَدي والبكاء وإهمال البيت، فماذا أفعل أنا؟ أضربها ضربًا مبرِّحًا، وهكذا يتكرر الأمر - أحيانا - مرة كل أسبوع أو 10 أيام، و- في المقابل - لا أستطيع تطليقها؛ لأني لا أحب الظلم، وماذا سوف تفعل بعدي؟ وماذا فعل لي أهلها؟ ولديَّ منها أولاد، و ... المهم: أنها أصبحت بعد العام الأول، تبدو لي زوجة غير جميلة، ولا أنوثة فيها، وقوامها يزعجني كثيرًا - خصوصا - في عصر المغريات، حتى التزيُّن لا تتزين إلا بعد الإلحاح عليها، هي مع ذلك لا تُحسن التجمل والتزين، أما أهم نقاط قوتها - وهي المعاملة الطيبة والأخلاق والطاعة الزوجية - فذهبت أدراج الرياح، اليومَ - وأنا أكتب هذه الرسالة وبعد مرور قرابة 4 سنوات من زواجنا - اكتشفت أنني في صراع نفسيٍّ حادٍّ بين الشخصية التي لا تحب الظلم، ولا تريد التطليق، وبين الشخصية التي تنظر من أعلى، وأريد زوجتي تنفذ ما أقول لها فقط، ومن دون نقاش؛ لأنها في مستوى أدنى من مستواي، وإذا لم تنفذ، فالضربُ، وبذلك أظلمها عدة مراتٍ، فماذا أفعل؟ و - بكل صراحة - لأني قرأت عدة استشارات لمجموعة من المستشارين، كان القاسم المشترك بينهم، أنهم - ومهما كانت الحالة التي بين أيديهم - يشيرون بالصبر والتروي وعدم التطليق، وما إلى ذلك.

 

أنا صبرت، وضغطت على نفسي، وحاولت مغالطتها، ثم اكتشفت أني أفر من الظلم: (التطليق)، إلى ظلم آخرَ: (الضرب المتكرر المبرِّح)، نعم كانت غلطتي أنا، وأنا المسؤول عنها؛ أعني الاختيار، وهي غير مسؤولة عن غلطتي، لكن إن أمسكتها، فسوف أظلمها بالمعاملة والضرب، وولديَّ وعائلتَها، و إن سرحتها، فسوف أظلمها وولديَّ وعائلتَها. ما هو الحل؟ بارك الله فيكم.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد لاحظنا في رسالتك شدةَ رؤيتِك لنفسك، واعتزازِك بها، وإهمالِ الآخرين، وهذا ظاهر من وصفك لنفسك: شاب متدين ووسيم ومثقف ومتعلم، ومعك ليسانس في علوم التسيير، و...و – تحضّر الماجستير في إدارة الأعمال الإستراتيجية... تليق بي...

 

وعلى النقيض من ذلك، وصفت زوجتك بالغباء، أو بطء الفهم، وعدم القدرة على النقاش، لا يوجد توافق فكري وثقافي، ...

 

والذي يظهر: أن هذا هو سر الشقاق بينكما، فالإنسان المتكبر ضيق العطن، لا يرى إلا نفسه، ولا يرى غيره شيئًا، ولا يَتَحَمَّل منه خلافًا، هذا إن كان نافعًا مع العبيد، فلا يصلح مع الزوجة شريكة الحياة، ولو أنصفت من نفسك، ولو كنت حقًّا مثقفًا متدينًا متعلمًا - كما ذكرت - فلْتقُل ماذا فعلت زوجتك المسكينة حتى تأتي إليها ما تكره أن يؤتى إليك؟! فتضربَها ضربًا مبرِّحًا، وتسفِّهَ رأيها، ولا تراها شيئًا، مع أنها لم تفعل ما تفعله كثير من النساء في مثل هذه الظروف، فلم تبادلْك الضرب، ولم تبلَّغْ أهلها، ولا أبلغت الشرطة، ولا رفعت أمرها إلى القضاء، وأخشى عليكَ أن تكون قد شكتك إلى جبار السماوات والأرض، وفوضت أمرها إليه.

 

فهل رأيتَ في الثقافة الإسلامية أو الثقافة الأسرية، أن أول الدواء الضرب؟! حتى تضربَها بانتظام كل سبعة أيام أو عشرة أيام، كأنها وَجَبَاتٌ أسبوعيةٌ، و - طبيعيًّا - تحتاج زوجتكَ فترة؛ ليُجبَر كسرُها ويَرقَأَ دمعُها، وأن ترضى، ثم ما تلبثُ أن تدهمها بأخرى، وهكذا، فكيف تنتظر منها بعد ذلك أن تحسن التزين أو الطهي! وقد قال الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم» ؛ متفق عليه من حديث عبدالله بن زمعة، فنبه بهذا اللفظ الوجيز على المفاسد التي تطرأ من ضرب الزوجة، فقد تُبغض زوجها ولا تطاوعه، وقد تزول الرحمة والمودة التي جعلها الله - تعالى – بينهما ويحل نقيضها.

 

ألم تسأل نفسك: هل تَحِق لك تلك القسوة والبغي أم لا؟ ألم تستح من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ضيعت وصيته، وهو يقول - صلى الله عليه وسلم -: «استوصوا بالنِّساء، فإنَّ المرأة خُلقتْ مِن ضلعٍ، وإنَّ أعوج شيءٍ في الضلع أعْلاه، فإنْ ذَهَبْتَ تُقيمُه كسَرْته، وإنْ تركته لَم يزل أعْوَج، فاستوصوا بالنِّساء»؛ متَّفق عليه، عن أبي هريرة. وفي رواية لمسلم: «إنَّ المرأةَ خُلِقتْ مِنْ ضلع، لن تستقيمَ لك على طريقةٍ، فإنْ استمتعتَ بها استمتعت بها وبها عِوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها».

 

فحَضَّ - صلى الله عليه وسلم - على الصبْر عليهِنَّ، والرِّفق بهنَّ، والإحسان إليهنَّ، وأَمَرَ بقَبُول وصيته فيهنَّ، وأعْلَمَ الرِّجال مَوَاضع الاعْوجاج المرْتكِز في فكْرهنَّ، ثُمَّ بَيَّن أن مُخالفة ونشد الاستقامة التامة لخُلُق الزوجةِ يؤدِّي إلى الطلاق.

 

قال الإمام النووي في شرْح مُسلم:

"وفي هذا الحديث مُلاطفة النِّساء والإحسان إليهنَّ، والصبْر على عِوَج أخلاقهنَّ، واحتمال ضعْف عُقُولهنّ، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها".

 

وقال الحافظ ابن حجر في "فتْح الباري":

"وفائدته: أنَّ المرأة خلقتْ مِن ضلع أعْوج، فلا ينكر اعْوِجاجها، أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم، كما أنَّ الضلع لا يقبله... إنْ أردتَ منها أن تتركَ اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها، ويؤيده".اهـ بتصرف يسير.

 

وقال: "كأن فيه رمزًا إلى التقويم برِفْق؛ بحيث لا يبالغ فيه فيكسر، ولا يتركه فيستمر على عوَجه، وإلى هذا أشار المؤلِّف بإتْباعه بالترجمة التي بعده: "باب قُوا أنفسكم وأهْليكم نارًا"، "فيؤخَذ منه ألا يتركها على الاعْوِجاج إذا تعدتْ ما طبعتْ عليه من النقْص إلى تعاطي المعصية بمُباشرتها، أو ترْك الواجب، وإنَّما المراد أنْ يتركها على اعْوِجاجها في الأُمُور المباحة.

 

وفي الحديث الندْب إلى المداراة؛ لاستمالة النفُوس، وتألُّف القُلُوب، وفيه سياسة النِّساء بأخْذ العفْو منهنَّ، والصبْر على عوجهنَّ، وأنَّ مَن رام تقْويمهن فاته الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسْكن إليها، ويستعين بها على معاشِه، فكأنَّه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبْر عليها". اهـ.

 

وتأمل رعاك الله كيف بين لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ على الزوج أن يَتَغاضَى عمَّا يكره في خلق زوجته لما يحبه منها، وأن يغفرَ سيِّئ أخلاقها لحُسنه، ولا يبغضها بُغضًا يحمله على فراقها؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِه منها خلقًا رضِي منها غيره» ؛ رواه مسلم.

 

وقد بوَّب البخاري في صحيحه: باب المُداراة مع النساء، وقد ورد ذلك المعنى في حديث سمرة الذي رواه أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ المرأة خلِقَتْ مِن ضلع، وإنك إنْ ترد إقامة الضلَع تكسرها، فدارها تعشْ بها» ؛ وصححه الألباني.

 

والمُداراة: المجامَلة والمُلاينة، ولتعلم أن ترك هذه الوصية العظيمة يفضي غالبا إلى فساد المرأة، وعدم صلاحها بحالٍ، ويؤل في نهاية الأمر للشِّقاق والطلاق، ثُم يُحدث زوجةً أخرى، وهكذا؛ لان الرجل لا تستقيم حياته إلا بزوجة، وهي لن تستقيم له على طريقة، ولذلك لا يصلح إلا المجامَلة والمُلاينة، وترك التخشين والكلام الجارح، وعلى الرجلِ الحصيف أنْ يتأمَّل هذا تجنُّبًا للفَشَل.

 

قال الإمام الشوكاني في "النَيْل":

"والفائدة في تشْبيه المرأة بالضلع: التنْبيهُ على أنَّها معوجّة الأخْلاق، لا تستقيم أبدًا، فمَنْ حاول حملها على الأخْلاق المستقيمة أفْسدها، ومَن تركها على ما هي عليه منَ الاعوجاج انْتَفَعَ بها، كما أنَّ الضلع المعوج ينكسر عند إرادة جعْله مستقيمًا وإزالة اعوجاجه، فإذا تركه الإنسانُ على ما هو عليه انْتَفَعَ به.

 

وأراد بقوله:  «وإنَّ أعوج شيءٍ في الضلَع أعلاه» ، المبالَغة في الاعوجاج، والتأكيد لمعنى الكسْر، بأنَّ تعذُّر الإقامة في الجِهة العليا أمْرُه أظْهر.

 

وقيل: يحتمل أن يكونَ ذلك مثلاً لأعلى المرأة؛ لأنَّ أعْلاها رأسها وفيه لسانها، وهو الذي ينشأ منه الاعْوجاج.

 

والحديث الأول فيه الإرشاد إلى مُلاطَفة النِّساء، والصبر على ما لا يستقيم مِن أخلاقهنّ، والتنْبِيه على أنهن خُلِقْن على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب، أو ينجح عندها النُّصح، فلم يبقَ إلا الصَّبْر والمحاسنة، وترْك التَّأْنيب والمخاشَنة.

 

والحديث الثاني فيه الإرْشاد إلى حُسن العِشْرة، والنَّهي عن البُغْض للزوجة بمُجَرَّد كراهة خلُقٍ مِنْ أخْلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عنْ أمْرٍ يرْضاه منها، وإذا كانتْ مشتملة على المحبوب والمكروه، فلا ينبغي ترجيح مُقتضى الكراهة على مُقتضى المحبة". اهـ، مختصرًا.

 

هذا؛ وأخشى أن تكون قسوتك مع زوجتكَ هي السببَ في تبدُّد طاعتها التي داومت عليها عشرة أشهر كاملة، فمن أين تأتي بها في هذا الجو الملغم بالضرب والإهانة؟! وأيُّ ظلم تخشى الوقوع فيه وأنت توالي زوجتك بالمنح والعطايا الأسبوعية الساخنة؟! وكيف تزعم حبك لأسرتها وأنت لم تحفظهم في ابنتهم وفلذة كبدهم؟! وأيُّ طلبٍ للعلم تبحث عنه وأي مستوى أخلاقي مرتفع وأنت مقر بكبر نفسك وضيق عطنك ولا ترى إلا نفسك؟!

 

والظاهر: أن هذا سر اضطراب بيتك، فيداكَ أَوْكَتا وفُوِكَ نَفخ، فسارع بالتوبة مما جنت يداك.

 

ومِنْ أعظم ما يُعينك على الخروج مما أنت فيه، ويحقق الصَّفاء بينك وبين زوجتك، العملُ بوصايا النبي - صلى الله عليه وسلم – السابقة، مع حرصكما على حسن الخلق الذي قال فيه النبي- صلى الله عليه وسلم -:  «ما مِنْ شَيْءٍ يوضع في الميزان أثقل مِن حُسْن الخُلُق، وإن صاحب الخُلُق ليبلغ به درجة صاحب الصَّوم والصلاة» ؛ رواه أبو داود والتِّرمذي.

 

ونبه - صلى الله عليه وسلم – أن أعلى الناس رُتبة في الخير، هو مَن كان خيرَ الناس لأهله، فقال - صلى الله عليه وسلم -:  «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلُقًا، وخياركم خياركم لنسائِهم» ، وقال في حديث آخر:  «خَيْرُكم خيركم لأهْله» ؛ رواهما التِّرمذي.

 

ومِنْ حُسن الخُلُق بيْن الزوجَيْن ترْك الضرب والتوْبيخ والتعْنيف، والتغافُل عن كثيرٍ منَ الأخطاء، وعدم تعَقُّب الصغير والكبير، مع الرِّفق واللين.

 

ومِنْ حُسن الخُلُق: امتثال وصيةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  «اتَّقوا الله في النساء، فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واسْتحللتُم فروجهنَّ بكلِمة الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكْرهونه، فإنْ فعلْن فاضْربوهنَّ ضربًا غير مبَرِّح» .

 

وروى أحمد وأبو داود عن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، ما حقُّ زوجة أحدنا علينا؟ قال:  «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تقبح الوَجْه ولا تضرب».

 

فالأهل هم الأحقاء بالبشر وحُسن الخُلُق والإحسان، وجلْب النَّفع، ودفْع الضُّر، فإذا كان الرجل كذلك فهو خيْر الناس، وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيرًا ما يقع الناسُ في هذه الورْطة، فترى الرجل إذا لقي أهلَه كان أسوأ الناسِ أخْلاقًا، وأشجعهم نفْسًا، وأقلَّهم خيرًا، وإذا لقي غيْر الأهْل منَ الأجانب لانتْ عريكتُه، وانبسطتْ أخلاقُه، وجادتْ نفسُه، وكثر خيرُه، ولا شكَّ أنَّ مَن كان كذلك فهو مَحْرُوم التوْفيق، زائغٌ عن سَواء الطريق، نسأل اللهَ السلامة". قاله الشوكاني في النيل.

 

فلتتدارك ما فاتك ولتتحلى بالرفق واللين والسهولة مع زوجك فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وهو سيد الخلق وأفضل الرسل رجلاً سهلاً، إذا هَوِيت بعض نسائه شيئا تابعها عليه.

 

كما صح عن جابر بن عبدالله، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}   [النساء: 19] وقال تعالى:  {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}   [البقرة: 228]، فكلُّ حقٍّ لأحدهما يقابله واجبٌ عليه، وإنَّما يحدث الشِّقاق ويتفاقَم إذا تشبَّث كلُّ واحدٍ منهما باستكمال حقِّه، ولم يُبالِ بما عليه من واجبات وحقوق، ولَم يغضَّ طرفَه عنْ هفوات وأخطاء شَريكه، أو أنه ينشُد الكمال في الآخر أو يفْترضه، ويَتَغَافَل عنْ كمال نفسه.

 

وللأهمية؛ راجع على موقعنا استشارة: "علاج الكِبْر".