أطفالي مزعجون
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أعاني مشكلة كبيرة وهي شقاوة أولادي؛ فعندما نكون في البيت لا يكفون عن اللعب والعبث بكل شيء، وإذا خرجنا نتعرض لكثير من المواقف الحرجة مع الناس بسبب شقاوتهم.
والدهم يقول إنهم صغار؛ فيجب ألا نضربهم، وأنا أيضاً لا أرجح أسلوب الضرب في التربية.. فما الحل؟
الأخت الكريمة، مرحباً بك، وشكراً لسؤالك واهتمامك.
أتفهَّم سيدتي قلقك ومعاناتك في التعامل مع الأطفال الأشقياء، وهي مشكلة شائعة للغاية.
لكن هناك بعض الأمور يجب أن نستعرضها هنا:
كثيرٌ من شقاوة الأطفال الصغار، لا تزيد على كونها طريقتهم في لفت النظر إليهم، وذلك عندما يعجزون عن التمتع بالاهتمام بهم.
ولذا؛ علينا أن نعمد إلى منح الأطفال المزيد من وقتنا، والمزيد من الاهتمام بهم عبر اللعب معهم، والنزهات، والحديث معهم، والاستماع إليهم، ومشاركتهم اهتماماتهم.
المفتاح الأساسي في تغيير أي سلوك هو الاستخدام الحكيم لأسلوب الثواب والعقاب، وللأسف يقوم الآباء في معظم الأحيان - دون وعي - بتعزيز سلوك (الشقاوة) لدى الطفل لا القضاء عليها!
ويحدث ذلك عندما نحرم الطفل كل انتباه ورعاية، إلى أن يقوم بفعل (شقي) وهنا نلتفت إليه، ونصرخ في وجهه، فالرسالة التي نرسلها إلى الطفل حينها: "إذا أردت أن نهتم بأمرك فكن شقياً"!.
والصحيح أن نعزز في كل مناسبة التزام الطفل بالسلوك المناسب؛ عبر الكلمات المشجعة واللمسات الرقيقة والهدايا المادية.
هناك وسائل عديدة للعقوبة غير الضرب؛ ومنها: الحرمان من المحبوبات، والعزل في غرفة لمدة قصيرة... وغير ذلك.
ولكن قبل العقوبة يجب أن ننتبه لعدة أمور:
(1) يجب أن يسبق العقوبة التحذير والتوضيح، وإخبار الطفل بالعقوبة المحتملة؛ كأن نقول له قبل الذهاب إلى السوق: "لو شاغبت في السوق، فلن أشتري لك أي شيء".
(2) ضعي عقوبة منطقية؛ فكثيراً ما يخطئ الآباء بوضع عقوبات مستحيلة؛ مثل: "لو شاغبت فلن أتكلم معك أبداً!".
(3) يجب أن تستشعري أن العقوبة للتربية وليست للعقوبة ذاتها، ولا لتنفيس الغضب، ولا للثأر.
(4) قومي بتنفيذ العقوبة في الحال، وبطريقة واضحة وصارمة، وأخبريه أن ذلك ما سبق أن أخبرتِه به.
(5) بعد أن تنتهي العقوبة، لا تعودي إلى لومه أو تحقيره، أو حتى تذكيره بما فعل.
نعتاد في عيادات الطب النفسي استخدامَ جدول (تعزيز السلوك)، وهو عبارة عن جدول يومي يسعى إلى تغيير سلوك محدد؛ حيث يُكتب على رأس الجدول، ثم نستخدم ملصقات صغيرة تشبه (النجوم)، تُلصق في كل مرة يقوم فيها الطفل بفعل إيجابي، وعبر اتفاق سابق؛ عندما يحقق الطفل عدداً معيناً من (النجوم) -مثلاً خمسة- يُمنح الفرصة لاختيار جائزته المفضلة؛ مثل: الذهاب إلى مطعم، أو إلى مدينة الألعاب، أو شراء لعبة... وهكذا.
بعض السلوكيات السلبية العابرة قد لا تستحق سوى صرف الانتباه عنها كأن شيئاً لم يكن.
وفي نفس الوقت أسرعي نحو تعزيز أي سلوك إيجابي فوراً؛ حتى لو كان الامتناع عن سلوك سلبي سابق؛ مثلاً:
"انظروا حبيبي ما عاد يضرب أخاه!" عندما يمتنع عن ذلك، ولو لساعة واحدة، بدلاً من: "لماذا ضربت أخاك؟".
احذري من التذبذب في التربية والتوجيه؛ فمرة يُطلب منه شيء، ومرة أخرى يُنهى عن نفس الشيء.
بعض الأطفال الذين يعانون (الشقاوة) وكثرة الحركة هم في الواقع مصابون بمرض نفسي شائع؛ هو (فرط الحركة وتشتت الانتباه)، وهنا يبدو على الطفل الاندفاعية وعدم الهدوء في مكان واحد ونقص في انتباهه، هذه أعراض المرض التي عادة تنقسم إلى مجموعتين (لا يلزم وجود كل الأعراض):
أ - نقص التركيز، ومن مظاهره:
- عدم القدرة على الانتباه، أو عدم متابعة الشيء حتى النهاية.
- عدم الرغبة في الأعمال التي تتطلب تركيزاً ذهنياً "مثل الدراسة".
- شرود الذهن عن الموضوع الأساسي المطلوب التركيز فيه.
- كثرة نسيان المهام المطلوبة يومياً.
ب - فرط النشاط الحركي والاندفاعية؛ ومن مظاهره:
- عدم الاستقرار في مكان الجلوس، وكثرة التململ، والحركة عند الإجبار على الجلوس.
- الجري بسرعة بدون انتباه، وتسلق الأشياء الخطرة، قد يصفه البعض "كأنه شغال بمحرك".
- كثرة الكلام، وعدم القدرة على الالتزام بالنظام في الطابور وفي اللعب...
- الاندفاع في الأجوبة ومقاطعة الآخرين .
لو انطبقت بعض أعراض هذا المرض على أطفالك، فأنصحك بزيارة أي طبيب نفسي؛ لتشخيص المرض وعلاجه، وهو أمر متيسر.
ختاماً: لابد أن نتذكر أن عملية غرس سلوك جديد أمر معقد ويحتاج إلى العمل على أكثر من مستوى، زمناً طويلاً، وبمشاركة جميع أفراد الأسرة ولكنه أمر يستحق العناء.
والله ولي التوفيق.