أملي فيكم بعد الله

أفكر بأنني لن أنجح إن تخلى عني الشخص الذي أحبه، وتسود الدنيا في عيني و لا أرغب في الاستمرار في الحياة لقناعتي بأني لا أستطيع الاستمرار فيها، لا أتذكر بأن والدي قاما بدور التربية و لم أتلق منهم توجيهات في طفولتي الآن أحيانا أرتكب وأفكر بأسلوب لا يتناسب مع سني، ولا أحملهم المسؤولية لوحدهم فأنا أتحمل النصيب الأكبر من المشكلة، أرى الحياة صعبة و التعامل مع الناس صعب جدا (اعذروني على هذا التعبير في الحقيقة أرى الناس أشرار)..

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أخاف من تحمل المسؤولية:

أشعر بالخوف عند التفكير في يوم أكون فيه لوحدي بدون شخص اعتمد عليه، رغم أني حققت سابقا النجاح بدون اعتماد على أحد سوى الله تعالى، أحيانا تنتابني وساوس بفقد من أحبهم ثم أتخيل حياتي بدونهم فأبكي، حاليا أصبحت اتخلى عن الكثير من طموحاتي بسبب الخوف من تحمل المسؤولية مستقبلا، 

وأفكر بأنني لن أنجح إن تخلى عني الشخص الذي أحبه، وتسود الدنيا في عيني و لا أرغب في الاستمرار في الحياة لقناعتي بأني لا أستطيع الاستمرار فيها، لا أتذكر بأن والدي قاما بدور التربية و لم أتلق منهم توجيهات في طفولتي الآن أحيانا أرتكب وأفكر بأسلوب لا يتناسب مع سني، ولا أحملهم المسؤولية لوحدهم فأنا أتحمل النصيب الأكبر من المشكلة، أرى الحياة صعبة و التعامل مع الناس صعب جدا (اعذروني على هذا التعبير في الحقيقة أرى الناس أشرار)، 

أحيانا عندما يسيء لي أحدهم بكلمة أو تصرف أضل أفكر و أتذكر هذه الإساءة دائما حتى بعد سنوات و اتألم كثيرا، و لا أرغب في مقابلة الناس خوفا على نفسيتي من العذاب، لا أملك صديقات، أغلب الذين قابلتهم لا يرغبون بصداقتي لا أعرف كيف ينجح الشخص في تكوين الصداقة،

فيما يخص التواصل بين افراد أسرتي فيسوده الشجار دائما مما تسبب لي في حدوث ارتعاش في الأطراف و زيادة ضربات القلب حتى قبل حدوث الشجار أو الشك في حدوثه، لذا اصبحت أتجنب الجلوس مع أسرتي رغم أن جميع أفراد أسرتي طيبون، كما أشير إلى أني أعاني من الشعور بالعجز في مذاكرة دراستي بعد تعرضي للتوبيخ من أحد أساتذتي مما أدى بي إلى كره الدراسة بشكل عام، 

أتساءل أحيانا هل يمكن أن يجمع الشخص ما بين الحصول على شهادة الماجستير مثلا و لكن مستوى تفكيره طفولي، و هذه هي حالتي، أريد أن أتغير لأصبح انسانة طبيعية، اعذروني على الاطالة، و جزاكم الله كل خير.

الإجابة:

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد

أختي الكريمة:

لا أخفيك سرا أنني بعد أن قرأت رسالتك تعبت كثيراً في تحديد مشكلتك بدقة.. بالرغم من إنك ذكرت في رسالتك قرابة العشر مشاكل (الخوف من المستقبل، الخوف من الوحدة، عدم عون وتوجيه والديك لك، صعوبة الحياة، الحساسية من إساءة الآخرين لك، الخوف من مقابلة الناس، عدم وجود صديقات؛ العجز عن الدراسة، التفكير الطفولي) ...

 

ومن المفيد جدا لنا عند تحليلنا للمشاكل التي نعاني منها ان نفرق بين المشكلة وبين ظواهر المشكلة.. فالضعف الدراسي مثلاً لا يعتبر بحد ذاته مشكلة وإنما هو أثر من أثار شيء آخر مثل حساسيتك من نقد مدرسك لك وهكذا... 

 

وعند إرجاع ما ذكرتيه من مشاكل فرعية ومحاولة البحث عن الخيط الدقيق الذي يجمع بينها سنجد أن جميع مشاكلك تعود إلى مشكلتين رئيسيتين:

 

الأولى: ضعف القدرات الاجتماعية:

وهذه هي التي أدت إلى (الحساسية، الخوف من مقابلة الناس، عدم وجود صديقات، ضعف الثقة بالنفس...)

 

الثاني: الشخصية التشاؤمية:

وهذا أدى إلى (الخوف من المستقبل، الخوف من الوحدة، الشعور بصعوبة الحياة)

وبناءاً على هذا التحديد يكون العلاج لهذين الأصلين المهمين الذين إن استطعنا علاجهما نكون عالجنا الكثير من المشاكل المتفرعة عنهما مما ذكرتي ومما لم تذكري..

 

ونبدأ بالمشكلة الأولى؛ ضعف القدرات الاجتماعية:

ما من شك أن ضعف الإنسان أو قوته في ربط العلاقات الاجتماعية له أثر كبير على نجاحه أو فشله في غالب جوانب حياته؛ فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بعيدا عن التفاعل مع الناس. وفي هذا الجانب ألفت نظرك إلى الأمور التالية:

 

1.لا بد أن نتقبل الناس على ما هم عليه، فالناس طبائع شتى، ولا بد أن نعلم أن الناس لن يغيروا من طباعهم من أجلنا.. ولا ينبغي أن نغير طباعنا لأجلهم كذلك، ولكن نستوعبهم ونتغافل عن أخطائهم، ونتفهم تصرفاتهم حتى وإن لم نكن راضين عنهم.. فالمرونة هي أساس التعامل الناجح..

 

2.الناس ليسوا سيئين بالقدر الذي يظنه البعض، كما إنهم ليسوا جيدين بالقدر الذي يظنه البعض الآخر، فعلينا أن نبالغ في انتظار الأشياء الرائعة منهم حتى لا نحبط عندما لا يفعلون ذلك.. وفي المقابل علينا ألا نبالغ في توقع الشر منهم، فنقع في الانطواء والانزواء..

 

3.الصداقات الاجتماعية هي علاقة بين طرفين.. ولن نستطيع أن نحجز مكانا في قلوب الناس إلا بعد أن نكون قد جعلنا لهم مكاناً في نفوسنا.. ولذلك علينا القيام بمبادرات إيجابية مع الآخرين من خلال الهدية وإظهار الود والاهتمام والاختصاص بالسر وغيرها، فالحب مثل الزرع لا نستطيع أن نحصده من قلوب الآخرين إلا بعد أن نكون قد غرسناه في قلوبنا.. وبعدها سنرى تفاعل الآخرين معنا وسنبني علاقات قوية وراسخة..

 

4.من الأخطاء التي يقع فيها البعض أنهم يفترضون أن كل علاقة اجتماعية ينبغي أن تكون علاقة متينة وقوية، وهذا فيه شيء من المثالية وهو الذي يجعلهم عندما يفشلون في بناء تلك العلاقة القوية ينتقلون إلى الضد فتتحول علاقاتهم إلى البرود وربما الانقطاع.

 

5.القدرة على ربط العلاقات الجيدة مبنية على جانبين مهمين وهما: والقدرات.. فالقناعات هي ما ذكرناه من نقاط سابقة والمهارات هي الأداة التي من خلالها أن نستطيع ترجمة تلك القناعات، وهذا يعني أنه لا بد لنا من تعلم واكتساب بعض المهارات في ربط العلاقات الاجتماعية..

 

أما الجانب الآخر من المشكلة فهو: العقلية التشاؤمية، فألفت نظرك إلى الأمور التالية:

1.نظرتنا للحياة تصطبغ بلون النظارة التي نضعها على أعيننا بياضاً وسواداً.. أما حقيقية الحياة فهي بينهما فيها ما هو جميل وفيها ما هو غير جميل ولذلك علينا ألا نكون انتقائيين سلبيين في النظر للحياة.. ولنتذكر أن الفأل أمر شرعي فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (تفاءلوا بالخير تجدوه) وكلمة تجدوه تعطينا جانباً مهما وهو أن حياتنا تتأثر كثيراً بنظرتنا لها سلباً أو إيجاباً!.

ولعل الاسم الذي اخترته أن يكون اسما لك في الاستشارة وهو (الخائفة) مثال على ذلك!!

 

2.الحياة التي نحياها لا نعيشها بمفردنا، بل ينبغي أن نتذكر دائما أن هناك من هو معنا.. يعيننا ويقوينا.. وهو الله سبحانه وتعالى.. ويجب أن نستحضر باستمرار أن الله يحبنا.. فهو من خلقنا وهو من أرسل لنا من يدلنا علىى الطرق التي تؤدي إلى الخير وإلى الجنة، وهو من يغفر لنا عندما نقصر، وهو من يعطينا المهلة تلو المهلة للرجوعع إليه وهو من أنعم علينا بما لا نستطيع عده ولا إحصاؤه (وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها)، فالحياة بصحبة الله حياة حلوه جميلة، وكل ما علينا أن نزيد من قربنا من الله لنشعر به سبحانه.. ولعل ركعة في ظلام الليل مع دعاء ومناجاة تشعرك بحجم اللذة من صحبة الله سبحانه وتعالى ومعيته..

 

وأخيراً أختي الكريمة.. أظن أنك بحاجة إلى تعيدي ترتيب أوراقك بشكل جيد.. وأن تنشغلي بالمشاكل الصغيرة وإنما بأصولها في نفسك، فعندما نستطيع إطفاء النار لن نحتاج إلى البحث عن علاج للدخان المنبعث منها.. وتذكري دائما أن ضربة واحدة على الجذوع خير من ألف ضربة على الأغصان. وراجعي علاقتك مع الله فهو المعين الموفق.. والله وعد بأن (من يتق الله يجعل له مخرجاً) ووعد بأن (من يتق الله يجعل له من أمره يسراً) ووعد (واتقوا الله ويعلمكم الله) وقال أيضاً (واتقوا الله لعلكم تفلحون).. وهنا أحب أن أستعير كلمة يكررها الشيخ الموفق الذي أنصحك بالسماع له (محمد راتب النابلسي) حيث يقول: (لزوال الدنيا كلها أهون عند الله من يخلف وعدا قطعه على نفسه)..

والله يحفظك.

 

المستشار: أ. وليد الرفاعي