طاعة أبي.. أو طلب العلم؟

إبراهيم الأزرق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ أشكرك على جهودك الطيبة سؤالي هو: عندي والد صعب المعاملة، وأنا أدرس حاليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة، يظن الوالد أنني أحصل على مال كثير ولا أساعده، مع أنني والحمد لله بنيت له بيتا وأبذل قصارى جهدي في خدمته، لذا طلب مني أن أرجع إلى بلدي وأترك الدراسة لكي أساعد إخواني الصغار في دراستهم، فما رأيكم يا شيخ إذا قلت له أنا لا أرجع وإنما أتكفل بدراستهم وأنا في المدينة لأن دراستي أيضا مهمة؟؟ ألا يعد ذلك عقوقا؟؟ وما نصيحتكم لي وشكرًا.

  • التصنيفات: طلب العلم - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ أشكرك على جهودك الطيبة سؤالي هو: عندي والد صعب المعاملة، وأنا أدرس حاليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة، يظن الوالد أنني أحصل على مال كثير ولا أساعده، مع أنني والحمد لله بنيت له بيتا وأبذل قصارى جهدي في خدمته، لذا طلب مني أن أرجع إلى بلدي وأترك الدراسة لكي أساعد إخواني الصغار في دراستهم، فما رأيكم يا شيخ إذا قلت له أنا لا أرجع وإنما أتكفل بدراستهم وأنا في المدينة لأن دراستي أيضا مهمة؟؟ ألا يعد ذلك عقوقا؟؟ وما نصيحتكم لي وشكرا.

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فشكر الله لك حرصك على بر أبيك، ولا شك أن ذلك واجب عليك، فبر الوالدين والقيام بحقوقهما من الواجبات العظام وقد قل من يقوم به على وجهه في هذا الزمان والله المستعان.

وفي المقابل فإن طلب العلم من أجل القربات، وحاجة الأمة اليوم إلى العلماء الراسخين عظيمة، لا تعدلها حاجة إلى سائر متخصصي العلوم الأخرى في اعتقادي، وطلب العلم عند طوائف من أهل العلم يتعين على من شرع فيه وكان من أهل الفهم والقصد الحسن كالجهاد يتعين بالشروع فيه، وهذا إذا قدر أن ما تتعلمه نفلٌ، لك عنه غناء ولا إخال ذلك بل فيما تتعلمه ما هو واجب عليك أن تتعلمه.
فأنت أمام موازنة بين فريضتين، طاعتك لأبيك وبرك به، ومضيك في طلب العلم.

والواجب أولاً أن تحاول الجمع، فتؤدي كل ما تعيّن عليك، فترضي أباك، وتواصل طلب العلم ويكون ذلك بأحد طريقين:

الأول: أن يكون طلبك للعلم بمدينتك أو قريتك في بلدك متيسرا، فعليك أن تطيع أباك وترجع.

الثاني: أن يكون إرضاؤك لأبيك ممكناً، مع بقائك واستمرارك في الطلب، فعليك أن ترضيه وتستمر في دراستك.

أما إذا لم يكن طلب العلم في بلدتك متيسراً، كأن كانت المناهج السائدة منحرفة، أو أهل العلم قليلون، فيتعين عليك الثاني وهو دأبك على إرضاء أبيك، وبذل الجهد في ذلك مع استمرارك في طلب العلم بالجامعة.

ولا عليك إن اجتهد في إرضائه ثم أبى، المهم أن لا تألو أنت جهداً في ذلك، فقديماً بين أهل العلم كالإمام النووي -في المجموع- وغيره جواز السفر بغير رضا الوالد لطلب العلم على تفصيل ومن أهل العلم من أطلق ولو كان العلم فرضا كفائياً أو سنة متأكدة، وبنحو هذا أفتى العلماء حديثاً، لكن لا يعني ذلك أن تترك أباك وشأنه يغضب إن شاء أو يرضى إن رضي! لا بل الواجب أن تبذل جهدك في التلطف معه، واستعطافه، وخفض الجناح له لعله يرضى، ومما يعينك على ذلك:

- صلته بما يشتهي منك قدر طاقتك.
- ملاطفته والعناية بشأنه والاتصال به.
- العناية بإخوتك وإعانتهم على دراستهم، وقد ذكرت أن ذلك يسعك وأنت بعيد، وهذا وإن كان غير واجب عليك إلا أنهم من أحق الناس بإحسانك، ولا سيما مع وصية أبيك لك بهم.
- بيان أهمية العلم للوالد -حفظه الله- وما يرجى من تحصيلك له من الخير له في حياته وبعد مماته إن هو أعانك عليه، وحبذا أن تستعين بمن يحقق هذه الغاية بهدوء من الأهل أو الأقارب أو المعارف في بلدك الذين هم محل قبول عند الوالد وفقه الله.
- إطلاعه على حقيقة وضعك المالي، واستعن في ذلك بأهل ثقته ممن يقدمون هذه البلاد لحج أو عمرة، ولو تمكنت من إحضاره لعمرة براً به وحتى يرى حالك فهو حسن.
- الدعاء وسؤال الله أن يرشده ويهديه، ويلين قلبه لك.

وأخيراً وصيتي لك أن تضع نصب عينيك دائماً أن الذي جوز لك البقاء هو طلب العلم، فلا تفرط فيه وجد واجتهد وثابر ليكون لك عذراً، ولتبلغ فيه مبلغاً تنفع به أمتك.

ولا يسعنا في الختام إلاّ الدعاء لك بالتوفيق ولوالدك الموقر بالتسديد، دمت به باراً وعنك هو راضيًا.