يواجهون تديني، وأشعر بالتراجع
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أتمنى أن أتوب توبة نصوحا لكن رغما عني أقع فكل من حولي ضدي و يكره تديني و بكل خطوة أخطوها تقع لي المشاكل و كثيرا ما أشعر بالضعف لأني وحدي.أتمنى أن اترك الذنوب ولا أعود أبدا لكن والله لا أدري كيف السبيل أتعبتني الظروف و المشكلة التي تقتلني أني عندما أذنب لا أتألم كما كنت ولا أستشعر الذنب، نفسي أرجع إلى الله لكن كيف؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أيها السائلة الكريمة مرحبا بك، متمنين لك حياة طيبة وتوبة نصوحا إن شاء الله،
أشعر من خلال استشارتك أن لك نفسا تواقة إلى محبة الله تعالى ومرضاته والتوبة إليه، وهذا إنما يدل على همة قد تعلوا وتسمو بإذن الله تعالى لتحقق ما تصبو إليه، وإني أوصيك بما يلي:
1- إن الاسلام لايريد منك أن تكوني صالحة في نفسك فحسب، بل يريد منك أن تكوني صالحة في نفسك مصلحة لغيرك، لذا كوني قوية الشخصية متمسكة بدينك وقيمك فتؤثري أنت فيمن حولك ولا يؤثرون هم في فيك، واعلمي أن البشر مبتلون بالاختلاط بعضهم ببعض، فيهم الصالح وفيهم الطالح، فإن لم يصلح الصالحون الطالحين، هلكوا جميعا، لأن الحسنة تخص والسيئة تعم، بسلوكك القويم يحبك من حولك ويتأثر بك
2- الإنسان معرض لكثير من المشاكل والابتلاءات، فلا ينبغي أن يضعف أمامها، بل ينبغي أن يتجاوزها بالصبر والصلاة، واعلمي أنك لست وحدك فالله تعالى معك نعم المولى ونعم النصير، وهو القائل سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وهو القائل سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
3- يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (الكامل في الضعفاء: 6/354)، فنحن لسنا ملائكة، نحن معرضون للخطأ، وليس في ذلك حرج، وإنما الحرج كل الحرج أن نتمادى في الخطأ، وأن نستمريء الذنوب والمعاصي، لا بل علينا أن نتعلم من أخطائنا، وأن لايغرينا ويغوينا الشيطان فيتخذنا عبيدا له، وقد حذرنا الله تعالى منه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6]، فإذا أذنب العبد وجب أن يرجع إلى الله تعالى ويتوب، فعندئذ يجد الله توبا رحيما، قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وبشر عباده الذين أكثروا من الذنوب بقبول توبتهم فقال جل جلاله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] فلا تيأسي من رحمة الله بنيتي فالسبيل إلى التوبة سهل وإن بدى لك غير ذلك!!
4- اعلمي أن الباعث على التوبة يقظة القلب، إذ القلب الغافل لايشعر بالحاجة إلى التوبة حتى إذا جاءه الموت قال كما في القرآن الكريم: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 100] وأن يقظة القلب لاتحصل إلا باستدامة الفكر في كتاب الله تعالى، وما تضمنه من ذكر الله وصفاته، وما أعده لعباده الصالحين في جنات النعيم، وما أعده للكافرين في نار الجحيم، جل جلاله وعظم شأنه، بهذا التأمل ينشرح صدرك ويدخله نور الإيمان باعثا على التوبة بانشراح الصدر، وذلك قول الله تعالى: {:فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} وقوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}،
وقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} ، فاستجلبي أيتها الباحثة عن التوبة هذا النور بكثرة التأمل في القرآن وكثرة ذكر الرحمن، واعلمي أن الدنيا وملذاتها وشهواتها إلى زوال، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى شرح الله صدره للإسلام، فبين أن معناها أن القلب يدخله نور، وأن العلامة الظاهرة لهذا النور تتمثل في ثلاثة أشياء؛ التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد إلى الموت قبل نزول الموت!
5- هذا واعلمي أن اليقظة التي تقود إلى التوبة قد تأتي فجأة بالعمل الصالح - فأكثري منه - وقد رود في ذلك آثار كثيرة منها ماماجا في وفيات الأعيان، والرسالة القشيرية أن سبب توبة الزاهد الشهير بشر الحافي، أنه أصاب في الطريق ورقة مكتوب فيها اسم الله قد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدراهم كانت معه غالية (عطر) فطيب به الورقة وجعلها في شق حائط!! فرأى في النوم كأن قائلا يقول له: يابشر طيبت اسمي، لأطيبنك في الدنيا والآخرة!! فلما انتبه من النوم تاب
6- التوبة التي تسألين عنها أيتها السائلة الكريمة تتضمن؛ الإقلاع عن الذنب في الحال، والندم عليه فيما مضى، والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، وتتضمن أيضا فعل المأمورات وترك المنهيات، فحقيقة التوبة كما يقول علماؤنا: الرجوع إلى الله، والتزام فعل ما يحب، وترك ما يكره، ولذلك علق سبحانه وتعالى الفلاح المطلق على التوبة فقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، فعليك بالعمل الصالح، وأوله المداومة على الصلاة في أوقاتها وكثرة ذكر الله، والدعاء والإلحاح فيه، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب عبده اللحوح (مجمع الزوائد: 2/235)، اجعلى لك وردا يوميا من القرآن اقرئيه بتدبر وتخشع، فإن من أعظم نتائج ذلك يقظة القلب ثم التوبة التي تبحثين عنها وستجدينها إن شاء الله تعالى
هذا وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المستشار: أ.سر الختم عكاشة