كيف أخطط لحياتي؟

أهم ما أظنك في أمس الحاجة إليه هو البدء الفوري في العمل الجاد لتحويل أحلامك الجميلة إلى واقع أكثر جمالاً وإشراقاً بإذن الله تعالى.

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أنا شاب عمري 17 سنة ولدي عدة أهداف وأقرأ كثيراً في كتب تطوير الذات ويتقد لدي الحماس ولكن عندما أصل

لمرحلة التخطيط لا أجد ما أكتبه حتى أهدافي. فأريد استراتيجية للتخطيط؟

وكما قلت فأنا لدي عدة أهداف ولكن كيف أبدأ؟ وأريد طريقة مبسطة للتخطيط؟

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

بداية أشير إلى أنه يتضح جلياً من طرحك السابق بأن لديك رغبة حقيقية في التغيير وأنك تتمتع بهمة قوية نحو تطوير ذاتك، وهذا بحد ذاته خطوة كبيرة وهامة نحو التغيير الذي ينشده كل واحد منا، ولكن بلوغ هذا الهدف يحتاج إلى خطوات أخرى تلي هذه الخطوة التي خطوتها بنجاح ملحوظ.

 

الخطوة التالية المهمة التي تحتاجها هي تحديدك الواضح لأهدافك وطموحاتك، وهذه الخطوة بالغة الأهمية فسفينة حياتك إن لم تكن لها ميناء وصول محدد فإنها ستقضي جل وقتها تبحر وسط بحار الحياة ومحيطاتها بدون الوصول للمكان المنشود، فحياتنا بدون أهداف واضحة ورسالة محددة قد تصبح ضرباً من العبث، أو على أحسن الأحوال معاناة مستمرة في مكافحة المشاكل والعيش في منطقة ردود الأفعال، وهنا ينبغي التنبه لأمر في غاية الأهمية وهو الفرق بين الهدف والأمنية فالواضح من سؤالك أنك بحاجة ماسة إلى نقل أمنياتك إلى أهداف واضحة (ومكتوبة)، فكتابة خططك وأهدافك تساعدك كثيراً على التركيز في السعي لتحقيقها بدلاً من الاستغراق في أحلام اليقظة والأماني التي لا يتبعها انجاز، كما أن كتابة الخطط والأهداف ستمكنك من الحصول على مقاييس تستعمليها لمعرفة مدى تقدمك في مستوى تحقيق أهدافك وغاياتك، ولذا فإن القاعدة العامة في تطوير الذات أن الأهداف غير المكتوبة ما هي إلا أماني والأماني للأسف ليست أهدافاً بل هي بضاعة المفلس.

 

الخطوة الثالثة التي لا تقل أهمية عن سابقتيها هي ضرورة البدء في العمل وتحويل خططك وأحلامك إلى واقع تصيغه بجد واجتهاد ومثابرة وعدم التسويف في ذلك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، فهذه هي المرحلة التي تفرق بين الجاد في تطوير نفسه وغير الجاد ففيها يقع الامتحان، نعم فكما يقال إن النجاح هو عبارة عن 10% موهبة و90% اجتهاد وعمل ومثابرة، فإذا كانت كل مهارات الإنسان بما فيها ما ذكر من صياغة الأهداف ورسم الخطط وغير ذلك لا يمثل سوى عشر النجاح فإن تلك النسبة الضئيلة وما يقابلها من نسبة عالية في الطرف الآخر كل ذلك يعكس لنا بوضوح أهمية التطبيق العملي لأهدافنا وخططنا وضرورة المثابرة والاجتهاد في ذلك.

 

تلي ذلك خطوة أخرى يمكننا تسميتها (مقاومة المقاومة) فشروعك في التغيير وخوضك غمار التطوير سيحفز كثير من عوامل المقاومة سواء في نفسك أو في البيئة المحيطة بك، وهذه المرحلة هي المرحلة الحاسمة في معركة التغيير سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، وهي تتطلب الصبر والإصرار على بلوغ الهدف، ولتكن على يقين أن هناك شيء واحد فقط في العالم يمكنك التأكد من قدرتك الأكيدة على تغييره وهو نفسك التي بين جنبيك.

 

ولأن هذا التغيير المنشود لا يكون إلا بقوة الله وحوله وقدرته فإنه يجب أن لا نغفل في خضم صراعنا المرير في معركة التغيير بأن نلجأ للقوي الذي لا يعجزه شيء وللكريم الذي وسعت رحمته كل شيء، قال صلى الله عليه وسلم:«لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا» (مسند أحمد: 1/182)، فلو يعي بنوا البشر حقيقة التوكل كما يعيها الطير، لما وجدت من يترك الأخذ بالأسباب وينتظر أن تمطر عليه السماء ذهباً وفضة ثم يجادل ويستدل بهذا الحديث على تواكله وتركه الأخذ بالأسباب وينسى أن الطير غدت من أول النهار في طلب الرزق ولم تتواكل، ولو وعى الناس كذلك حقيقة التوكل، لما وجدت على النقيض الآخر، قوماً شغلت الأسباب والدنيا قلوبهم حتى صار أحدهم يظن أن الأسباب وحدها هي تحرك الكون فيتعلق قلبه بها وتشغله عن مسبب الأسباب ومقدر المقادير سبحانه وتعالى.

 

وآخر ما أوصيك به هو حسن استغلال الوقت وأعني بذلك التحليل والتخطيط والتقييم المستمر لكل منشط من المناشط التي يقدمها الإنسان والمفاضلة بينها من أجل استخدام وقته بأكبر قدر من الكفاءة لتنفيذ خططه ولتحقيق أهدافه، إن ثمار الاستغلال الأمثل للوقت تستحق أن يخصص كل واحد منا جهداً كاف لتعلم فنون ومهارات الحفاظ على أوقاتنا وأهم التقنيات والتكتيكات التي تعيننا في الوصول إلى أعلى درجات الكفاءة في التعامل مع أوقاتنا، وبهذا الصدد أنصحك كثيراً بالرجوع إلى العديد من المؤلفات المتخصصة في هذا الجانب.

 

وختاماً.. أهم ما أظنك في أمس الحاجة إليه هو البدء الفوري في العمل الجاد لتحويل أحلامك الجميلة إلى واقع أكثر جمالاً وإشراقاً بإذن الله تعالى.