ابنتي تقول بأنها مترددة في حب أبيها وكرهه، فما حالتها؟!
من المؤكد بأن مكانة الوالد تستدعي شيئاً من الرّهبة والحرص في قلوب الأبناء، إلا أنّ علاج ذلك يحتاج لتفعيل أساليب التّواصل بكافّة الأشكال، كالتواصل اللغوي والجسدي، والتّعبير عن الحب، ورعاية المشكلات بالتّعاطف، وتوضيح أسباب الرّفض والمنع.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أشكر لكم هذا الموقع المفيد جدًا، وجزاكم الله خيرًا وأكثر.
ابنتي عمرها 11 سنة، ومنذ سنتين اشترى زوجي كاميرا رقمية حديثة فأعجبتها وأرادت أن تشتري كاميرا، فشجعناها أن تدخر مصروفها ليساعدها، واشترينا لها حصالة، وفعلاً جمعت مبلغًا صغيرًا وتفاجأت بها وقد اشترت كاميرا بسيطة من السوبرماركت المجاور، وأحضرتها وهي في قمة الفرح. وبعد أيام جلس أبوها معها، وأخبرها أنه سيهديها الكاميرا المتطورة الخاصة به ويأخذ منها الكاميرا البسيطة؛ فبدأت بالبكاء بهدوء، وانسحبت إلى الحمام، وصارت تبكي.
جلست معها وهدأتها، وسألتها، فقالت إنها تعبت للوصول إلى الكاميرا، وأن أباها لم يعطها الكاميرا خاصته مع أنها طلبتها منه قبل أن تشتري هي كاميرتها، وتشعر أنها تضيع تعبها إن قبلت بهديته، وبنفس الوقت متضايقة من تغييره رأيه بعدما اشترت هي ما تريده.
ابنتي تقول: إنه سيكون من الجنون أن لا تأخذ الكاميرا المتطورة، ولكن الموقف كله مزعج، وتقول إنها دائمًا تتردد هل هي تحب أباها أم لا. تقول ابنتي أخاف أبي يكرهني أو يغضب مني، ويغضب الله، وتقول إنها تهاب أباها كثيرًا، وتخشى أن تغضبه إن تحدثت له بما في نفسها، وتضيف بأنها تشعر بالكراهية كثيرًا له.
الأم الغالية: حفظك الله وأسعدك وسائر أسرتك.
نرحّب باهتمامك، ونشكر ثناءك على الموقع، سائلين الله أنْ نقدّم لك ولسائر المسترشدين النّفع، ونبث الطّمأنينة في حنايا فؤادك، فليس هنالك ما يشير إلى معاناة ابنتك من أمراض أو اضطرابات نفسيّة أو سلوكيّة، وما أشرتِ إليه من مشاعر الكراهيّة تجاه والدها قد تكون مرتبطة ببعض المواقف التّربويّة المتلاحقة، والتي تفسّرها من طرفها بشكلٍ حسّاس.
وكذلك لا يخفى عليك الحساسيّة المفرطة التي تنتاب الفتيات مع بدايات سن المراهقة، والتي تحتاج بلا شك إلى استخدام الأساليب الحرفيّة في التّربيّة لامتصاص تلك الحساسيّة وتفريغ المشاعر والعواطف الكامنة، وأهمها الاعتراف بتلك المشاعر وعدم إنكارها أو الامتعاض منها.
مع عدم تجاهل تلك العاطفة الحساسّة، بل إشباعها بتوفير الحب والدّعم النفسي، والاقتراب منها، وكسر حاجز الخوف والشّك، وتحطيم جدار الكراهيّة الواهمة نحو والدها؛ نتيجة لشعورها بأنّه محور السّلطة والقوة، إضافة إلى الرّهبة من مكانته، ودليل تلك الرّهبة شعورها بالقلق والخوف نتيجة للتفكير باحتماليّة غضبه لمجرّد التّعبير عن رأيها وحريّة قرارها وخيارها في أبسط الأمور التي تعنيها، كرغبتها في الاحتفاظ بآلة التّصوير التي قامت بانتقائها ذاتيّاً وشرائها من مصروفها الخاص.
ومن المؤكد بأن مكانة الوالد تستدعي شيئاً من الرّهبة والحرص في قلوب الأبناء، إلا أنّ علاج ذلك يحتاج لتفعيل أساليب التّواصل بكافّة الأشكال، كالتواصل اللغوي والجسدي، والتّعبير عن الحب، ورعاية المشكلات بالتّعاطف، وتوضيح أسباب الرّفض والمنع.
ولعلاج المشاعر السّلبيّة وتحسين العلاقة بين ابنتك ووالدها وتغيير نظرتها للرّابط الذي يجمع بينهما؛ ننصحك بما يلي:
- تعرّفي على الأسباب الحقيقيّة لخوف ابنتك، ومشاعرها السّلبيّة تجاه والدها، من خلال الحوار المتواصل.
- لا بد من الحرص على خلق بيئة أسرية خالية من النّزاعات والخلافات والشّجار بينك وبين الوالد، لأنّه في كثير من الأحيان تتولّد مشاعر الكراهيّة للآباء من قبل الأبناء نتيجة للخلافات الخاصّة بين الوالدين، مما قد يثير ألم ابنتك.
- عليك أنّ تكوني حلقة الوصل الإيجابي بينهما مع تحسين صورة الوالد، والتّأكيد لابنتك بأّن والدها يحبّها ويخاف على مشاعرها، وأنّ رغبته في استبدال آلة التّصوير ليست إلا شعوراً بالفخر بقدرتها على تحمّل مسؤوليّة جمع النّقود، وانتقاء ما يناسبها لتحقيق حلمها في الحصول على آلةٍ مناسبة.
- لا بد من إتاحة الفرصة لابنتك للتّعبير عن رأيها بحريّة، واحترام رغبتها وقرارها، وتسهيل الأمر عليها باحترام وجهة نظرها، والإقرار بأنّ من حقّها الاحتفاظ بآلة التّصوير الخاصّة بها ورفض تلك؛ لأنّ الغاية الأولى وهدف الوالد إدخال الفرحة والسّرور إلى قلبها وليس إزعاجها وإثارة ألمها.
- لا بدّ أنْ يكون للأب دور رئيسي في شرح مشاعره لابنته، والاقتراب منها، والتّعبير لها عن حبه واحترامه لموقفها.
- تنمية روح الشّراكة الأسريّة، والتّعاون في تبادل الممتلكات الخاصّة بعد الاستئذان، بحيث يمكن لابنتك استعارة آلة التّصوير الرّقميّة وقت الحاجة، وتبادلها مع الوالد أو غيره من أفراد الأسرة، مع الحفاظ على سلامة الآلة وتحمّل مسؤوليّة ذلك.
وأخيراً: لا بد من التّخلّص من التّوجّهات السّلبيّة في التّربية، كالحماية الزّائدة وفرض الرأي، أو التّسلط، وكبت المشاعر، أو التّناقض في أساليب التّربية بين الوالدين، مع تنمية مشاعر الانتماء للحفاظ على الصّحة النّفسيّة لابنتك، وحمايتها من المشاعر السّلبية والألم النّفسي.