ابني المراهق كتوم ومتأثر بصديقه!

من الطبيعي وجود فجوة بين الآباء والأبناء نتيجة فرق السن والتفكير، إلا أن مسؤولية الوالدين تحتم عليهم البحث عن طرق جديدة ومبدعة للمحافظة على التواصل معهم، فيمكن إيجاد اهتمامات وهوايات مشتركة مثل لعب الكرة لقضاء وقت ممتع ومثمر مع الأبناء، وخلق التقارب والثقة.

السؤال:

ابني عمره 16 سنة، ذكي جداً ومتفوق دراسياً –والحمد لله-، مشكلتي معه أنني لا أستطيع التواصل معه؛ لأنه كتوم جداً، ويتجنب الحديث معي أنا وأبيه، حاولت مرارًا وتكرارًا بناء علاقه معه أنا وأبوه، ولكن للأسف فشلنا؛ فهو كتوم جداً، ولا يريد إخبارنا بأي شيء يحدث معه لا في المدرسة ولا مع أصحابه، بالإضافة إلى أنه لا يصلي، واكتشف أنه أيضاً لا يصوم، وعندما واجهته أنكر في البداية، ثم برر عدم صيامه بالاختبارات، وأنه لا يستطيع الصوم وأداء الاختبارات بنفس الوقت، ومنذ سنة تقريباً سرق مفتاح سيارة والده، وذهب بها، ورجع والسيارة بها حادث كبير، والله سلم بأن نجي من الحادث، ووبخه أبوه كثيراً، ولكنه لم يضربه، وبعد سنه من هذه الحادثة، بالأمس سرق السيارة مرة أخرى، وذهب بها لصديقه الذي منذ أن تعرف عليه وكل حياته اختلفت، فهو أكبر منه بسنة ونصف، ومنذ تعرفه عليه انقلب لشخص مختلف,

الرجاء أن تنصحوني بكيفية التعامل مع ابني لأني فشلت أنا وأبوه في التعامل معه، وعن كيفية التعامل مع الصديق الذي سيطر على ابني سيطرة تامة، والذي أثر عليه وأقنعه بسرقة سيارة والده والخروج بها في الشوارع العامة، من دون حصوله على رخصة قيادة.

ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابة:

 أختي الكريمة، أهلا ومرحبا بك .

 بداية: اسمحي لي أن أعبر لك عن سعادتي الشخصية بفحوى رسالتك، وذلك لاهتمامك وحرصك على ابنك، ومحاولة التقرب منه في ذلك السن، والدخول لعالمه، ومساعدته ليصبح أكثر توافقًا، ففي ذلك الزمان انشغل الكثير من الآباء عن حتى ملاحظة أبنائهم أو ما يعتريهم من تغيرات.

 ولكن أختي هوني على نفسك؛ فابنك -حفظه الله- يمر بمرحلة عمرية هامة في حياته، وهي بالطبع وكما تعلمين مرحلة المراهقة، وفي تلك المرحلة يحدث الكثير من التغيرات المفاجئة على جميع جوانب النمو  الجسمية والفسيولوجية والمعرفية، والاجتماعية والانفعالية؛ وبالتالي تتأثر حياة المراهق ومشاعره ونظرته وتقييمه للأمر،  ويختلف المراهقون في درجة وشدة تأثرهم بتلك التغيرات، وفقًا لعدد من العوامل منها طبيعة الشخصية، ظروف وأساليب التنشئة والتربية وما يتلقونه من دعم ومسانده في البيئة المحيطة بهم، وبناءً على تلك العوامل ينتج ثلاثة أنواع من المراهقة وهي (المراهقة الناضجة، والمراهقة الانسحابية، والمراهقة المتمردة) فالمراهقة الناضجة ناجحة، تتجلى فيها سمات الشخصية المبدعة والقيادية، ولا تمر بنفس الاضطرابات الانفعالية، أما المراهقة المتمردة ويظهر على المراهق فيها سمات العدوانية والتحفز وسرعة الغضب والعصبية، والعنف والصراخ، والتلفظ بألفاظ نابية، والتمرد على المجتمع وكل من يمثل السلطة، أما المراهقة الانسحابية؛ ففيها يمر المراهق بحالة من العزلة الاجتماعية والصمت؛ لذلك ترينه يمكث لأوقات طويلة في غرفته، وقلة العلاقات الاجتماعية، وعدم الشعور بالاستمتاع مع الأسرة، والمزاج الذي يغلب عليه الحزن أو الشجن؛ وسبب ذلك النوع من المراهقة قد يرجع إلى القسوة في التربية، المشاكل الأسرية أو الانفصال بين الوالدين، تدني الثقة بالنفس وعدم تقبل الذات.

 أما الأصدقاء فلهم بالفعل دور بالغ الأهمية والخطورة في تلك المرحلة، فابنك يمر بخليط من المراهقة الانسحابية والمتمردة، فهو ينسحب منكم ولكنه يتمرد على القوانين وكل ما يشكل أمرًا أو سلطة، حتى الصلاة والصوم، واختلاس مفاتيح سيارة والده، ويكون تأثير الأصدقاء أحياناً إيجابياً، إلا أن أغلبه سلبي وضار، ويمكن أن يضع المراهق في دائرة الخطر، ويحول بينه وبين خططه المستقبلية. فصديقه هو كل حياته، وهو مثله الأعلى في الحياة؛ لذلك يستجيب له في كل ما يمليه عليه، فهو يشعر أنه من يفهمه ويتحرر معه من كل القيود والسلطات؛ وهذا ما يريده ابنك.

 لذلك فبدلاً من السماح لضغط الأصدقاء بالتأثير على المراهق، يجب مساعدته وتعليمه كيفية مواجهة الضغوط السلبية والاستمرار في حياته بشكل إيجابي، ويمكن انضمامه إلى الأندية أو الجماعات التي يمارس فيها هواية أو نشاطًا مع أشخاص متشابهين معه في الميول والاهتمامات.

 أكدي لابنك أن تدعميه وتساعديه، وحاولي مناقشة خططه المستقبلية، وأنك ستساعدينه في تحقيق ما يصبو إليه، ولكن الأمر يتطلب التزامًا وتعاونًا منه، والإفصاح عما يريده، وما هي أهدافه؛ حتى تساعديه على اتخاذها والتخطيط لها.

 الوقت ليس متأخرًا كثيرًا لفتح حوار مع ابنك، وربما هو لم يتعود منذ صغره على الحوار والنقاش معكما؛ لذلك فالأمر صعب عليه الآن، ولكن وضحي له دومًا ولا تيأسي أنك تريدينه أن يعبر عما في نفسه، وأنك ستستعين إليه دومًا بحب واهتمام وعدم مقاطعة أو لوم مهما كان، ولكن ليتحدث إليك حتى تقفي بجانبه وتساعديه وتطمئني عليه، فلا يوجد في الكون أحرص من الآباء على أبنائهم.

 من الطبيعي وجود فجوة بين الآباء والأبناء نتيجة فرق السن والتفكير، إلا أن مسؤولية الوالدين تحتم عليهم البحث عن طرق جديدة ومبدعة للمحافظة على التواصل معهم، فيمكن إيجاد اهتمامات وهوايات مشتركة مثل لعب الكرة لقضاء وقت ممتع ومثمر مع الأبناء، وخلق التقارب والثقة.

 لا تيأسي أو تكلي أو تملي من الدعاء لابنك بالهداية، وأن يحميه الله ويعصمه من كل سوء.

 واختلقي جمعات مع الأهل والأقارب الأصدقاء الجديدين، وامنحي ابنك فرصة للتعرف على أشخاص جيدين، وتحدثي معه عن أهميه الصداقة ومواصفات الصديق الجيد، وحفزي أبناء العائلة والأقارب والأشخاص الجيدين الذين تثقين بهم للتواصل مع ابنك وإقامة علاقة تدريجية معه.

 وأدعو الله أن يوفقك، وأن يشرح صدرك ويطمئن قلبك على ابنك الغالي حفظه الله وحماه، وأهلاً بك أختي العزيزة، وبانتظار المزيد من استشاراتك.

المستشار: د. رباب محيي عمار