عادتي احتقار الناس!

على الإنسان إن رأى أحدًا به عيب أو مرض أن يقول ذلك الدعاء الذي علمه لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: «من رأى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء».

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

من تجاربي في الحياة لاحظت أني حينما أحتقر فعل شخص ما فبعد مرور الايام أفعل نفس الفعل الذي احتقرته فمثلا كانت إحدى قريباتي شاردة الذهن دومًا فكنت أحتقر هذه الصفة فيها، مع العلم أني لم أتحدث عنها أبدًا إنما كان كل ذلك في قلبي ومع مرور الزمن أصبحت شاردة الذهن وغير ذلك من المواقف التي حصلت معي... فهل ذلك صحيحًا أن من أحتقر شخصًا في نفسه قد يصبح مثله وما السبيل لأتخلص من هذا؟

الإجابة:

خص الله تعالى الإنسان حيث كرمة وأنعم عليه كما ذكر في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، فأنعم عليه ووهبه العديد من النعم الجليلة التي لا تحصى ولا تعد وذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:18].
 

إن تذكر تلك النعم يستوجب الشكر له سبحانه ونزيد له الشكر خاصة عندما نجد صورا كثيرة أمامنا تفتقد وتفتقر لبعض هذه النعم، فهو سبحانه المنعم علينا، وكثيرا ما ننسى شكره على تلك النعمة إلا عندما نجد ونرى صورة أمامنا من هؤلاء الذين فقدوها.
 

فبعض الناس يخصهم الله تعالى بنعم كثيرة لدرجة أنهم يعتبرون أنفسهم أفضل من غيرهم وأنهم يستحقون ذلك لأجل ذواتهم، ومن هنا تنشأ السخرية والتعالي والنظرة المنتقصة للآخرين، وكثيرًا ما نسمع كلمات الهمز واللمز والنكت والتعليقات التي تتهم البعض بالغباء.
 

والبعض يتعالى على الآخرين بالعلم فيشعر من أمامه بالجهل، وآخرون يسخرون من الناس بسبب صفاتهم الخلقية أو ألوانهم وغيرها من المسببات التي لا تولد إلا الكره والبغض والحقد فتورث البغضاء بين الناس من أتباع تلك السلوكيات الذميمة.

الأخت الفاضلة: ذكرت في أول رسالتك أنك تكتبين من واقع تجربة الحياة وأنا أرى أن هذه الكلمة إدانة لك فتجارب الحياة كثيرة ومتعددة وحقيقية حية محسوسة فهي أفضل وسائل التعليم لذا على كل إنسان ألا يدع تجربة أمامه تمر مرارًا عابرا ولكن لا يتركها دون أن يعطي لنفسه دروسا منها ومنهجا يسير عليه ويستفيد منه استفادة عمليه تطبيقية.
 

أمر آخر ذكرت في رسالتك ذلك (الاحتقار) الذي نسبتيه إلى قلبك دون التحدث به أمام قريبتك وذلك في كلمة "أني لم أتحدث عنها أبدا إنما كان كل ذلك في قلبي" فعليك أيتها الفاضلة أن تعلمي أن القلب هو أساس الإيمان فالله تعالى وحده هو الذي يعلم ما في الصدور حيث أنه يوجد نساء تظهرن بطبائع طيبة وأخلاقيات وذوق عال لكن البعض منهن تخفي في قلوبهن بعض العيوب فالإنسان بطبيعته ضعيف لا يعصم، فصفة الاحتقار التي ذكرتيها ونسبتيها إليك قد تعد من تلك الأمراض التي تصاب بها بعض القلوب، بل قد تضعف قلبك وتصيبه بالكبر والاستعلاء على الآخرين والإعجاب بالنفس والأنانية وحب الذات، لذا عليك أيتها الأخت أن تنظري في نفسك لماذا تشعرين بالاستعلاء تجاه من أمامك؟!
 

واعلمي أن صفة الاستعلاء قد تجرك إلى سلوك ذمه الله تعالى وهو السخرية والاستهزاء بمن حولك مما يؤدي إلى اكتسابك هذه الصفات التي عيرت بها من حولك حيث أنه من استهزأ بأحد قد يصيبه ذلك العيب، فقد قال الله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10] وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه، لم يمت حتى يعمله» (أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح).
 

أما بالنسبة لقضية شرود الذهن التي ذكرتيها برسالتك عليك أن تعلمي أن قد تكون هذه القريبة تعاني من السرحان وعدم التركيز ربما من كثرة الضغوط عليها أو التأثر من مشكلات ما أو زيادة قلق من أمر معين فكلنا نقع في ذلك ليس هي فقط.
 

وعليك أن تعلمي أنه لا يوجد أحد منا خال من العيوب لكننا علينا أن نطهر أنفسنا من تلك الصفات التي تجعلنا نستعلي على من أمامنا وننتقصهم.

وإليك هذه النقاط:
1- اعلمي أن الساخر المتعالي تستوجب له التوبة فقد قال تعالى عندما نهى في الآيات المؤمن أن يعاير أخاه {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]، وفي قوله تعالى: {أَنْفُسَكُمْ} بيان أن المسلمين كنفس واحدة فمتى عاب المسلم أخاه فكأنما عاب نفسه وختم الله تعالى الآية أنه من لم يتب عن الهمز واللمز والتنابذ فأولئك هم الظالمون حيث أنهم قد ظلموا أنفسهم بتعريضهم للعذاب بسبب إقحامها في معصية الله وارتكاب ما حرم عليها فإن أتباع تلك السلوكيات مخالف للنهي الإلهي مما يعرضه لمعصية الله تعالى وسخطه.

2- على الإنسان أن يعلم أن من أعرض عن الله وخالف أمره وشرعه سلط عليه من مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها وشدتها جزاء وفاقا بما كسبت يداه فلا يظلم ربك أحدا فالله تعالى من تمام عدله لا يغير نعمة على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه لقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]. أي أن النقص في الأموال والأنفس والزرع والثمرات بسبب المعاصي ابتلاء من الله واختبار ومجازاة على ما أحدث الناس من المنكرات لعلهم يتعظون.

3- الله تعالى قال: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات:11]. فالسخرية معناها أن تستهين وتحتقر الغير، وقد يحدث هذا عن طريق المحاكاة، يعني التقليد في الفعل أو القول أو بإشارة معينة أو بإيماءة أو بتلميح فيفهم من يرى هذا أن فلان يستهزأ بفلان.

4- على الإنسان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه والإنسان طالما لا يقبل بسخرية الآخرين فعليه ألا يسخر من الآخرين.

5- المؤمن لابد أن يشغل نفسه بعيوب نفسه دون النظر والاهتمام بعيوب الآخرين لقوله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الآخرين».
6- على الإنسان أن لا ينظر إلى غيره على إنه أقل منه لأن الله تعالى فضل بعض الناس على بعضهم وكرمهم على بعض بالتقوى التي في قلوبهم لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]؛ بل الإنسان عليه أن ينظر لمن أمامه أنه أفضل وأحسن منه.

7- على الإنسان المراقبة التامة للنفس ومحاسبتها فيجب أن يتقى كل واحد منا الله تعالى ويمسك لسانه فلابد في التفكير في الكلام قبل التلفظ به فإن كان خيرا وإلا فليصمت.

8- على الإنسان إن رأى أحدًا به عيب أو مرض أن يقول ذلك الدعاء الذي علمه لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: «من رأى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء» (قال الترمذي: حديث حسن).

9- على الإنسان أن يشعر بصاحب المرض أو الابتلاء ويضع نفسه مكانه لأننا كلنا كمسلمين جزء واحد لا يتجزأ قال رسول الله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

10- عندما يتنعم الإنسان بنعم الله عليه ألا ينسى شكره تعالى فسبحانه وعد الشاكرين بالمزيد حيث قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] فبذلك الشكر يحافظ على النعمة التي عنده من الزوال بل ويزيدها بزيادة الشكر لله سبحانه.


11- معاهدة النفس بعدم السخرية والاستهزاء من الآخرين.
12- على المسلم أن يعلم أن الله تعالى قادر على أن يسلط عليه من يسخر ويستهزأ به.
13- أخيرا ليس علينا إلا أن نتحلى بالتواضع الذي هو من صفة المؤمنين فقد كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للتواضع والأخلاق الكريمة ولكم في رسول الله أسوة حسنة.

 

 أميمة الجابر