أخي ذو السبع سنوات شاهد أشياء مخلة في اليوتيوب!

لا شك أن مشاهدة الأطفال لمثل هذه المناظر الإباحية سيعلق في تفكيرهم ويؤثر فيه، وفي أغلب الأحيان، وإن أتيحت لهم الفرص، فسيتجهون مجددًا للبحث عن المزيد من هذه المناظر؛ كنوع من الفضول أولاً، وللاستمتاع بمشاهدة هذه الأمور التي يستكشفون بمشاهدتها حقائق وخفايا لم يعرفوها، ولم تخطر ببالهم مسبقًا.

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أخي عمره 7 سنوات، طفل ذكي ومتفوق في دراسته بشكل ملحوظ. مؤخراً أصبح يأخذ جهازي "الأيباد" لمشاهدة مقاطع الألعاب في اليوتيوب، وعادة أسمح له بساعة أو ساعة ونصف في اليوم، ويستعمله في الصالة، بحيث أكون حوله، ولم ألاحظ أنه قد شاهد أي شيء مخل من قبل.

اليوم بحكم أني منشغلة بالاختبارات؛ طلبت منه أن يشاهد في غرفة نومه تقريبًا لأول مرة، وبعد ساعة دخلت لأخذ الجهاز؛ فوجدته مغطىً كاملاً بالبطانية، رغم أن الجو حار؛ فاستغربت قليلاً، لكني لم أعر للأمر أهمية، وأغلقت الجهاز ووضعته في غرفتي وأكملت يومي.

في الليل اكتشفت أنه دخل غرفتي وأخذ الجهاز لغرفته "رغم أنه لم يكن يعرف كلمة السر من قبل" وكان في مثل الوضعية متغطي بالبطانية، طلبت منه أن يعطيني الجهاز فارتبك جدًا وقال "سأغلقه أولاً" في هذه اللحظة أيقنت أن هناك شيئًا خاطئًا، لكني لم أتوقع أنه من الممكن أن يصل إلى هذا السوء.

عندما فتحت اليوتيوب دخلت "history" كنت مصدومة جدًا؛ مقاطع مخلة تخجل عيني من رؤيتها، لم أشاهد المقاطع، ولا أعرف ما طبيعتها وما شاهد بالضبط، فأنا قد حكمت أنها إباحية من صورة المقطع، لكني خائفة جدًا أن تكون طفولته قد انتهكت.

من الواضح أنها أول مرة؛ فقد كان يشاهد مقاطع عن لعبة محددة كالعادة، وكان هناك مقطعًا مخلاً مصممًا عن اللعبة، وقد تكون هذه المقاطع من ضمن الاقتراحات.

حاليًا أنا في حالة صدمة وبكاء، لا أستطيع تصديق الأمر، وفي فترة اختبارات، وأشعر انه لا يمكنني التركيز بعد الآن.

ماذا يمكنني أن أفعل في هذه الحالة؟ كيف أتحدث إليه وبماذا أخبره بالضبط؟ لا أريد أن أرعبه، في النهاية هو طفل وغير مسؤول عن تصرفاته.

وأيضًا: هل تصرفه هذا ناتج عن فضول، أو من الممكن أن يهتم الأطفال بهذه الأمور؟

شيء أكيد أني لن أسمح له بأخذ الجهاز مره أخرى، فهل هذا تصرف سليم؟

أنا في حالة قلق ورعب شديدين، ولا أعرف ماذا أفعل وكيف أتصرف! أي نصيحة أو اقتراح سأكون شاكرة له.

الإجابة:

ابنتي العزيزة: هوني عليك ولا تقسي على نفسك أكثر، وأنا أدرك ما تشعرين به من هلع وقلق، لكن مثل هذا الأمر يتطلب منك ضبط النفس، والتفكير بهدوء والتصرف بعقلانية.

وإن انتشار هذه الهواتف الذكية ودخولها بيوتنا وغرف نومنا وعقول أطفالنا لهي بلاء هذا العصر، فأعاننا الله وإياكم على تربية أبنائنا في ظل هذا التحدي الكبير الذي نواجهه.

ولا شك أن مشاهدة الأطفال لمثل هذه المناظر الإباحية سيعلق في تفكيرهم ويؤثر فيه، وفي أغلب الأحيان، وإن أتيحت لهم الفرص، فسيتجهون مجددًا للبحث عن المزيد من هذه المناظر؛ كنوع من الفضول أولاً، وللاستمتاع بمشاهدة هذه الأمور التي يستكشفون بمشاهدتها حقائق وخفايا لم يعرفوها، ولم تخطر ببالهم مسبقًا.

 لذا: فمن المهم تجنب إظهار ردود الفعل العنيفة تجاه ما حدث؛ حتى لا تلفتي نظره أكثر إلى هذا الأمر وتعززي من رغبته في مشاهدة هذه المقاطع أكثر.

وإن تأثر الأطفال بمشاهدة هذه الأمور قد يختلف من طفل لآخر بحسب شخصيته، فكلما كانت شخصية الطفل أقوى، وكان أكثر مرونة وأقل حساسية وتأثرًا بالأمور؛ كان تأثره بمشاهدة هذه المناظر أقل، وقد يتجاوزه مع الوقت، إن شغل عنها وملء وقته بالنشاطات المفيدة والمسلية التي تصرف تفكيره وتشغله.

 وأخوك قد شاهد هذه المناظر بطريق الصدفة، كما قد يحدث غالبًا، وقد أدركت أن هذا قد حدث خلال تصفحه لمواقع للألعاب أو بحثه في اليوتيوب عن فيديوهات للألعاب، ولا شك أنها أثارت فضوله، فنظر فدفعه فضوله ورغبته الطفولية في الاستكشاف إلى مشاهدتها، ولم تكتشفي ذلك، فقد كان سيبحث عن المزيد منها، ليس بدافع جنسي مطلقًا في سنه هذا، إنما هو الفضول والشعور بالمتعة، وشعوره بأن ما يشاهده أمر يثير الاهتمام.

 وينبغي أن ننظر إلى مثل هذه المواقف على أنها فرص تعليمية نوجه من خلالها أبنائنا إلى السلوك السليم والقيم الحميدة، ونعلمهم مراقبة النفس، ونغرس فيهم الشعور بمراقبة الله تعالى لهم، ونعرفهم بالحلال والحرام، وننمي بهذه الفرص أيضًا الحوار والثقة بيننا وبينهم.

فاجلسي مع أخيك، وتحدثي إليه بهدوء وود، وبصوت يخلو من الغضب؛ حتى لا يدفعه خوفه من التهرب من الحديث معك، وحاولي أن تعرفي منه بداية كيف استدل على هذه المقاطع، وكيف تعرف عليها؛ حتى تعرفي الأسباب وتعالجيها.

ثم تحدثي إليه عن حرمة النظر لهذه المناظر والفيديوهات، وأن هذا أمر يغضب الله تعالى لأنه أمر حرام، وحدثيه أن الله تعالى قد أنعم علينا بنعم كثيرة منها البصر والسمع، وأننا مسؤولون عن هذه الحواس، وعلينا أن نستخدمها فيما يرضي الله؛ لكي نشكر الله تعالى عليها، وعندما نستخدم أعيننا وأسماعنا للنظر وسماع هذه الأمور المحرمة، فالله تعالى سيغضب منا، فهو تعالى يشاهدنا ويسمعنا حتى ونحن لوحدنا، والإنسان المؤمن يخجل أن يراه الله تعالى وهو ينظر للحرام أو يفعل شيئًا محرمًا.

وعلميه أن الشيطان هو الذي قد وسوس له لمشاهدة الحرام كي يغضب الله تعالى، وأنه ينبغي أن يكون أقوى من الشيطان، فإن دله على هذا الأمر مرة أخرى، أو ظهرت له مثل هذه المناظر صدفة، فيتذكر أن الشيطان هو الذي يوسوس له بمشاهدتها فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويغلق الهاتف فورًا؛ حتى يتغلب على الشيطان ويقهره، وينال رضا الله تعالى عليه ومحبته.

   وقد يسألك ويستفسر منك عن ما شاهد، فأجيبيه بصراحة دون تمويه، ولكن بطريقة بسيطة قريبة من تفكيره. 

 ومن المهم -بنيتي- أن يكون هنالك رقابة مباشرة على استخدام الأطفال لهذه الأجهزة، فلا يستخدم الطفل الجوال إلا في غرفة الجلوس وسط الأهل لا يغيب عن ناظرهم، ويوضع الحاسوب في الصالة مثلاً، وتوضع برامج الحماية على هذه الأجهزة، فهنالك برامج لحجب المواقع الإباحية، أو برامج تحدد استعمال الهاتف للأطفال.

وتنبهوا أيضًا إلى ما يشاهد على التلفاز، وشفروا القنوات غير المناسبة، فكثيرًا ما تأتي مناظر معينة حتى خلال البرامج غير المتوقعة أحيانًا.

والآن وقد وقع الأمر: من المهم أن تحاولي شغل تفكيره عن ما شاهد، فتحدثي والدتك بهذا الأمر، وحاولوا أن تشغلوا وقته كله بالنشاطات المفيدة والمسلية، وأشغلوه بأمور يحبها ويفرغ طاقته وتفكيره فيها؛ فكلما انشغل تفكيره وملأ وقته؛ كلما صرفه هذا عن التفكير فيما شاهد وساعده على نسيانه.

وعلموه الصلاة وشجعوه عليها، وحدثوه عن الحلال والحرام، وعن الجنة وما أعد الله للمؤمنين فيها من أمور تهواها النفس، وصوروها له بما يتناسب مع تفكيره؛ فالحديث عن الجنة أمر يهواه الأطفال، خاصة عندما تحدثونه بأنهم يستطيعون أن يحصل على كل ما يتمناه فيها، ثم حدثوه عن ما يقوده إلى الجنة وما قد يصرفه عنها.

 وحملوه مسؤوليات داخل البيت، بحيث يتعلم مهارات جديدة وينشغل بأمور نافعة؛ فتقوى شخصيته، وتتعزز ثقته بنفسه؛ وهذا سيجعله أكثر قدرة على التعامل مع التحديات التي يتعرض لها، وتشغلوه أيضًا عن الإلكترونيات وعن احتمالية مشاهدة هذه الأمور مجددًا.

ثم ينبغي أن تبدؤوا معه ببعض التربية الجنسية بما يناسب عمره وفهمه، فتعلموه ضرورة ستر العورة، وتعلموه أن في الجسد مناطق خاصة تحددوها له ينبغي أن لا يلمسها أحد أو ينظر إليها، فلا يبدل ملابسه أمام أحد، وإن حاول أحد أن يلمس هذه المناطق؛ فينبغي أن ينهره ويهرب منه، وهذه أمور مهمة -ابنتي الكريمة- لكل الأطفال؛ كي نحميهم من التعرض لخطر التحرش الجنسي.

 وينبغي أيضًا مراقبة أخيك في هذه الفترة، حتى وهو مع أطفال آخرين، وتتجنبوا أن يختلي الأطفال ببعضهم البعض؛ لأن مشاهدته لمثل هذه المناظر قد يسيطر على تفكيره لفترة، وقد يحاول تجربتها، كما يفعل الكثير من الأطفال الذين يتعرضون لنفس التجربة، فراقبوا سلوكه أيضًا، وكونوا حريصين دون أن تشعروه بمراقبتكم له.

 وإن الأساس في تربية الأبناء، خاصة في زمننا هذا، هو زرع الرقابة الداخلية عندهم، وتقوية الوازع الإيماني عندهم، وتعليمهم الحلال والحرام، واستخدام الحوار والنقاش معهم، وبناء الثقة بيننا وبينهم؛ حتى يعودوا إلينا ويحدثونا عن ما قد يواجهونه في أمورهم، ومن المهم انتهاز المواقف السلبية وتحويلهم إلى فرص تعليمية لنعزز فيهم معرفتهم بأمور دينهم.

وتذكري- بنيتي- ضرورة الابتعاد عن الغضب والانفعال في التعامل مع الأمر، واستخدام الحكمة والروية في ذلك، ومنعه من الجهاز نهائيًا أمر سيثير فضوله أكثر ويعزز ما شاهد في تفكيره، لكن ينبغي تقنين استخدام الهاتف، وأن يكون تحت رقابة مباشرة منك، دون أن تشعريه بمراقبتك له؛ حتى لا تثيري فضوله مجددًا، ولعبه على الهاتف من الأمور التي ستشغل تفكيره أيضًا بأشياء أخرى.

ثم أشعريه بثقتك به، وقولي له: أنا أعلم أنك طفل جيد وأنك تخشى الله تعالى وتتجنب الحرام، وما حدث قد كان عن طريق الصدفة، وأنا واثقة أنك الآن تعلم أنه حرام ولن تنظر إليه مرة أخرى؛ لذا سأسمح لك باستخدام الجوال؛ فإشعاره بثقتك به وتنبيه الرقابة الداخلية لديه أمر جيد، لكن في نفس الوقت لا تعتمدي على هذه الثقة ولا تثقي بها، وكوني حريصة، كما أسلفت، ولا يغيب عن ناظرك استخدامه للهاتف، أو حتى عند خلوته بأطفال آخرين.

وأكثروا له من الدعاء؛ فالدعاء من أقوى أسباب تربيتنا لأبنائنا، وحفظ الله تعالى لهم إلى جانب تقوى الأهل وصلاحهم.

وكوني متفائلة، ووكلي الأمر لله تعالى، والله خير حافظًا، ولا تدعي الندم والقلق يؤثر على دراستك وأنت في فترة امتحانات، فما حدث قد حدث، ولن يحدث الندم منه مخرجًا، إنما يدخلنا الندم في دائرة الحزن والأفكار السلبية، ويعطل قدرتنا على التفكير السليم.

وفقك الله تعالى -بنيتي- في دراستك، وبارك لك في أخيك، وحفظه وسلمه من كل سوء، وجعله من عبادة المؤمنين الأتقياء.

ودمتم سالمين.

 

المستشار: أ. فدوى الشمايله