ابن أختي المطلّقة يؤثّر على تربية طفلي وشخصيّته!

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

ولدي يبلغ من العمر 6 سنوات، لم يدخل المدرسة بعد، المشكلة هي في شخصية ولدي؛ فيها جانب التأثر أكثر من التأثير؛ ولذلك فهو ينقاد ويلون بحسب من يلعب معه، وليست المشكلة هنا فقط، نحن في جوار الوالدة، وعندها أختي وهي مطلقة، ولديها طفلان، أحدهما في الصف الثاني الابتدائي، متوقد الذهن جدًا، وقد أعطي نباهة بل فرط ذكاء، لكنه عدواني، متسلط، وفيه شراهة وحب تملك عجيب، والده ينفق عليهم بسخاء بل إلى حد السرف، وكأنه يعوض عنفه معهم وقسوته بالإنفاق، والمشكلة هي أن هذا الولد سلوكه رديء؛ فهو يفتعل المشاكل مع محيطه، يضرب أمه مرة فأدبته تأديبًا بليغًا؛ كل ذلك كنت أتعامل معه بالصفح والإعراض، لكني صدمت لما أخبرتني زوجتي عن ابنتنا الصغيرة ذات الأربعة أعوام تخبر أمها أن ابن عمتها المذكور يحاول أن يخلع ملابسها، وتقول زوجتي: إنها استدعته وأعطته "علقة ساخنة"، هذا الولد أرحمه من جهة تشتت وضعه الأسري، لكني لا أريد أن يفسد علي أولادي، وخصوصًا ولدي ذا الست سنوات. نهيته صحبته أكثر من مرة بأكثر من أسلوب، وفي كل مرة لا ينفك عنه، والمشكلة معه ليست مشكلتي وحدي، فنحن إخوة متجاورون، والكل يشتكي من سلوكه الرديء.

لا أدري كيف أعزل ولدي عنه! لأن الطباع سراقة، وحب التسلط عنده يخفض من معنويات ولدي، وأخشى أن يفسد علي أخلاق ابني، وأن يضعف شخصيته مع الوقت.

أشيروا علي، بارككم الله.

الإجابة:

السيّد الأب الكريم: حفظك الله وسائر أطفالك وأحبتك، وأسعد مساءك وسائر أوقاتك.

نثني على اهتمامك بتربية أطفالك وأطفال إخوتك من حولك، ولا شك بأنّ تأثير الأقران في تربية الأبناء أمر ليس باليسير، بل قد يفوق وسائل التّربية الأخرى، وعلى ما يبدو أنْ ابن أختك -حفظه الله يعاني من دلالٍ مفرط وسوء تفعيل الأساليب التّربويّة، النّاتج عن انفصال والديه، إضافة إلى طبيعة سماته الشّخصيّة التي تميل إلى السّيطرة والتّسلّط؛ مما يجعله العنصر الأقوى تأثيرًا بين الأقران الآخرين، ولا بد من العمل الجماعي تحت تغطية تربويّة تبدأ من أختك والدة الطّفل، إضافة إلى تعاون واتفاق مشترك بين كافّة الأطراف.

ولا شك بأنّك محق في محاولة حماية طفلك من التأثير السّلبي لسلوك ابن عمته على شخصيّته وانفعالاته وأساليب التّكيّف، إلا أنّ أهم وسائل الحماية هو احتضان ابن عمته بالحب والقبول، ومساعدته على اكتساب قناعات ذاتيّة بأّنّ بإمكانه الوصول إلى احترام وتقدير كافة من حوله عند التّخلّي عن سلوك التّسلّط والعنف، ونؤكّد لك بأنّ ساعة احتواء في اليوم كفيلة بتغيير حياة الطّفل في مرحلة الصّف الثّاني للتّعلّم، والأمر ليس نظريًّا ابدًا، بل هو واقع من خلال التّجارب العمليّة الكثيرة.

ومما يزيد سلوك ابن أختك تحدّيًا وشراسة شعوره بأنّه مصدر قلق وإزعاج لكلّ من حوله، والبيئة المحيطة تلك هي مصنع الطفولة والسّلوك القويم؛ لذلك لا بد من إبدال الطّفل بالعاطفة الآمنة، والإشباع الكافي لاحتياجاته النّفسيّة؛ لتحسين أدائه السّلوكي، وأساليب تعامله مع الأقران والآخرين بصفة دائمة.

أمّا عن حقيقة مشكلة طفلك وتأثّره البالغ بسلوك ابن عمّته؛ فالسّبب في ذلك يعود لاقتصار علاقات طفلك مع الأقران بابن عمّته، خاصّة وأنّه في السّادسة من العمر ولم يلتحق بعد بالتّعليم النّظّامي، ودخوله إلى المدرسة سوف يعمل بشكل تلقائي على تحسين قدرته على تكوين علاقات الصّداقة، والخروج عن تسلّط وسيطرة ابن عمته؛ نتيجة للتّعرّف على أنماط مختلفة من السّمات الشّخصيّة والسّلوكيّة في بيئة المدرسة.

 

وإليك بعض الأساليب للمساعدة في حماية طفلك من أنْ يكون تبعًا لأحد، وأنْ يفرض ذاته ويقرّ بكيانه المستقل رغم التّحدّيات أو تسلّط بعض الأقران:

احذر النّقد والوصف السّلبي لطفلك: لأنّ طفلك يكتسب قناعاته تجاه الذّات من مجموعة الأوصاف التي يطلقها عليه البالغون والمربّون، فالأوصاف التي تصف به الطّفل تُعد رواسخ وقناعات فكريّة ونفسيّة ثابتة ترتبط في ذهنه فترات حياته المقبلة.

امنح طفلك فرص اتخاذ القرار وتحمّل المسؤوليّة وحل المشكلات ذاتيًّا: لا ترغم طفلك على أنْ يكون صورة مطابقة لما تراه أنتَ صحيحًا فحسب، بل امنحه فرصة إبصار الأخطاء، واشرح له بما يناسب قدراته وتفكيره أسباب الخطأ، والمبرّرات التي تجعله خطأ، وأساليب علاجه، وإيجاد الحلول بنفسه، ولا تعاجل بحلّ مشكلاته مع ابن عمّته متجاوزًا دوره وكيانه.

لا تبالغ بالقيود في العلاقة بين الطّفلين: فلا تفرض عليه طريقة اللعب والكلمات، فقط عليك بتمثيل بعض المواقف التّربويّة من خلال الدّمى، وتدريب طفلك على كيفيّة التّعامل بجرأة وسداد مع السّلوك الخاطئ أو تسّلط ابن عمّته.

لا تتنافى حريّة الرّأي والشّخصيّة مع وضوح القوانين وثباتها: فلا تترك علاقته مع ابن عمّته بلا قيود وخطوط حمراء، لكن لا حاجة للعزلة أو خلق المزيد من القلق والخوف في نفس طفلك تجاه تلك العلاقة، وعليكم باتخاذ الإشراف المباشر بصفة دائمة كنوع من أنواع الوقاية؛ لأنّ الأطفال في المراحل المبكّرة يكتسبون المهارات والخصائص النّفسيّة والسّلوكيّة من خلال فترات اللعب والتّوجيه المقدّم له أثناء تلك الألعاب الجماعيّة.

ساعد ابنك على بناء علاقة طيّبة مع ابن عمّته: فلا تجعله يدرك قيمة الهرب أو الانهزام منذ أوّل مواجهة مع العلاقات المليئة بالصّعوبات، بل درّبه على أنْ يكون قائدًا في السّيطرة على العلاقة بينهما من خلال الود والتّراحم والألفة بينهما، والتّأثير الطّيب بالحث، وأولى الخطوات التي ستعمل على تحسين العلاقة: عندما يخطئ ابن أختك في حق طفلك قف بينهما وقُل لطفلك بأنّك أمام خيارين: إمّا أنْ تأخذ حقّك من ابن عمتك بقوتك وترد له الإساءة بإساءةٍ مماثلة، أو تسمو بالخلق وتصبح الكريم فتعفو عنه وتسامحه، واجعله صاحب القرار، وكلا الخيارين فيه القوّة التي تحقق لطفلك شعوره بالانتصار والقدرة، وغالبًا ما يختار الأطفال الصّفح، فإنْ صفح فعليك استثمار الموقف بينهما؛ لتجعل من سماحة خلق طفلك درسًا لابن عمّته، إضافة إلى أنّ في ذلك تحسينًا لعلاقتهما وسلوكهما.

لا تضيّق على طفلك بكثرة التّوجيهات، وتأكّد بأنّ سلوكه جزء من سلوك الوالدين: فقط عليك أنْ تكون قدوة أنتَ ووالدته في كلّ سلوكٍ حسن وتعاونٍ وثقة ورحمة وحُسن تواصل، وأحبّه واقبله بكلّ ما لديه من صفاتٍ وخصائص.

اجعل لطفلك أنشطة خاصّة ومستقلّة: رافقه في بعض الأندية الرّياضيّة، أو النّشاطات الفنيّة والمكتبيّة، واجعل له يومًا إلى يومين بالأسبوع يخرج فيهما عن بيئة المنزل بأسرها، أدخله إلى مرافق اللعب الخاصّة بالأطفال، واتركه لفترات يسيرة بمفرده ليواجه العلاقات على اختلافها، ويبادر في اكتساب الرّفاق حسب سماته الشّخصيّة وميوله النّفسي.

وأخيرًا: شجّع طفلك وأدخل الفرح والسّرور إلى قلبه، واغرس في نفسه الخبرات السّارة، فلا تثر ألمه أو حزنه تجاه الخبرات التي تحدث بينه وبين ابن عمّته، ودرّبه على المبادرة والشّجاعة، واعمل على تهيئة فكره للنّضج باصطحابه إلى مجالس الكبار، وتأكّد بأنّك مأجور –بإذن اللهفي احتواء ابن أختك وحمايته من رفض البيئة له، فكم من المشكلات النّفسيّة السّلوكيّة التي تضاعفت لدى الأطفال نتيجة لشعورهم بالقهر من رفض البالغين!

نسأل الله السّداد والتّوفيق.

 

المستشار: أ.أميمة صوالحة