ابني ضعيف الشخصية والأطفال لا يتقبلونه!
الأطفال يستمدون ثقتهم بأنفسهم وقوة شخصياتهم من البيئة حولهم، وعلى الأخص من النواة الأسرية، ويمدهم حب الأهل غير المشروط والحنان والاحترام والتقدير الذي يعاملون به بالركائز الأساسية التي تبنى عليها شخصياتهم وثقتهم بأنفسهم وبالعالم حولهم.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
طفلي ضعيف الشخصية، يبلغ من العمر 12 سنة، لأي شيء وفي أي موقف يبكي، لا يحب أي أحد يحاسبه، ولا يتقبله الأطفال، ولا يحبون اللعب معه. ضعيف الشخصية يحاول إرضاء الآخرين وإثبات وجوده، لكنه متفوق دراسيًا، وجريء، ويحاول أن يثبت للآخرين أنه مستطيع، حتى الكبار لا يتقبلونه، فهو يثير غضبهم.
أختي الكريمة: إن لكل منا شخصيته التي تميزه عن غيره، ومجموع السمات الفطرية التي تولد مع الطفل والسمات المكتسبة هو ما يحدد طريقة سلوكه وطريقة تفكيره، وردود فعله، وطرق تعامله.
والأطفال يستمدون ثقتهم بأنفسهم وقوة شخصياتهم من البيئة حولهم، وعلى الأخص من النواة الأسرية، ويمدهم حب الأهل غير المشروط والحنان والاحترام والتقدير الذي يعاملون به بالركائز الأساسية التي تبنى عليها شخصياتهم وثقتهم بأنفسهم وبالعالم حولهم، فإن كان هنالك خلل ما في هذه النواة الأسرية؛ ظهر الخلل في شخصية الطفل وسلوكه. ومن الأساليب الخاطئة في التربية، والتي تساهم في إضعاف ثقة الطفل بنفسه وإضعاف شخصيته: الدلال الزائد والحماية المفرطة التي يحيط بها الأهل أبناءهم؛ فالدلال الزائد يضعف الشخصية ويهز الثقة بالنفس؛ ذلك أن الطفل الذي تعود الدلال يشعر بالضعف في داخله؛ لأنه يشعر بأنه لا يملك القدرات والمقومات التي تمكنه من مواجهة التحديات، فقد تعود الحماية من الأهل، ولم يدرب على الاتكال على النفس وتعلم المهارات المختلفة التي تساعده في مواجهة الحياة وتحدياتها، وتقوي من شخصيته.
كما أن القسوة الزائدة أيضًا، واستخدام الضرب والتعنيف اللفظي، والإكثار من الانتقاد والتجريح للطفل يهدم شخصيته، ويضعف ثقته بنفسه، ويفقده الاحترام والتقدير لذاته.
فكلا الأسلوبين من دلال زائد أو قسوة وضرب يؤدي إلى نفس النتيجة السلبية في النهاية.
كما أن هنالك نقطة أود التنويه إليها، وهي: أن الاختلاف في الصفات الشخصية أيضًا أمر وارد حتى ولو لم يكن هنالك أخطاء تربوية، فلكل منا شخصيته التي تميزه عن غيره، والشخصية هي مزيج من الصفات التي يكتسبها الطفل من طريقة التربية والعوامل البيئية، ومن السمات الفطرية أيضًا والتي تولد مع الطفل وتكون متأصلة فيه، فتجدين بعض الأشخاص بطبيعتهم خفيفو الظل يملكون قدرة على إمتاع الآخرين وترفيههم، بينما تجدين البعض يفتقر إلى الجانب الفكاهي في شخصيته، حتى وإن حاول وبذل الجهد لذلك، وهذه اختلافات شخصية طبيعية، والاختلاف شيء جميل في الحياة؛ فلكل منا صفاته التي تميزه ونقاط قوته ونقاط ضعفه، وابنك -حفظه الله تعالىلديه أيضًا نقاط قوة واضحة، فهو متفوق في دراسته، جريء كما ذكرت، وهاتان صفتان قويتان تمكنانه من النجاح في كثير من المجالات، وإن كان قد أخفق في جوانب معينة؛ لذا فمن المهم أن يكون تركيزنا كأهل على الصفات الجيدة لدى أبنائنا، وتعزيزها، وتسليط الضوء عليها؛ حتى تدعم ثقتهم بأنفسهم، ومن ثم محاولة تجنب التركيز على نقاط الضعف والنقاط السلبية؛ حتى لا نعززها لديهم بتركيزنا عليها.
وهنالك بعض الأمور التي تساعد في تقوية شخصية الأبناء ودعم ثقتهم بأنفسهم:
أن تعملي على تعزيز ثقة ابنك بنفسه، فتشعريه بداية باحترامك أنت لشخصه وتقديرك لآرائه، فاستمعي له حين يتكلم، واسأليه رأيه في أمور البيت، وأشعريه بتقديرك لآرائه، وركزي على الصفات الإيجابية عنده، وسلطي الضوء عليها؛ حتى يدركها هو نفسه فتعزز من ثقته بنفسه.
توقفي عن التركيز على نواقصه وصفاته السلبية، ومنها ما ذكرته من ضعف شخصية واستسلام للأصدقاء، ولا تكثري من ترديدها على مسمعه، أو تظهري له أنها مشكلة وتتطلب حلاً.
نمي قدراته الذاتية على حل المشاكل، وعلى اتخاذ القرارات وطرح الأفكار، وأكثري معه من لغة الحوار والنقاش، وأتيحي له الفرص ليعبر عن نفسه وعن رأيه ويؤكد ذاته، وتجنبي فرض الرأي والسلطوية في تعاملك أنت ووالده معه، وأعطياه قدرًا من الحرية في قراراته واختياراته.
ابدئي بتعليمه المهارات الاجتماعية المهمة لكسب الأصدقاء وكسب القبول بين الآخرين، وعلميه بعض الأساليب التي تساعده في تكوين الصداقة دون الحاجة إلى التنازل عن حقه أو الخضوع لأصدقائه، فعلميه حسن الاستماع والإصغاء، وعلميه أن يدرب نفسه على تقبل النقد أحيانًا، وأن لا يأخذ رأي الآخرين بحساسية، بل يستمع لآرائهم فيأخذ منه ما ينفعه، ويتجاهل ما قد يزعجه.
وشجعيه أيضًا على إقامة الصداقات، بأن تتيحي له المجال أن يدعو صديقًا ما أو أكثر لبيته يمارسان نشاطات يحبانها سويًا؛ فهذا سيتيح المجال لأصدقائه لمعرفته أكثر، ويقوي الود بينهم.
علميه أن البكاء لأسباب صغيرة هي صفة لا تليق به في عمره هذا، وأنها صفة قد تنفر الآخرين منه؛ لأنها تجعل التعامل معه أمرًا صعبًا، وأنه الآن فتى كبير، ومن المفترض أن يدرب نفسه على التحمل والجلد.
اغرسي فيه قيم الاعتزاز بالنفس، فأخبريه أنه يملك الذكاء والقدرة على التفوق والنجاح، ويملك الجرأة والقدرة على الكلام، وهو يستطيع بما يملك من صفات وهبه الله تعالى إياها أن يكون الصداقات، وأن يكون له حضور، دون الحاجة لأن يضع التنازلات ويبالغ في إرضاء الأصدقاء كي يقبلونه.
اطلبي من والده أن يصحبه معه لعمله من حين لآخر، أو عندما يذهب لقضاء حوائجكم أو زياراته لأصدقائه؛ فالأب عادة هو القدوة التي ينظر إليها الابن ويتعلم منها، ومرافقته لأبيه ستتيح له مراقبة طريقة تحدثه وتعامله مع الناس ومع الأمور، فيقتبس منه ويتعلم منه أسلوب الحوار وطريقة الطرح، وكيف يجذب الغير بحديثه، وكيف يستخدم الدعابة بطريقة صحيحة.
اعهدوا إليه بمسؤوليات في الأسرة يقوم بها، وعلموه الاعتماد على النفس، وشجعوه على تعلم المهارات المختلفة، فكلما كان الطفل أقدر على الاعتماد على النفس والاستقلالية والقدرة على التصرف لوحده؛ كلما تعززت ثقته بنفسه أكثر.
اكتشفي ما لديه من مواهب وهوايات وقدرات، وساعديه على تطويرها وإبرازها، ووفري له ما يلزم لذلك؛ حتى تعززي ثقته بنفسه.
ابنك متفوق دراسيًا، وأنماط الذكاء تختلف بين الأشخاص، فمنهم من يكون ذكاؤه أكثر بروزًا في الناحية الدراسية، ومنهم من يكون ذكاؤه أكثر بروزًا اجتماعيًا أو رياضيًا أو فنيًا وغيره، فحاولي أن تقربي ابنك من أقران آخرين يتلاقون معه في الاهتمامات والصفات، وربما يكون ذكاؤهم دراسيًا مثلاً، مثل ابنك، وسجليه في ناد للشطرنج مثلاً إن كان يحب هذه اللعبة، أو في نادي أصدقاء المكتبة مثلاً، أو أي مجال تعتقدين أنه قد يلتقي فيه بأقران يألفهم.
ولا تنتقدي سلوكه أمامهم، ولا تركزي على طريقة حديثه وتنتقديها، ولا تكبري المشكلة أكثر من حجمها، فأحيانًا نحن الكبار ننظر للأمور بطريقة مختلفة عما يراها أبناؤنا، فإن عملت على دعم ثقته بنفسه وتقوية شخصيته؛ فاستثمارك هذا لن يضيع هدرًا، وستجدين أن شخصيته مع الأيام تتطور شيئًا فشئيًا، وسيطور المهارات الشخصية التي تساعده في مواجهة أمور لم يكن يستطيع مواجهتها مسبقًا.
امنحيه حبك وعطفك ووقتك، دون مبالغة أو دلال زائد، وأشعريه باحترامك له وتقديرك، وأكثري من الثناء على سلوكياته وصفاته الجيدة مهما صغرت، وامدحيه أمام والده أو أمام الأقارب؛ فهذا يرفع من ثقته بنفسه ويشعره بحبكم وقبولكم له.
شجعيه على الرياضة، وإن كان لديه اهتمام بنوع معين من الرياضة ككرة القدم أو السلة أو غيرها؛ فسجليه في ناد لتنمية هوايته، كما أن رياضات الدفاع عن النفس مثل التايكواندو والكاراتيه مفيدة جدًا في تحسين الثقة بالنفس؛ لأن الطفل يشعر بأنه أصبح أقدر على حماية نفسه من قد يحاول أن يؤذيه.
أعطه انتباهك الكامل ووقتك عندما يتحدث إليك، واتركي ما في يدك وانتبهي إليه؛ حتى يشعر بأنه إنسان مهم له قيمته، وأصغي إليه جيدًا، وتجاوبي معه.
قوي إيمانه وثقته بالله تعالى، وعوديه التوكل على الله تعالى وإحسان الظن به، وأن يلتجئ إليه عندما يحتاج إلى شيء ما.
واحرصي على توفير البيئة الأسرية المستقرة التي يرى فيها الاحترام المتبادل بين أبيه وأمه وأخوته، وفي طريقة تعاملهم معه؛ فإن نظرة أبنائنا لأنفسهم وذواتهم كثيرًا ما يحددها نظرتنا نحن لهم وطريقة تعاملنا معهم، فإن أعطيناهم الاحترام والتقدير؛ رأوا أنفسهم من نفس المنظار، وانعكس هذا على احترامهم لذواتهم.
وأكثري له من الدعاء بالصلاح والفلاح، واسألي الله تعالى أن يحبب قلوب عباده به، وأن يجعله من السعداء دنيًا ودينًا.
ودمتم سالمين.
المستشار: أ. فدوى الشمايله